تحذيرات: القصص الخرافية تصيب الأطفال بأضرار

يجب سرد قصص على الأطفال بأسلوب منطقي يتناسب مع عقلياتهم - (أرشيفية)
يجب سرد قصص على الأطفال بأسلوب منطقي يتناسب مع عقلياتهم - (أرشيفية)

عبد العزيز الخضراء*

عمان- يقول أستاذ علم النفس التربوي في جامعة كاليفورنيا الشمالية البروفسور شايتور ماسون "آن الأوان لأن يحترس الآباء والأمهات، ويمتنعوا عن رواية الأساطير والخرافات لأطفالهم، لأن القصص الخرافية يمكن أن تترك أضراراً تلازمهم مدى الحياة".اضافة اعلان
وتشيع في البلاد العربية، كما في الغرب أيضاً، خرافات عن شخصيات وهمية ينسب الآباء والأمهات لها أعمالاً خارقة، أو يضيفون لها صفات مرعبة، ولو من قبيل تخويف الأطفال للكف عن التصرفات المعيبة.
لا جدال في أن للأساطير هدفا تربويا يراد ترسيخه في أذهان الأطفال، ولكن ينبغي على الآباء أن يختاروا منها ما يتلاءم مع واقع الحياة ويخدمها، ولا يتعارض مع حقائق الأشياء وطبائع الناس. نحن مثلاً نعلم أولادنا قصصاً، نبالغ في وصف أبطالها بالصدق المطلق والأمانة والطيبة اللامتناهية. ونجرد تلك الشخصيات من أي خطأ كـ"الشاطر حسن" و"السندباد" مثل هذه الشخصيات لا وجود لها بين البشر ولا يمكن أن توجد إلا في أحلام الفلاسفة وتمنيات الآباء.
ويستمر وَلَع الأطفال بالخرافات في بعض البيئات البدوية، إلى أن يبلغوا مرحلة الشباب، وهذا الوَلَع مَردّه إلى استجابتهم للنزعة التخيلية لديهم، التي تحقق لهم الرغبة في انفلات من حدود الزمان والمكان.
وتتميز الخرافة عن الأشكال السردية الأخرى بغلبة الخوارق على نسيجها القصصي، التي تكيِّف طبيعة الشخصيات فيها، وتتحكم في سير أحداثها؛ إذ تفقد الحركة القصصية تطورها الطبيعي بعد أعمال غيبية، كالجن والعفاريت والطلاسم، لتغير فجأة مسار الأحداث نحو اليسر أو العسر، بحسب طبيعة تلك القوى وغايتها.
وهي بذلك قد تعمل على تعطيل انتزاع الأزمة، بمعنيَيْها القصصي والنفسي، أو تعجل بِحلِّها ربما قبل الأوان، لذلك كانت منذ القديم أداة تعليمية، مساعدة في تربية الأطفال.
مصادر الخرافة في قصص الأطفال
جزء من التراث الشعبي مشترك، ومتداول في مختلف البيئات العربية، بحكم الظروف الفكرية الواحدة، والتجانس الجغرافي.
وإن كان يصعب على الباحث أحياناً أن يحدِّد بدقة تاريخ تنقل أنماطه في هذا البلد أو ذاك، والدوافع التي تقف وراء ذلك، والسبل التي سلكتها، ومنها: المَغازي، وقصص الأنبياء عليهم السلام والزهاد والأساطير والخرافات، ولا شك أن بعضه انتقل عن طريق الرواية، وأن أكثره وصل عن طريق مدوَّنات ذات طابع تاريخي أو أدبي، مثل؛ المَغازي، التي ما تزال رائجة في بعض البيئات الشعبية.
وتروي وقائع الفتوحات الإسلامية بعد أن أشاعها القصَّاصون والرواة، معتمدين على أعمال قصصية متأخرة، أخذت مادتها من كتب السِّيَر والمَغازي، التي ظهرت نماذج منها في زمن مبكر، القرن الأول الهجري، وحوت ما كان متداولاً مشافهة عن الفتوحات الإسلامية.
والخرافة من بين هذه الأنماط القصصية التي أخذت صياغتها في اللهجة المحلية، وخضعت أثناء تداولها إلى التعديل في بنائها بما يناسب البيئة الاجتماعية، وتبدو بعض هذه الخرافات العربية متماثلة، لا تختلف إلا في بعض الجزئيات، نتيجة ظروف كل بيئة، وتقادم الزمن، وتعدد الرواة.
ولهذا فكاتب الأطفال في هذا البلد أو ذاك، يستقي مادته من المصادر نفسها التي يستقي منها الكاتب الذي يقطن المساحة الجغرافية أو اللغوية أو الدينية ذاتها بشكل عام.
إن الالتفات إلى التراث أمر إيجابي بلا شك، فهو من المكوِّنات الأساسية في بناء الحضارة الإنسانية، ووسيلة مُهمَّة لتحصين الشخصية الفردية في مواجهة أي غزو ثقافي أو إعلامي، قد يُفقِد الطفلَ ثِقتَه بنفسه أو مجتمعه.
لكن صياغة حكاية خرافيةٍ ما للأطفال تقتضي تجنيب الطفل كل ما لا يتلاءم مع مستواه الإدراكي والنفسي والاجتماعي، وكل ما لا يتلاءم مع مفاهيم التربية الحديثة، غير أن بعض القصَّاصين لم يتنبهوا إلى هذا الأمر، فجاروا منطق الحكايات بدل تشذيبها وتطويعها، ولم يضعوا في اعتبارهم أن فيها جوانب إيجابية وأخرى سلبية.
ومن المظاهر السلبية؛ العنف الشديد، وغير ذلك من القصص التي حوَت مضامين هابطة بالقيم الاجتماعية، ولا نجد فيها ما يوحي بتحقير تلك الأفعال أو إدانتها.
غير أنَّ كُتَّاباً آخرين عمدوا إلى تهذيب هذه الحكايات، مما فيها من مواقف عنيفة، وقسوة شديدة، أو علاقات شاذة، منافية للأخلاق والدين، فاختلفت بذلك تفاصيل الحكاية الواحدة من كاتب لآخر، وهنا تبرز مَهارة القصَّاص في الملائمة بين عناصر الحكاية، ومعالجة ما قد يترتب عن تلك التعديلات والإسقاطات، من فجوات وتفكك يَمسّ بُنْيَة الحكاية.
الشخصيات الخرافية
في قصص الأطفال
تقوم القصة الخرافية عادة على مفهوم الصراع بين الخير والشر بين أشخاص عاديِّين ومخلوقات عجيبة من الجن والعفاريت والغيلان والوحوش وغيرها، وهي كائنات كثيراً ما تتشابه في أوصافها وسلوكها في النص الأصلي، والنص المقتبس للأطفال، فهي تتميَّز بالشكل المخيف والقوة الهائلة.
غير أن هذه الكائنات الضارية قد يكفيها الخيال المبدع لتغدو في بعض القصص وديعة، طيبة، تخدم الناس وتُحسِن إليهم، وهي بِمَلْمَحَيْها الخير والشر، تحافظ على السمات ذاتها التي أُثِرت عنها في المصادر القديمة.
فقد لزمت الكائنات الخرافية الذهنية العربية قبل الإسلام، وتسلَّطت عليها تسلُّطاً مهولاً، وشكَّلت مادة خصبة دارت حولها الأساطير العربية، وقد لعب الوصف والسرد القصصي، دوراً مهماً فيما وصل إلينا عن تشكّل أوصاف هذه الكائنات إلى جانب ما أمْلَتْه الشروح والتأويلات المختلفة لها، وما تزال هذه الكائنات إلى اليوم موضوعاً شَيِّقاً تنسج حوله حكايات كثيرة في المجتمعات.
وامتدَّ ذلك إلى ما يُقدَّم للأطفال من قصص تُسلِّيهم وتُبهِجهم، وتزوِّدهم بأدوات معرفية تساعدهم على التخلص مما قد يعترضهم من مواقف مُحرِجة في مستقبل أيامهم.
وإن ممّا تركِّز عليه قصص الأطفال التي أبطالها الغول والجن والعفريت، كما في الخرافات، على جدليَّة القوَّة والحيلة، فالكائنات الضعيفة تجدُ مخرجَها، مما يحيطها من مخاطر وشرور تسببها كائنات ترمز إلى الظلم والتسلط، بالاعتماد على الذكاء وبذل الجهد الصادق، وهو ما يريح نفسية الطفل، ويوحي له بقدرة الإنسان.
وقد تتلون هذه الكائنات التي تشكل هذا العالم الخرافي، فتتحوَّل إلى قوَّة كامنة في أدوات سحرية، مانِحة للخير والأمل، والمَغزَى التربوي المتوخَّى من ذلك كله، هو الإشادة بالقِيَم الإيجابية والمكافأة على التمسك بها، وفي الوقت نفسه التنفير من القِيَم السلبية.
ومن مساوئ تربية الأطفال بأساطير المعصومين من الأخطاء، أنها ترسخ في أذهان الطفل أن من بين الناس ملائكة. وبذا يكون الطفل في مقبل الأيام صيداً سهلاً للأفاكين والكذابين، لذلك يطالب شايتور بإعادة النظر في الأساطير، والقضاء على الخرافات التي تبذر الخوف في قلوب الأطفال، أو تزرع في أذهانهم الشك فيما يرويه آباؤهم، ويعيشوا في دوامة شك لا تنتهي مدى الحياة.
يطالب بقصص تبين ما في الحياة من خير وشر، وتغلب الخير على الشر بأسلوب منطقي يتناسب مع عقليات الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة، يطالب بأن لا نسد الطريق على أطفالنا، فلا نترك لهم فرص اكتشاف حقائق الحياة وحدهم ولا نحن نساعدهم بالصدق على اكتشافها.

*كاتب وباحث تربوي