ألمانيا تدفن أدلة التواطؤ في الإبادة الجماعية.. ونيكاراغوا تفضحها‏

‏شرطة مكافحة الشغب الألمانية تعتقل متظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، فرانكفورت، 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (أرشيفية)
‏شرطة مكافحة الشغب الألمانية تعتقل متظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، فرانكفورت، 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (أرشيفية)

‏‏جون بيري‏ - (أورينوكو تربيون) 2024/4/24


يوم الخميس، 11 نيسان (أبريل)، ألقى الدكتور غسان أبو ستة، جراح إصابات الحرب البريطاني الفلسطيني، خطابه الأول ‏‏كرئيس جامعة غلاسكو المعيَّن حديثا‏‏، الذي تم اختياره تقديرا لعمله في "مستشفى الشفاء" في غزة. وفي اليوم التالي سافر إلى برلين، حيث كان قد دُعي لإلقاء كلمة في مؤتمر كبير حول فلسطين.

اضافة اعلان

 

ولدى وصوله إلى هناك، اقتادته الشرطة واستجوبته لعدة ساعات. وفي النهاية قيل له أن عليه مغادرة ألمانيا، وأنه لن يسمح له بالعودة حتى نهاية نيسان (أبريل) على الأقل. كما أن أي محاولة منه للتحدث إلى المؤتمر عبر تطبيق "زووم" يمكن أن تؤدي إلى فرض غرامة عليه -أو حتى معاقبته بالسجن لمدة عام. وبحلول الوقت الذي أطلق فيه سراحه، لم يكن بإمكانه أن يشارك في المؤتمر على أي حال، حيث كان مكان انعقاده قد تعرض مسبقا لغزو ما لا يقل عن 900 شرطي قاموا بإغلاقه. وقال عمدة برلين ‏‏أنه "من غير المقبول"‏‏ أن يكون ذلك المؤتمر منعقدًا من الأساس.‏


‏بينما يتحدث عن تجربته‏‏ بعد ذلك، أشار الدكتور أبو ستة إلى حقيقة أن ألمانيا كانت -في الأسبوع السابق أيضا- تدافع عن نفسها في "محكمة العدل الدولية" أمام اتهامات نيكاراغوا لها بأنها متواطئة في حرب إبادة جماعية. وقال أبو ستة: "هذا هو بالضبط ما يفعله المتواطئون في جريمة. إنهم يدفنون الأدلة ويُسكِتون أو يضايقون أو يرهبون الشهود".‏


‏كانت مشاهدة البث المباشر لمحامي ألمانيا وهم يترافعون في لاهاي قبل بضعة أيام تجربة غريبة. فقد أعطوا الانطباع بأنهم يشعرون بالإهانة لأن ألمانيا اتهمت بارتكاب مثل هذه الجرائم، خاصة وأن الاتهام جاء من بلد صغير، كما قالوا، ليس له مصلحة في القضية.

 

كما أنه لا يمكن القول حتى الآن أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية لأن محكمة العدل الدولية لم تبت بعد في القضية المرفوعة ضدها من جنوب أفريقيا، والتي قدمت ألمانيا الدعم لإسرائيل للطعن فيها، كما قالوا. ولأن إسرائيل لم تكن طرفًا في القضية الجديدة، فينبغي ببساطة إسقاطها.‏


‏ربما كان بعض البحث سيساعد هؤلاء المحامين على تكوين تقدير أفضل لأوراق اعتماد نيكاراغوا التي تؤهلها لرفع القضية. إن تضامنها المتبادل مع فلسطين يعود إلى زمن بعيد. كما أن لديها خبرة في لاهاي أكثر من ألمانيا، بما في ذلك عملها الرائد ضد الولايات المتحدة في العام 1984، عندما كسبت تعويضا قدره 17 مليار جنيه إسترليني (لم يتم دفعه أبدا) عن الأضرار التي لحقت بنيكاراغوا بسبب "حرب الكونترا" التي مولتها الولايات المتحدة، وبسبب تلغيم موانئها.

 

وقال كارلوس أرغويلو، الذي قاد الفريق الذي عرض القضية الأخيرة والعديد من قضاياها السابقة، أن نيكاراغوا عرضت خبرتها على فلسطين وأنها انضمت مسبقا إلى تحرك جنوب أفريقيا في محكمة العدل. كما قررت استهداف ألمانيا، ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل، لأن الولايات المتحدة، أكبر مورد لهذه الأسلحة، تقع خارج اختصاص المحكمة في هذه القضية.‏


‏وأوضح‏‏ أرغويلو، سفير نيكاراغوا في هولندا ومستشار وزارة الخارجية، أن الهدف من هذا العمل هو خلق سابقة ذات تطبيق أوسع نطاقا -حيث تتحمل الدول المسؤولية عن عواقب مبيعاتها من الأسلحة لتجنب استخدامها في أعمال تنتهك القانون الدولي.

 

ولم تكن حجة ألمانيا القائلة بأن الإجراءات القانونية في المحكمة لا يمكن أن تمضي قدمًا قبل حل قضية جنوب أفريقيا السابقة أكثر من هراء، لأن الدول ملزمة بمنع الإبادة الجماعية، وليس الانتظار حتى يثبت حدوثها. وعلى أي حال، لا بد أن ألمانيا كانت على علم بالتحذيرات العديدة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة من الإبادة الجماعية الوشيكة في غزة، التي بدأت في وقت مبكر هو 9 تشرين الأول (أكتوبر).


‏ادعت ألمانيا أن لديها "إطارًا قانونيًا قويًا" لضمان عدم إساءة استخدام صادراتها من الأسلحة، وأن المبيعات إلى إسرائيل تقتصر الآن على المعدات غير الفتاكة. لكن أي إمدادات يتم إرسالها إلى جيش يرتكب إبادة جماعية تساعده في إدامة أعماله الإجرامية، كما أجابت نيكاراغوا.‏


قيل الكثير في المحكمة عن التزامات ألمانيا التاريخية بسبب تاريخها النازي، لكن أرغويلو يجادل بأن هذه الالتزامات يجب أن تتعلق بالشعب اليهودي، وليس بالدولة الإسرائيلية. ويضيف أن ماضي ألمانيا قد يلزمها أيضًا بالمساعدة في منع الإبادة الجماعية أينما حدثت. وكان المتحدث باسم حكومتها قد ادعى في قضية جنوب أفريقيا بأن ألمانيا "ملتزمة بشكل خاص باتفاقية الإبادة الجماعية".‏


‏كما مُنع الخبير الاقتصادي، يانيس فاروفاكيس، من التحدث في برلين أيضًا. وكان قد خطط ‏‏لاختتام خطابه‏‏ بإخبار السياسيين الألمان بأنهم "جللوا أنفسهم بالعار" من خلال دعمهم الثابت للفظائع الإسرائيلية. وردد كارلوس أرغويلو هذه النقطة ‏‏عندما سُئل عما‏‏ إذا كان يمكن بالفعل تنفيذ قرار يصدر عن محكمة العدل الدولية. قال: "علينا أن نحشد الشعور بالعار... هذا هو المأمول من هذا. ربما يكون هذا التصور مثاليًا للغاية، لكنه السلاح الوحيد الذي نمتلكه".‏


‏*جون بيري John Perry: كاتب وصحفي، ينشر مقالاته في صحف ومجلات "ذا نيشن"، "لندن ريفيو أف بوكس"، "الغارديان"، "مجلس نصف الكرة الجنوبي"، "كاونتربنش" و"غري زون" وغيرها. يقيم في ماسايا، نيكاراغوا.‏

 


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Germany Buries the Evidence of Complicity in Genocide:

Nicaragua Exposes It

 

اقرأ المزيد في ترجمات

  الذنب والمسؤولية‏: حالة ألمانيا وإسرائيل‏