نتنياهو يظن أنه يستطيع فعل ما يشاء - يجب وضع حد له

إحدى مركبات "المطبخ المركزي العالمي" التي استهدفها القصف الإسرائيلي في غزة مؤخرًا - (المصدر)
إحدى مركبات "المطبخ المركزي العالمي" التي استهدفها القصف الإسرائيلي في غزة مؤخرًا - (المصدر)
أثبتت تصرفات نتنياهو جميعها أنها عززت موقف "حماس" ودعمته. ويبدو أن حماس قد نجحت في نصب فخ له العام الماضي، واستطاعت أن توقعه فيه بكل سهولة. وعلى الغرب أن يعيد النظر في دعمه إسرائيل، لا لإنقاذ الشعب الفلسطيني ومنع المزيد من المآسي وحسب، بل ومن أجل إسرائيل نفسها أيضاً.اضافة اعلان
*   *   *
يشير مقتل سبعة من العاملين في مجال الإغاثة الدولية إثر هجوم شنته طائرة مسيرة إسرائيلية في غزة إلى أننا نقف أمام منعطف يشير إلى تحول جوهري في هذا الصراع. وهو تحول قد ينتقل من الأبعاد الدبلوماسية والسياسية إلى المجال العسكري قريباً.
وفي حين أن التفاصيل الكاملة للحادثة ما تزال غير واضحة حتى كتابة هذه السطور، فإن علينا ألا نكون واثقين بأن السلطات الإسرائيلية ستقدم رواية شفافة وصادقة لما حدث.
من الواضح أن الهجوم كان متعمداً، ولم يكن ضرراً جانبياً ناتجاً عن عملية قصف، مما يستبعد تفسير الحادثة على أنها مجرد "خطأ"، أو نتيجة الفوضى التي تخلقها الحروب، كما وصفها أحد المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية. ويعكس هذا الفعل اللامبالاة التي تميزت بها سياسات الحكومة الإسرائيلية في إدارة هذه الحرب.
على الرغم من ادعاءات الجيش الإسرائيلي بإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، فإن الواقع الذي تنقله التقارير الإعلامية يظهر تناقضاً صارخاً. فمشاهد الدمار الهائلة وصور أطفال يعانون سوء التغذية التي تعرض على شاشاتنا طوال الوقت، تتناقض مع التصريحات المطمئنة من الجيش الإسرائيلي والمسؤولين عن العلاقات العامة في حكومة نتنياهو، التي تنفي خطر المجاعة وتؤكد سلاسة وصول المساعدات. هذا الواقع المرير لا يمكن إنكاره ببساطة واعتباره مجرد دعاية من "حماس"، بكل ما تحمله من صفات رديئة.
إن مشهد بقايا الجثث المتفحمة لأفراد قافلة المساعدات الإنسانية، خاصة وأن المركبة التي استهدفتها إسرائيل تحمل شعاراً واضحاً، يشير إلى طبيعة أعمالها الإنسانية، ويخبرنا الكثير عما جرى. وكذلك يفعل المقطع التلفزيوني لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يرد على الاستنكار العالمي. وهو مشهد مقلق، مع لمحة غريبة من التعاطف ترتسم على شفتيه وهو يتجاهل الحادثة بلا مبالاة، مذكراً العالم عرَضاً بأن مثل هذه الأحداث هي شيء لا مفر منه في أوقات الحرب.
تحدث نتنياهو وكأنه يتمتع بسلطة على السياسات الخارجية -ليس فقط للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأستراليا، وبريطانيا، وغيرها، بل وكأنه يستطيع التصرف من دون حسيب أو رقيب. ومن حديثه، قد ينسى المرء أن إسرائيل، على الرغم من صمود شعبها في مواجهة الهجمات، تعتمد على الدعم من الغرب وجيرانها الإقليميين لضمان أمنها.
ولكن أخيراً، وبعد صبر تجاوز كل الحدود، حتى أصدقاء إسرائيل وحلفاؤها الأكثر ولاء وصلوا إلى مرحلة أصبح التسامح فيها مع حكومة نتنياهو غير ممكن. وكذلك أصبحت المناشدات بضبط النفس والتوسلات لثني رئيس الوزراء عن خططه العدوانية عديمة الجدوى. فقد عامل نتنياهو الرئيس بايدن بازدراء شديد. وعامل وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، بلطف زائف. أما ديفيد كاميرون فعامله بتعال. وعلى الرغم من أن "محكمة العدل الدولية" استدعت إسرائيل للمحاكمة بتهمة الإبادة الجماعية، لم يغير ذلك من خطط تنفيذ هجوم جوي وبري عنيف على رفح.
حتى الولايات المتحدة الأميركية تخلت عن موقفها المعتاد بمواصلة استخدام حق النقض "الفيتو" ضد وقف إطلاق النار، وهو ما دفع إسرائيل إلى إلغاء محادثات كانت مقررة في واشنطن -وكأن دور الولايات المتحدة يقتصر على تنفيذ تعليمات نتنياهو بالوكالة في مجلس الأمن الدولي، وكأن إسرائيل هي العضو الدائم الذي يملك حق النقض. وكذلك، في تجاهل صارخ للدعوات المتكررة إلى عدم تصعيد الصراع، أقحمت إسرائيل الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران حين قصفت السفارة الإيرانية في سورية.
لم تعد غزة، إذا كانت كذلك بأي حال من الأحوال، مصدر القلق الوحيد لإسرائيل. فالوضع الإنساني المتردي تجاوز الحدود. وخطر اندلاع صراع أوسع نطاقاً وأكثر خطورة أصبح أكبر من أن يُترك نتنياهو من دون حسيب ولا رقيب.
يمكن اعتبار الهجوم الذي استهدف موظفي الإغاثة في منظمة "غلوبال كيتشن سنتر" رمزياً، ولكنه في الحقيقة نقطة تحول مهمة. لقد حان الوقت لنقول: "هذا يكفي". لقد بذل كل من الرئيس بايدن وريشي سوناك جهوداً جبارة لدعم إسرائيل، لكنهما الآن يعيدان النظر في مواقفهما، ويقولان لإسرائيل علناً إن الحرب أزهقت أرواحاً كثيرة ويجب أن تتوقف.
في المملكة المتحدة، هناك نقاش مستمر حول موضوع وقف بيع الأسلحة لإسرائيل. وكذلك الحال في الولايات المتحدة. وعلى نحو متزايد، لم تعد الدعوات إلى اتخاذ هذه الخطوة حكراً على أصوات اليسار أو الأسماء المألوفة في هذا المجال. فبيرني ساندرز وجيريمي كوربين، مع حقهما المطلق في التعبير، يجدان الآن صدى لآرائهما بين شخصيات كأليستير بيرت، الوزير المحافظ السابق، ودبلوماسيين مخضرمين مثل اللورد ريكيتس، الذين بدأوا التشكيك في الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل. هناك شعور متزايد بالإحباط مما يجري.
لقد حان الوقت لكي يتوقف الغرب عن استجداء نتنياهو للاستماع. وما يجب هو اتخاذ خطوات جادة لضمان استجابته.
لذلك، علينا الآن أن نتخذ الخطوة التالية ونفرض تغييراً في السياسة عبر خفض تدريجي للمساعدات العسكرية والمالية. لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي بينما يموت الأطفال وبينما يدفع نتنياهو بالمنطقة إلى حريق أسوأ.
لنكن واضحين: إن أميركا لن تخوض حرباً ضد إيران لمجرد تلبية أهواء نتنياهو. إنه شخص يفهم لغة القوة جيداً، وهذه اللغة هي ما يجب أن يستخدم معه. وسبق وأن حدث ذلك عندما تجاوزت إسرائيل حدود استغلال دعم حلفائها، ويمكن اللجوء إليه مرة أخرى. في الواقع، كان ينبغي اتخاذ هذه الخطوات منذ زمن طويل، عندما بات جلياً أن الغاية الرئيسة من النزاع هي الانتقام، وبأن الوسيلة المعتمدة هي فرض حصار ضخم يذكرنا بأساليب العصور الوسطى.
لا بد من وضع حد للصراع في غزة فوراً. مهما كانت تفاصيل نص قرار الأمم المتحدة، لا ينبغي السماح لإسرائيل بتجاهله واستمرار زحفها صوب رفح. يتعين إنهاء القتال الآن، ليس فقط لحماية الشعب الفلسطيني في غزة من مزيد من المآسي، بل من أجل مستقبل إسرائيل نفسها كذلك. فقد أثبتت تصرفات نتنياهو جميعها أنها عززت موقف "حماس" ودعمته. لقد نجحت "حماس" في نصب فخ لنتنياهو العام الماضي واستطاعت أن توقعه فيه بكل سهولة.
استغرق الأمر أقل من ستة أشهر بقليل حتى تتبدد الموجة القوية من الدعم العالمي والتعاطف مع إسرائيل التي أعقبت أعمال "حماس" المروعة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وفي أعقاب أعنف هجوم معاد للسامية منذ الهولوكوست -الذي راح ضحيته 1.269 من الأبرياء، إضافة إلى احتجاز رهائن وارتكاب جرائم أخرى ضد الإنسانية- وقف الأصدقاء والحلفاء إلى جانب إسرائيل. وحتى خصومها التزموا الصمت. وأعلن الساسة في الغرب حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسارعوا بتقديم المساعدات وضمان الدعم العسكري والمالي.
لكن، كم هو أمر مثير للدهشة، ويكاد لا يصدق، أن نجد أنفسنا الآن في الغرب، خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً، ونحن نتناول بجدية النقاش حول إمكانية فرض حظر على تسليح إسرائيل.
وكم هو أيضاً مثير للدهشة أن نجد توتراً في العلاقة بين رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء إسرائيل. وأن نشهد قيام إيران، الداعم الرئيس لـ"حماس"، بتوسيع نفوذها عبر الميليشيات والوكلاء الإقليميين، وكذلك قيام ميليشيات الحوثي بتعطيل طرق الشحن نحو قناة السويس. وأن تتعثر الاتفاقات الإبراهيمية، بينما تتلاشى جهود إسرائيل لتدشين علاقات دبلوماسية مع دول عربية مجاورة. وأن تجد إسرائيل نفسها، من بين جميع دول العالم، أمام "محكمة العدل الدولية" متهمة بالإبادة الجماعية. وأن تتخلل إسرائيل نفسها انقسامات عميقة، فيما تجتاح العواصم الغربية احتجاجات تشكك في شرعية وجود دولة إسرائيل.
هذه كلها نتائج مأساوية لكيفية إدارة حكومة إسرائيل لهذا الصراع. إنها حرب ترزح إسرائيل تحت وطأة خسارتها. ولذلك، آن الأوان لإنهائها.

*شون أوغرايدي Sean OGrady: مساعد رئيس تحرير صحيفة الإندبندنت.