بدران: الحسين شكا للأسد بأن مبارك أوقع بين الأردن والسعودية

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر"- (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر"- (تصوير: محمد ابو غوش)

- الحسين كشف أمام الأسد أنه اقترح على الملك فهد توحيد الأردن والسعودية تحت حكم آل سعود

- الأسد وصف جيمس بيكر إيجابيا ورأى أنه مستقل وصاحب وجهة نظر وأفضل من جورج شولتز

اضافة اعلان

- الحسين قال للأسد في دمشق: "لو قطّعت قطعا لما تنازلت عن الحق العربي بفلسطين"

- أبلغت الحسين مع التحضير لمؤتمر مدريد أن المرحلة تحتاج لغيري.. والملك كان يفكر بطاهر المصري

- الأسد ابلغ الحسين أنه هدد خلال الحرب بأنه سيقف مع العراق إن تعرض لهجوم إسرائيلي أو تركي

محمد خير الرواشدة

عمان- يكشف رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران اليوم، عن تفاصيل مهمة خلال لقاء قمة جمع الراحلين الحسين بن طلال والرئيس السوري حافظ الأسد، بعد انتهاء الحرب على العراق، وفي مرحلة التحضير لمؤتمر مدريد للسلام.
ويلقي بدران، في الحلقة الرابعة والثلاثين من سلسلة "سياسي يتذكر" اليوم، الضوء على بعض تفاصيل العلاقة العدائية من قبل الرئيس الأسد تجاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. كما ينقل عن الأسد إشادته بوزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر، الذي قاد التحضيرات لعقد مؤتمر مدريد بعد وقف الحرب على العراق.
 في هذا السياق، يشير بدران الى ان الأسد ابلغ الحسين في ذلك اللقاء انه كان سيقف مع العراق خلال الحرب إنْ تعرض الاخير لاي هجوم اسرائيلي او تركي. 
 ويكشف بدران اليوم ايضا ان الملك الحسين صارح الأسد في ذلك اللقاء بان اكثر من اساء للعلاقات الاردنية مع السعودية ودول الخليج، واوقع بين الطرفين، هو الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي كان يزعم امام السعوديين بان الحسين له اطماع في الجزيرة العربية.
كما يكشف ايضا ان الراحل الحسين تحدث امام الأسد، وفي سياق الحديث عن محاولات مبارك الايقاع بين الاردن والسعودية، عن انه سبق له ان اقترح على الملك فهد بن عبد العزيز بأن تتوحد المملكتان الاردنية والسعودية، وتحت حكم ال سعود، على ان يحلوا ازمات الاردن الاقتصادية، خاصة في ظل قطع المساعدات السعودية والعربية عن الاردن بظرف صعب جدا.
وحرص الحسين خلال لقاء القمة مع الأسد، على التأكيد على اولوية حل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة قبل التقدم باي مسارات اخرى في عملية السلام القادمة. فيما ينقل بدران عن الحسين قوله امام الأسد ايضا، وردا على ما نقل عن لسان احد المسؤولين السعوديين: "كهاشمي لو قطّعت قطعا لما تنازلت عن الحق العربي بفلسطين".
وكان بدران في حلقة أمس قدم تقييما شخصيا لاسباب الكارثة التي تمخضت عنها ازمة احتلال العراق للكويت، ومن ثم الحرب على العراق وتدميره، وما رافق ذلك من شق للصف العربي.

 وفيما يلي نص الحلقة الرابعة والثلاثين

* توقفنا في ختام الحلقة الماضية، عند اتصال هاتفي جرى بين الراحل الحسين، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وأن الحسين ابلغك نيته زيارة دمشق، هل كان ذلك مؤشرا لعودة العلاقات الأردنية السورية بعد الحرب على العراق؟
- لم تنقطع اتصالاتنا مع سورية، وظل الحسين والأسد على اتصال، صحيح أن هناك تباينا في المواقف، لكن العلاقة ما تزال جيدة.
أبلغنا الحسين بأن الأسد ابلغه في اتصال هاتفي، بأنه ولدى لقائه بجيمس بيكر، سأله الأسد ما هي الثقة، وهل تخلق بين الأعداء؟ وقد جرت العادة على أن تجري المصالحة ثم يخلق جو الثقة، وكيف تخلق الثقة مع عدو يحتل الأرض؟
ونقل الحسين عن الأسد قوله ايضا لبيكر "إن خلق الثقة يتم أولا بعد حل القضية الفلسطينية"، لذلك فان الحسين استشف من حديث الأسد استمرار اعترافه بالمنظمة، لكن بمفهوم الأسد، وليس بمفهومنا نحن، كما ابلغنا الحسين نيته زيارة سورية في أقرب وقت.
وتقديرات الحسين كانت تشير إلى أن تسارع الدعوة لحل القضية الفلسطينية غير طبيعي، وأنه يرى وجوب البدء بالمؤتمر الدولي لا أن ننتهي به، وإلا ما معنى الشرعية الدولية!.
لكن في المقابل، هناك تصريحات اسرائيلية مستفزة، وتقول بأن الحلم قد تحقق، فالضفة والقطاع جزء من إسرائيل، وأن الصلح يتم على حكم ذاتي للفلسطينيين.
املنا أن يظل الموقف السوري مساندا لنا، وان تتوزع المسؤولية على الطرفين، وأن السوريين بموقفهم من إرسال قواتهم لحفر الباطن ضد العراق، قد يساعدونا على الموقف الدولي، تجاه حل قضية فلسطين، فبعيدا عن موقفهم من ضرب العراق، فاليوم قد نستثمر بموقفهم هذا، لصالح الفلسطينيين، وهذه حكمة الحسين، الذي يجيد فعلا اللعب بالأوراق السياسية المتاحة، لذلك حافظ على خط التقارب مع السوريين.
أما حول الحديث يومها عن امكانية المصالحة بين السعودية مع اسرائيل، فراهن الحسين على عدم حصول ذلك، أما عن مصر، فهي أول من أضعف الموقف الفلسطيني، بذهابهم لـ"كامب ديفيد"، وكان تقدير الحسين ان أي دولة عربية تتصالح مع اسرائيل ستضر الأردن وفلسطين معا.
واجتهد الحسين بقوله إنه لا يعتقد بأن إسرائيل جادة بتسليم الأرض، وأنها تمارس لعبة سياسية، وأن المطلوب منا أن نمارس العمل السياسي، لإبقاء القضية الفلسطينية حية.
وربط الراحل بين التوجه الأميركي والإسرائيلي، وأن ما قدمته أميركا في مفاوضات مبادرة ريغان العام 1982 هو ما تقدمه إسرائيل في العام 1991، لذلك لن ينتج شيء. والمهم كان عند الحسين، أن يكون موقفنا قويا وثابتا، ويجب أن يبنى طرح الأردن على أساس قرارات الشرعية الدولية، لكن الحسين لم يكن متفائلا بنتيجة كل ذلك، وشاطرته الرأي.
المشكلة كانت تزداد تعقيدا، بالنسبة لنا، فالفلسطينيون في الخليج، هم ورقة ضغط على المنظمة، وكلما زاد التضييق عليهم، فانهم سيأتون للأردن، وسألت عرفات: من يطرد من الخليج، إلى أين سيذهب؟ لقد جاء للأردن 57 ألف طالب، وأننا نتحمل كل ذلك، وعرفات عاجز عن إقناع مصر، بعودة حملة الوثائق إليها، وخشينا من قدرتنا على تحمل العدد الأكبر من الفلسطينيين المقيمين في الخليج. لا نريد أن نقول لعرفات "دبر حالك"، لكن علينا أن نقنع الخليج، بأن التعامل مع هؤلاء مختلف عن التعامل مع حكومة الاردن أو قيادة المنظمة.
لكن بقيت الأمور غير واضحة، خصوصا أن فرنسا تناكف الولايات المتحدة، على فكرة عقد المؤتمر الدولي للسلام، ولها موقف متقدم لصالح الحقوق الفلسطينية.

* وهل جرت زيارة الحسين لسورية؟
- حصلت الزيارة نهاية شهر أذار (مارس) 1991 وخرجت برفقته، أنا ورئيس الديوان الملكي، وكانت زيارة ليوم واحد فقط، واستمر الحديث من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة الحادية عشرة ليلا، وأخذت القضية العراقية حصة الأسد من اللقاء، وكان اللقاء فيه من التلاوم واستذكار التاريخ الشيء الكثير.
لكن المهم، كان أن الموقف السوري واضح تجاه العراق، وأنه مع وحدة الأراضي العراقية، وهو ما أبلغ لإيران وللأكراد.
وتفاجأت من كلام الرئيس الأسد، بأنه جرى بينه وبين الاتراك، اتصالات حيال العراق، وأنه أبلغ تركيا موقفه المنحاز للعراق عسكريا إن تعرض لأي هجوم تركي.
وقال أيضا بأنه أعلن موقفه مع الأردن، إن تعرض لأي تهديد إسرائيلي، وهذا اعلنته الاذاعة السورية، وأنه ضد أي رد اسرائيلي على العراق، ولو أن ذلك حدث، لتغير موقف سورية من العراق.
لكن الأسد فصل بين موقفه من وحدة الأرض العراقية، وموقفه من صدام، وقال بأنه لو غير موقفه خلال الحرب على العراق، لجره صدام للمشاركة في حربه، وعندها ستضرب سورية، وعندها ستخسر سورية والعراق.
عند هذا الحد شعرت بتوافق كبير بين الراحلين، حيال الموضوع العراقي.
كانت النقطة الأخرى في اللقاء موضوع القضية الفلسطينية، ووضع الحسين الأسد بصورة مخاوفه، وقال الحسين "ليس من حقنا أن نقول للشعب الفلسطيني من يمثله"، فرد الأسد "خلينا نقول يمثله من يريد، وليس ابو عمار، الذي يكتفي بأريحا"، وأسهب في شرح وجهة نظره بعرفات.
واستغربت ايضا موقف الأسد، من جيمس بيكر، الذي وصفه بصاحب الفكر، وصاحب شخصية مستقلة، وليس كسابقه جورج شولتز، وقال: "عندما اتحدث مع أميركي أتصور يهوديا داخل عقله"، وأنه لاحظ على بيكر انه يحاول أن يكون مستقلا، من خلال محادثات استمرت 7 ساعات، وان الأسد ابلغه هناك بأن عودة الثقة تكون بعد عودة الارض وحقوق الشعب الفلسطيني، وليس العكس، وأن الثقة لا تكون بوضع العربة أمام الحصان، أي ان معادلة بناء الثقة غير قائمة إلا على عودة الأرض المحتلة، وإلا فان الشعوب ستقول عن الأنظمة التي صالحت، بأن الأسد لم يأت لسورية سوى بالعلم الاسرائيلي.
واعتبر الأسد بأن الكلام عن الشرعية الدولية "كلام فاضي"، ولكن علينا أن نناور، ونطلب استعمال القوة، كما تم استعمالها مع العراق، وأكد بأن السادات "عرض علينا الجولان، خلال كامب ديفيد، ولم توافق سورية، لموقفها المبدئي في الحل العربي على كل المسارات".
سأل الحسين عن موقف السعودية والكويت من مصالحة إسرائيل، فقال الأسد، بأنه لم يبحث ذلك، ورد الحسين بأن ذلك سيضعف دول المواجهة: سورية والأردن وفلسطين ولبنان، فأضاف الأسد؛ وسيضعف مصر أيضا.
وأكد الأسد للحسين بأن بيكر تحدث بموضوع، أن دول المواجهة هي دول الأساس، والدول العربية الاخرى دول مساندة داعمة.
تحدث ابو شاكر في ذلك الاجتماع، واشار بأن الأمير بندر بن سلطان تحدث على التلفزيون الأميركي، بأن حل قضية فلسطين بإقامة دولة في الأردن، فتعجب الأسد كثيرا، وقال بأنه سيبحث الأمر مع السعوديين.
وأستطيع التأكيد اليوم على ان موقف الحسين كان حازما في هذه القضية، عندما قال في ذلك الاجتماع: "كهاشمي لو قطعت قطعة قطعة، لما تنازلت عن الحق العربي في فلسطين"، وأيد الأسد ذلك.
* قيل لي عن مكاشفة غريبة جرت بين الأسد والراحل الحسين، في تلك الجلسة، وأن الحسين اشتكى من حسني مبارك؟
- هي القضية الثالثة، التي بحثها الاجتماع في دمشق، وهي العلاقات العربية العربية، وقال الحسين بأن أكثر من أساء للأردن كان حسني مبارك، بتقولاته غير النظيفة، عن مطامع الأردن بالسعودية، وأن موقف مبارك، جاء بعد أن خدمته الأردن، وحملته على ظهرها، وأعادته لحضن الأمة العربية.
وكشف الراحل الحسين أمامنا جميعا بأنه عندما كان في زيارة للسعودية العام 1990، بعد أحداث معان في هبة نيسان، وأنه شرح للملك فهد الوضع المالي لشعبه، وأبلغه بانه لا يستطيع أن يكون ملكا على شعب، يقاسي ومديون، وبدون مساعدات، وأنه اقترح توحيد السعودية والأردن، ويصبح الملك فهد ملكا عليها، وأنه يريد التخلي عن الملك، فقال الملك فهد: "أعوذ بالله"، فقال الحسين: "إذا لا يجوز معاملتنا بهذا الشكل".
وكانت السعودية تعتقد بأن مجلس التعاون العربي، كان ثمرة مؤامرة بين الحسين وصدام حسين، على ان ياخذ صدام الكويت، والملك الحسين يأخذ الحجاز.
وأكد الحسين للأسد بأن كل ذلك جاء بسبب حسني مبارك، الذي مارس دورا تخريبيا وفرق الأمة، وخرب بين الدول العربية.
فسأل الأسد الملك الحسين: "لكن ألم تطلب ان تنادى بالشريف الحسين وفي هذا الوقت؟"، فأجاب الحسين: قلتها بحسن نية، بعد أن "تلبسني" أحدهم في المطار، وظل يناديني "جلالتكم جلالتكم"، فقلت: "خاطبني بالشريف، واختصر على نفسك"، لكن، والقول للحسين: "اللي ببطنه عجين بمغصه".
وبدأ يتحدث الأسد عن ضرورة عودة العلاقات العربية، والالتزام بميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك، وأهمية تجاوز آثار الأزمة بسرعة.
ثم شكر الأسد الملك الحسين على استمرار الاتصال، على الرغم من اختلاف المواقف السورية والأردنية، فأكد له الحسين رحمه الله، بأن الأمر طبيعي، وله اتصال بذهنية الأسد السياسية. أما آخر اتصال للحسين مع الملك فهد فكان بعد آخر زيارة للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، الذي قال بأنه يفضل اجتماعا يجمع الملك فهد بصدام، وكان ذلك في الثاني من كانون الثاني (يناير) 1991، واتصل الحسين، لكن لم يأته جواب من الملك فهد، وقال الأمير سلطان، أن نذهب للعراق، ونقول لصدام "انسحب من الكويت، وإذا لم ينسحب فنعلن من بغداد، رفضه للفرصة الأخيرة، وعندها يريد أن يكون هذا الموقف هو إعلان بدء الحرب على العراق، وكل ذلك جرى بغدر من حسني مبارك، الذي نقل عنا كلاما لم نقله.

* بالعودة لموضوع الساعة؛ العراق، على ماذا اتفقتم مع السوريين؟
- نقل الحسين للسوريين صورة وضع العراق؛ أمنيا، وقال الحسين للأسد، ما نقله طارق عزيز، في آخر زيارة له لعمان.
وقد قال عزيز عن إيران بأنها بعد وقف إطلاق النار، في 28 شباط (فبراير) أدخلت فرقة من الأسرى العراقيين، والعراقيين من حزب الدعوة (فرقة التوابين)، وهم الذين هربوا لايران، أثناء الحرب العراقية الايرانية، وأنهم دخلوا منطقة السماوة، ومعهم ارتال عسكرية، ففوجئ العراق بالثورة في السماوة، وأن المعارضة الشيعية القادمة من ايران، بدأت بالذبح في تلك المنطقة على الهوية، وهذا ما قاله عزيز لنا، وأبلغنا به الأسد.
وقلنا له بأن معارك حدثت وكانت حامية، ومع أن عزيز أكد لنا سيطرة الجيش العراقي، إلا أن التدمير، الذي حدث، كان هائلا. كما نقلنا له ان عزيز اشار الى ان الجيش العراقي طرد المعارضة إلى منطقة الأهوار، وتمت السيطرة على 95 %. وعن السليمانية وأربيل وكركوك، فقد سقطت.
فقال الأسد "لا يجوز تسليط فئة لتدمير فئة، لا يجوز للحرس الجمهوري السنة أن يقتل الشيعة".
وأجرى الأسد مقارنته لنفس المشهد، الذي حصل في حماة، وأنه فضل العمل العسكري على أي شيء، مقابل الحفاظ على وحدة الأرض.
لكنه أكد لنا، بأنه قال لإيران وجلال الطالباني ومسعود البرزاني، إنه لا يقبل تقسيم العراق.
وقال الأسد بأنه رفض ايضا ان يعطي الثوار الأكراد ذخائر، لكنهم عادوا إليه، ليبلغوه بأن الحدود صارت مشتركة، وبالتالي الخطر مشترك، "ووجدنا بأن لديهم ذخائر وأسلحة ومدافع مقاومة للطيران، و20 طائرة هولوكبتر، ومستودعات أسلحة كيماوية، وصواريخ أرض ومنصات"، وفعلا فكر الاكراد باسقاط النظام العراقي وإقامة دولة ديمقراطية.
ومع أننا نقلنا للسوريين بأن طارق عزيز يتحدث عن الحل الدبلوماسي للأزمة مع الاكراد، وانهم اتصلوا بهم، فان الأسد قال إنهم (الاكراد) تلقوا رسالتين، لكنهم لم يعودوا يصدقون، فبعد كل اتفاق يذبحهم صدام.

* وعند ذلك دخلتم بملف السلام الدولي، وتداعيات الجلوس في مفاوضات مع إسرائيل؟
- تلك المرحلة يجيب عنها طاهر المصري، بصفته وزيرا للخارجية، وهو الذي حمل ملف الدبلوماسية. بالنسبة لي كرئيس حكومة، كنت اطلع على ما يجري في المباحثات، وكنت بدأت التفكير بالانسحاب من المشهد تدريجيا.
وقلتها للسفير الأميركي في عمان هاريسون: ما دمتم طالبتم بعودة العراق لحدود العام 1963 مع الكويت، فأنا لا أقبل إلا بحدود العام 1967.
التطورات بدأت عمليا، مع مؤتمر جنيف، من خلال الدعوة لمؤتمر إقليمي، يفضي لعقد مؤتمر دولي، وهو الاجتماع التحضيري لكل ذلك.
في جنيف التقى المصري مع جيمس بيكر، وشرح له بيكر آخر ما يفكر به الأميركيون، وما هو موقف سورية من المؤتمر الدولي للسلام، وهو أن ينعقد المؤتمر برعاية أميركية سوفياتية، بحضور كل الأطراف العربية والفلسطينيين، وذلك تنفيذا لقراري مجلس الأمن 242 و338.
وهناك أكد بيكر أن وجهة نظره هي الأرض مقابل السلام، إلا أن إسرائيل ترفض ذلك، وأكدنا بأن مبدأ الحكم الذاتي لن يحل الازمة، وعندها لن يكون هناك أرض مقابل السلام، فأشار بيكر إلى أن لا بديل من ذلك، فوضع إسرائيل يتحسن، ووضع العرب والمنظمة يتراجع.
وزاد من حساسية تلك الفترة، المواقف المريبة والملتبسة للعديد من الاطراف، فسورية ما يزال موقفها سلبيا من المنظمة، ونحن نخشى كثيرا من الاستفراد بالقضية، خلال أي مؤتمر دولي، يعقد تحت شعار الحل النهائي.
في 20 نيسان (إبريل) من العام 1991 زار جيمس بيكر الأردن، في أول زيارة له للأردن بعد ضرب العراق.
وحمل بيكر في تلك الزيارة رسالة خطية، من بوش إلى الملك الحسين، وهي رسالة مشحونة بالعواطف واللغة الإيجابية، وإبداء حسن النوايا، في عودة العلاقات الأردنية الأميركية لسابق عهدها.
الملك تحدث بوضوح عن نقطتين، الأولى تتعلق بوقف الاستيطان، والثانية أن يكون لدى اسرائيل نية حقيقية لتقديم الأرض مقابل السلام.
وعاد بيكر ليشرح معاناته مع التعنت الإسرائيلي، وأن إسرائيل لا تغير موقفها، وقد كانت زيارته لإسرائيل صعبة.
في المقابل، امتدح بيكر الفلسطينيين، الذين أبدوا تشددا في اجتماعهم الأول معه، لكنهم في الاجتماعين الآخرين كانوا أكثر مرونة، وأنهم صاروا أكثر ميلا، للقبول بوجودهم في المؤتمر كجزء من الوفد الأردني.
المهم، وبحسب تشخيص طاهر المصري، فإن بيكر كان يحمل ملامح خطة، وليس خطة، ويريد من تكرار زياراته، الحفاظ على ليونة المواقف، خوفا من عودتها لسابق تشددها.
وبقيت الأمور على هذا المنوال، وانشغلنا كثيرا بترتيبات أوضاع الوفد الفلسطيني، وكنا نريد لهم أن يكونوا بصورة كل الأمور، فالوقت ما عاد يسمح للخلافات معهم، على أي تفاصيل، لأننا نريد لهم فعلا أن يحصلوا على حقوقهم، وعن طريق منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وكنا بصورة كل الترتيبات، وساعدنا الفلسطينيين من خلال زيارات طاهر المصري إلى مصر ودمشق ولقاءاته مع بيكر، وكانت النتائج طيبة، على مستوى التمثيل بوفد مشترك.
وبعد ذلك، أستطيع القول لك، بأني غادرت تماما العمل الرسمي، وبدأت التحضير للمغادرة، معلنا موقفي للراحل الكبير الملك الحسين، بأن المرحلة الآن تحتاج غيري.

* هكذا من دون أي مقدمات؟
- لا؛ الراحل الحسين كان بصورة القرار، وأبلغني بأنه يفكر بطاهر المصري، رئيسا للحكومة، وقلت له بأن مهمة المصري ستكون صعبة أمام مجلس النواب، ويحتاج إلى دعم كبير من الراحل الحسين.
صحيح أن المصري شخصية كفؤة ونظيفة، لكن الملف كبير، ويحتاج لمناورات مخيفة مع مجلس النواب، فالملف هو ملف العلاقة مع اسرائيل والجلوس معها.