هل نأمل بتغيير النهج؟

من أهم الدروس التي يجب على الدولة استخلاصها، أن الأزمة الحالية أكبر من موضوع قانون الضريبة على أهميته، وأكبر من موضوع رفع سعر المحروقات. هناك أزمة ثقة بين الدولة والمواطن أكتب ويكتب غيري عنها منذ سنين، وصلت لمرحلة لم يعد المجتمع راضيا عن إدارة الدولة بالطرق التقليدية. تختلف هذه الأزمة عن العام 2011 في نواح جوهرية عدة، وهي أن القطاعات المشاركة في التظاهرات اليوم أوسع من تلك قبل سبعة أعوام، وتشمل أجزاء من القطاع الخاص وعمان الغربية ولا تقتصر على فئة الشباب، وأن الشارع اليوم بلا قيادة بعد أن دمرت كل القيادات.

اضافة اعلان

ومن أهم الدروس الواجب استخلاصها أيضا أن تغيير الحكومة بحد ذاته لم يعد يقدم أو يؤخر ما لم يكن مقرونا بإرادة سياسية واضحة من الدولة بإجراء مراجعة شاملة لتعديل النهج القائم لإدارة البلاد. ويتطلب هذا التعديل إدراكا راسخا أن التشاركية في اتخاذ القرار لم تعد ترفا إن كانت يوما، وأن إعطاء المواطن صوتا حقيقيا بات ضرورة لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والسياسية أيضا. وقد وقف جلالة الملك بكل وضوح الى جانب هذا التوجه في حديثه مع الصحفيين.

هناك خطوات مطلوبة من أي حكومة جديدة لا تهدف فقط الى تهدئة الوضع وإرجاع الناس لبيوتهم، ولكن أيضا للتأسيس لمرحلة جديدة تبدأ بوضع برنامج سياسي اقتصادي شامل، قوامه المبادئ الآتية:

على المستوى السياسي، من المؤمل أن تشهد المرحلة المقبلة تشكيلا حكوميا لا يعتمد الوسائل التقليدية، وكتلة حرجة من الشخصيات الإصلاحية إضافة للرئيس الإصلاحي عمر الرزاز تتضمن عناصر شبابية لا يمكن تجاهلها بعد ما حصل، وتوجها واضحا لإعادة الولاية العامة للحكومة وإن بالتدريج، وإلى تحقيق السيادة الكاملة للحكومة على قراراتها، وتحمل مسؤوليتها أمام البرلمان. يتطلب ذلك قوانين مختلفة تنظم الحياة السياسية ويقتنع من خلالها المواطن بعدالة تمثيله وضمان سماع صوته.

وقد أظهرت الاحتجاجات الحالية أن النخب القديمة التي كان النظام يعتمد عليها، وخاصة في الأزمات، تتعرض اليوم لانتقادات غير مسبوقة، بل إن الشارع لا يثق بها. من المهم بمكان تطوير نخب جديدة قادرة على الإدارة، ما يعني البدء فورا بعملية جادة لإيقاف عملية تدمير كل القيادات، وتطوير حياة حزبية قادرة على إنتاج مثل هذه النخب. لا بد من الاعتراف أن عملية تهدئة المشاعر عن طريق بوس اللحى التي تمارسها النخب التقليدية انتهت.

على المستوى الاقتصادي، فإضافة لضرورة اقتناع الدولة بضرورة تلازم مساري الإصلاح السياسي والاقتصادي، فنحن أمام أزمة لا ينفع معها مفهوم الجباية، وبحاجة لخطة تحفز الاقتصاد وترفع الإنتاجية ومعدلات النمو، وتعالج موضوع الفساد بشكل مؤسسي. ليس باستطاعة أي حكومة تنفيذ مثل هكذا خطة من دون إشراك مجتمعي حقيقي. أما أن يشعر بعض الوزراء بثقل ذلك أو عدم قدرتهم أو رغبتهم في التحاور مع المجتمع، فموقعهم اليوم ليس في الدوار الرابع.

ولنتكلم بصراحة أكبر. إن أي خطة تطلب من المواطن التقشف من دون أن تفعل الحكومة ذلك أيضا لن تحظى بقبول شعبي. ولن تستطيع الحكومة بعد اليوم تبرير فرض ضرائب لزيادة الإيرادات بخمسمائة مليون دينار بينما تزيد نفقاتها المتكررة بحوالي المبلغ نفسه، ونحن ندفع ثمن مواقفنا الإقليمية الحكيمة. لقد حان الوقت لثقافة تقشفية حكومية ما تزال مؤجلة.

ما يجري الآن درس واضح للنخب السياسية التقليدية. هذا عصر التشاركية والديمقراطية. لقد ولى زمن اتخاذ القرار من دون هذه التشاركية. ولنتذكر دائما أن صداع التغيير أخف وطأة بكثير من مرض الوضع القائم.