‏النفاق الأميركي - مرة أخرى‏

مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن يستخدم الفيتو ضد الاعتراف بدولة فلسطين - (أرشيفية)
مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن يستخدم الفيتو ضد الاعتراف بدولة فلسطين - (أرشيفية)

‏‏روبرت فانتينا‏ - (كاونتربنش) 2024/4/24
لا شك في أن الولايات المتحدة هي أفضل مثال في العالم على المعايير المزدوجة: فهي تنتقد الجرائم التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا بينما تدعم –بل وحتى تمول- نفس أنواع الجرائم، سوى أنها أكبر وأوسع نطاقا بكثير، التي ترتكبها إسرائيل في غزة.‏

                       *   *   *
لا يعرف نفاق حكومة الولايات المتحدة حدودا. في 18 نيسان (أبريل)، تم تقديم اقتراح إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لقبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الهيئة الدولية، وبالتالي الاعتراف الفعلي بدولة فلسطين.

اضافة اعلان

 

‏‏ومن بين الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن، صوت اثنا عشر عضوا لصالح الاقتراح، وامتنع اثنان عن التصويت، وعارضته الولايات المتحدة وحدها باستخدام حق النقض (الفيتو‏‏). وجاءت هذه النتيجة‏ بعد ضغط محموم‏‏ مارسته الولايات المتحدة على الدول الأخرى في مجلس الأمن لإقناع واحدة منها على الأقل بالتصويت معها، حتى لا تضطر إلى الوقوف بمفردها مرة أخرى في دعمها الثابت لنظام الفصل العنصري في إسرائيل.‏


وكان فيدانت باتيل، المتحدث باسم وزارة ‏‏الخارجية الأميركية، قد صرح للصحفيين‏‏ قبل جلسة التصويت: ‏"ما تزال وجهة نظر الولايات المتحدة هي أن أسرع طريق نحو إقامة دولة للشعب الفلسطيني سيكون من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بدعم من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين".


لقد سئم كاتب هذا المقال من تكرار الإشارة إلى ما هو واضح: لا يمكن أن تكون المفاوضات فعالة إلا عندما يريد كل طرف شيئًا يمتلكه الطرف الآخر، والذي لا يمكنه الحصول عليه إلا من خلال التنازل عن شيء يمتلكه هو ويريده الطرف الآخر. لكن إسرائيل تأخذ كل ما تريد من الفلسطينيين مع إفلات تام من العقاب.

وكيف يمكن أن يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة من خلال المفاوضات عندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، أنها لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة أبدًا؟ لقد أتيحت للولايات المتحدة الفرصة لتحقيق الدولة في 18 نيسان (أبريل)، لكنها اختارت عدم القيام بذلك.‏


‏كان ريتشارد جوان، من مجموعة الأزمات الدولية‏‏ التابعة للأمم المتحدة، قد صرح قبل التصويت بما يلي: "إن موقف الولايات المتحدة هو أن الدولة الفلسطينية يجب أن تستند إلى اتفاقيات ثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إنها لا تعتقد أن الأمم المتحدة يمكنها إنشاء الدولة (الفلسطينية) بأمر". ويثير هذا التصور نقطتين مثيرتين للاهتمام:‏


‏1) أولاً، لن توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية. وقد أوضح نتنياهو ذلك بشكل متكرر.‏


‏2) إذا كانت الولايات المتحدة لا تعتقد حقًا بأن الأمم المتحدة يمكن أن تنشئ دولة بأمر، فكيف تفسر الولايات المتحدة إنشاء إسرائيل؟ ألم تنشئ الأمم المتحدة إسرائيل في 1947-1948 بأمر؟‏


‏لا شك في أن الولايات المتحدة هي أفضل مثال في العالم على المعايير المزدوجة: فهي تنتقد الجرائم التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا بينما تدعم –بل وحتى تمول- نفس أنواع الجرائم، سوى أنها أكبر وأوسع نطاقًا بكثير، التي ترتكبها إسرائيل في غزة.‏


يشرح مسؤولون حكوميون في الولايات المتحدة أن الرئيس "جو الإبادة الجماعية" بايدن يعمل على إقناع نتنياهو بالسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، حيث يتضور الأطفال والكبار جوعًا حتى الموت. وكل ما يحتاج إليه في الحقيقة لتمكين دخول طوفان من المساعدات إلى القطاع هو إخبار نتنياهو بأن إسرائيل لن تتلقى فلسًا واحدًا آخر من "المساعدات" الأميركية حتى تنتهي معاناة الفلسطينيين.

 

لكنه يقوم، بدلاً من فعل ذلك، بإرسال أسلحة بقيمة مئات الملايين من الدولارات لقتلهم. فلماذا قد ترى إسرائيل أن عليها القيام بأي شيء مختلف؟  إنها تحصل على كل ما تريد من الولايات المتحدة -حتى عندما تبصق في العين الجماعية للولايات المتحدة.‏


‏قبل بدء حرب العراق، نُظمت احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء العالم. وفي الرد على تلك الاحتجاجات، ‏‏قال‏‏ الرئيس الأميركي في ذك الوقت، جورج بوش: "حجم الاحتجاج -إنه مثل اتخاذ قرار، حسنًا، كما لو أنني أقرر السياسة بناء على رأي مجموعة تركيز‏‏". وفي ذلك الوقت، كتب تود بوردوم من صحيفة "نيويورك تايمز"، في تعليق على ذلك البيان: "إن مجموعة التركيز هي حفنة من الأشخاص الذين يتم اختيارهم بعناية لتعكس المجموعة وجهات نظر متنوعة، ويتم تشكيلها لمساعدة السياسيين أو الشركات على معرفة كيفية بيع سياسة أو منتج.‏


وبقيادة أحد المُيَسِّرين، يتم لكزهم وحثهم في غرفة خاصة، وسؤالهم عما يعجبهم وما لا يعجبهم ويتم تشجيعهم على التحدث بينما يتنصت الاستراتيجيون من خلف مرآة أحادية الاتجاه.‏


وأضاف بوردوم: ‏"وعلى الرغم من أن السيد بوش قد لا يرغب في الاعتراف بذلك، فإن إدارته تستخدم مجموعات التركيز، وكانت آخرها للمساعدة في تحديد أفضل السبل لصياغة الرسائل العامة للإدارة حول الأمن الداخلي".‏


ربما يشعر "جو الإبادة الجماعية" بالطريقة نفسها. يمكنه أن يتجاهل الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم أعداد هائلة من المواطنين في الولايات المتحدة، الذين يستطيعون تمييز الإبادة الجماعية المستمرة ومعرفتها عندما يرونها. وهو يعتقد أن الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، من نوع غزو المستشفيات وقصفها؛ واعتقال وقتل العاملين في المجال الطبي وقتل المرضى؛ وقصف مخيمات اللاجئين؛ وقتل الصحفيين؛ وذبح الرجال والنساء والأطفال من دون تمييز؛ وإسقاط القنابل على عمال الإغاثة الإنسانية والمدارس والمساجد والكنائس والمراكز السكنية، ليست دليلاً على حدوث إبادة جماعية.

 

إنها ببساطة، كما يقول، جزء من "دفاع" إسرائيل عن نفسها من التهديد الوجودي الذي تشكله عصابة –هي في الحقيقة مجموعة من الناس المتفانين الذين يقاومون احتلالاً وحشيًا دام عقودًا.‏


‏‏وماذا عن التهديد الوجودي لفلسطين؟ على مدى عقود، كانت إسرائيل تسرق المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية، وتقيم مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتقتل وتعتقل وتعذب الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين بشكل تعسفي. لماذا لا تملك فلسطين، كما هي في نظر حكومة الولايات المتحدة، الحق في الدفاع عن نفسها؟‏


‏إن "جو الإبادة الجماعية" هو صهيوني عجوز، يؤمن بالأساطير التي تقول عن اليهود الذين يعارضون الفصل العنصري أنهم "يهود كارهون لذاتهم"، وليس مستعدًا للاعتراف بأن الأمم المتحدة، وليس الله، هي التي شردت 750.000 فلسطيني بشكل إجرامي من أجل إقامة النظام الصهيوني.‏


‏لقد خلقت الأمم المتحدة المشاكل التي ابتلي بها الشرق الأوسط على مدى 76 عامًا؛ ومن الواضح أن الولايات المتحدة ليست، ولم تكن، ولا يمكن أن تكون في أي وقت لاعبًا نزيهًا في حلها. يجب على الأمم المتحدة أن تعمل على إلغاء حق النقض غير الديمقراطي في مجلس الأمن، وإعطاء المزيد من السلطة للجمعية العامة التي تضم -على عكس مجلس الأمن المكون من 15 دولة- ممثلين من 193 دولة، وتحقيق الحرية للفلسطينيين. إن الإبادة الجماعية التي يجري ارتكابها حاليًا، والتي ستكون وصمة عار في سجلات العديد من الدول لأجيال قادمة، يجب أن تنتهي. ويجب عدم السماح للولايات المتحدة بتمكين استمرارها.‏


‏*روبرت فانتينا Robert Fantina: مؤلف وناشط وصحفي يعمل من أجل السلام والعدالة الاجتماعية. وهو مواطن أميركي، انتقل إلى كندا بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية للعام 2004، ويحمل الآن جنسية مزدوجة. وهو عضو في مجالس إدارة "أصوات كندية من أجل الحقوق الفلسطينية"، و"عالم ما بعد الحرب"، و"كنديون من أجل السلام والعدالة في كشمير". ‏

 

وهو مؤلف العديد من الكتب، منها:‏ "الاستعمار الاستيطاني في فلسطين وكشمير"؛‏ "الإمبراطورية والعنصرية والإبادة الجماعية: تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة". آخر كتبه "الدعاية، الأكاذيب والأعلام الكاذبة: كيف تبرر الولايات المتحدة حروبها".

 

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: United States Hypocrisy – Again.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

إيلان بابيه: إنه الظلام قبل الفجر، الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي يبلغ نهايته‏