هل ستشعل الحرب في أوكرانيا شرارة الربيع العربي المقبل؟

مصريات يشترين الخبز من أحد المخابز - (أرشيفية)
مصريات يشترين الخبز من أحد المخابز - (أرشيفية)

‏‏نيكول روبنسون؛‏‏ ‏‏وماريا جوديت* - (ريل كلير وورلد) 13/7/2022

ترجمة: علاء الدين أبو زينة‏‏

اضافة اعلان

أسعار القمح ترتفع الآن في جميع أنحاء العالم. ويبدو أن المنطقة الأكثر تضررًا بشكل خاص هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتمد بشكل كبير على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا. ومع ذلك، ليس القمح هو السلعة الغذائية الأساسية الوحيدة التي تأثرت بهذه الحرب. فإضافة إليه، تنتج روسيا وأوكرانيا أيضًا‏ 20 في المائة من الذرة في العالم و80 في المائة من زيت عباد الشمس، التي يتم تصدير معظمها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ‏
وبذلك، يجعل الاعتماد المفرط على الحبوب الأوكرانية والروسية حتى أصغر الاضطرابات في سلسلة التوريد تنطوي على تداعيات كارثية، لأن الزيادات السريعة في أسعار الخبز -الغذاء الأساسي لأكثر المواطنين المواطنين فقراً في المنطقة- أدت تاريخياً إلى نشوء الاضطرابات وعدم الاستقرار. ‏
‏في العام 1977،‏‏ اندلعت ‏‏أعمال شغب‏‏ في مصر بعد أن رفعت الحكومة دعمها عن الخبز وغيره من المواد الغذائية الأساسية. كما اندلعت أعمال الشغب هناك مرة أخرى في العامين 2007 و2008 بعد أن تسببت اضطرابات في سلسلة التوريد في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
قبل أشهر من بدء الربيع العربي في تونس في العام 2010، كانت تكاليف الغذاء قد حلقت في مختلف أنحاء المنطقة. ومن دون تقديم القادة العرب أي حلول يمكن ملاحظتها، خرج المصريون والتونسيون والسوريون واليمنيون وغيرهم إلى الشوارع مطالبين بـ"الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية". وأطاحت الاحتجاجات بعدد قليل من القادة. واتخذ آخرون خطوات للإصلاح. ومع ذلك، شهد العقد الذي أعقب ذلك اقتتالًا سياسيًا داخليًا كبيرًا، وحروبا أهلية، وفشلًا في تبني إصلاحات اقتصادية لمعالجة القضايا الأكثر استعصاء على الحل في المنطقة.
واليوم، أصبحت بلدان متعددة في الشرق الأوسط على وشك الوقوع في أزمة غذائية مماثلة، والتي تفاقمت بسبب النقص العالمي في الحبوب الناجم عن الحرب الجارية الآن في أوكرانيا. وبعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير)،‏‏ ارتفع ‏‏سعر القمح‏‏ إلى 12.09 دولار للبوشل الواحد -مرتفعاً من 7.86 دولار في كانون الثاني (يناير). ‏
‏وفي مناسبات متعددة، منعت السفن الحربية الروسية سفن الشحن الأوكرانية من مغادرة موانئها في البحر الأسود، موقفة بذلك تصدير أطنان من القمح والذرة.
كما طبقت روسيا وأوكرانيا أيضاً ‏‏قيودًا على التصدير‏‏ من أجل الحفاظ على إمداداتهما المحلية من الحبوب، وهي مشكلة كبيرة تؤدي إلى تفاقم النقص الغذائي العالمي. وتمثل روسيا، ثالث أكبر منتج للقمح، وأوكرانيا، رابع أكبر منتج له، معًا، حوالي 25 في المائة من مجموع الصادرات العالمية من هذه السلعة. ‏
‏ستكون مصر ولبنان أكثر دول الشرق الأوسط عرضة للمعاناة من النقص بسبب اعتمادهما على واردات القمح القادمة من أوكرانيا وروسيا.‏‏ ويعتمد ‏‏لبنان‏‏ على الدولتين المتحاربتين بنحو 95 في المائة من وارداته من الحبوب، ‏‏بينما تعتمد مصر عليهما‏‏ بنحو 85.6 في المائة من وارداتها من الحبوب أيضاً.‏‏
تمتاز مصر بأن لديها إنتاج الحبوب المحلي الخاص بها، لكن إنتاجها لا يكفي لإطعام هذا العدد الكبير من السكان. وحتى مع حصاد ناجح نسبيًا في نيسان (أبريل)، فإن الإمدادات المحلية في مصر لن تغطي سوى 62 في المائة من حاجة سكانها فقط. ولسد الفجوة، سيتعين على البلاد الاعتماد على احتياطيها الاستراتيجي أو إيجاد مورِّدين بديلين. وذكرت وزارة التموين المصرية أن إمداداتها المحلية واحتياطياتها الاستراتيجية ستكفي فقط حتى شباط (فبراير) 2023. وطلبت‏ القاهرة ‏‏مساعدات من صندوق النقد الدولي.
وفي الوقت نفسه،‏‏ حظرت صادرات‏‏ القمح والدقيق والسلع الأخرى لمدة ثلاثة أشهر أخرى لضمان كفاية الإمدادات حتى نهاية العام 2022. ‏‏غير أن هذه ‏‏الجهود‏‏ ‏‏أدت إلى انخفاض العرض في أماكن أخرى من المنطقة، مما أدى إلى نقص الحبوب وارتفاع الأسعار في البلدان المستوردة منخفضة الدخل. وتنتشر مسبقاً في البلد علامات التصنيف (هاشتاغ) بشكل فيروسي مثل: #ثورة الجياع، و#سيسي إرحل،‏‏ ومقاطع الفيديو‏‏ على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى ارتفاع منسوب عدم الثقة في قدرة رئيس البلد على التخفيف من أزمة الغذاء الوشيكة. ‏
ومثل مصر، يستورد لبنان بدوره كميات كبيرة من الحبوب من أوكرانيا وروسيا. وكان الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في العام 2020 ‏‏ودمر صوامع حبوب مهمة هناك قد أدى إلى ترك البلد مع احتياطيات مستنفدة من الحبوب. ونتيجة لذلك، يمتلك لبنان القدرة الكافية على تخزين إمدادات قمح كافية لمدة شهر واحد فقط وشهرين لعلف الماشية. ويتم الآن ‏‏تقنين‏‏ استخدام القمح‏‏ لدعم الأغراض الأساسية، ولكن مع تضاؤل العرض، فإن ارتفاع أسعار الخبز سيصب الوقود على بيئة سياسية قابلة للاشتعال مسبقاً، حيث يكافح سكان لبنان الساخطون مع اقتصاد منهار، وفساد مستشر، وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، ونقص في الوقود والكهرباء، ودولة مفلسة من دون حكومة فاعلة.
قد تكون للارتفاعات الحادة في أسعار المواد الغذائية في الشرق الأوسط تداعيات كارثية إذا تم تجاهلها. ومن دون إغاثة، قد يواجه لبنان ومصر والعديد من البلدان الأخرى مرة أخرى موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مماثلة لتلك التي أدت إلى ‏‏اندلاع انتفاضات الربيع العربي في العام 2010.
ذكرت‏‏ ‏‏إدارة بايدن‏‏ أنها ستعمل مع برنامج الأغذية العالمي وغيره من الهيئات متعددة الأطراف للتخفيف من نقص الغذاء في البلدان منخفضة الدخل، ومع ذلك، سيظل تضخم الأسعار على المدى الطويل مشكلة بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي تشمل عقودها الاجتماعية دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية. ومن دون قيادة الولايات المتحدة، ستبحث دول المنطقة عن التوجيه في أماكن أخرى. وتعمل الصين بهدوء على تعميق مشاركتها مع مصر وقد تستغل افتقار واشنطن إلى العزم لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة من التي تكافح من أجل التخفيف من تحدياتها الاقتصادية العديدة.
الآن، في أول رحلة رئاسية له إلى المنطقة، يزور الرئيس بايدن إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية لمناقشة أزمة الغذاء، وكذلك اتفاقات أبراهام والحرب في اليمن وإيران ومواضيع أخرى. ومن دون عرض رؤية سياسية متماسكة للشرق الأوسط، فإن تصريحات إدارة بايدن عن "عودة القيادة الأميركية" ستكون جوفاء فحسب. وسوف تنتظر الصين الفرصة لسد الفجوة. والأسوأ من ذلك، أن المنطقة قد تشهد عقدًا آخر من الاضطرابات السياسية على غرار ما حدث في أعقاب الربيع العربي، وهو أمر لا يبشر بالخير بالنسبة للولايات المتحدة أو شركائها الإقليميين، ولكنه سيكون مفيدًا لإيران وشبكاتها الوكيلة في سورية ولبنان والعراق واليمن.
لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل كلفة الوقوف على الهامش. بدلاً من ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تعمل الآن لثني البلدان عن تطبيق قيود التصدير وتشجيع النهوض باتفاقات أبراهام -وهي آلية إقليمية يمكن استخدامها لتحسين تنسيق الاستجابات الاقتصادية والسياسية والأمنية للتحديات الإقليمية، بما في ذلك أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق.

*نيكول روبنسون Nicole Robinson: باحثة مشاركة أولى متخصصة في شؤون الشرق الأوسط في "مؤسسة التراث". ماريا جودت Mariah Gaudet: خريجة برنامج القادة الشباب التابع لمركز الأبحاث. والآراء المعرب عنها في هذا المقال تخص الكاتبتين فقط.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Will the War in Ukraine Spark the Next Arab Spring?