مجتمعات غير صديقة للقلب

رشا سلامة
د. رشا سلامة

كعادتها، تتصيد شبكة الإنترنت اهتمامات المتلقي ومتابعاته المستمرة وشخصياته المفضلة، ولعل أجمل ما في هذه الظاهرة المزعجة، أن المتصفح على جهاز الحاسوب الخاص بي تنبه لاهتمامي الدائم بجراح القلب المصري العالمي مجدي يعقوب. لا يكاد خبر هنا أو حوار هناك يفوتني عنه، بل أستغرب من اندماجي بحديثه الطبي بنبرة صوته الهادئة إلى حد لافت.

اضافة اعلان


يسترسل بصوت منخفض وسلاسة، كأنما لا توجد علامات ترقيم في حديثه.
يسحبني معه طوال الكلام، فأنصت بتجل كأنما أسمع أغنية لأم كلثوم. ليس موقع «يوتيوب» وحده من يقترح علي فيديوهات لمجدي يعقوب، بل مقاطع فيديو «إنستغرام» كذلك.


أكثر ما استوقفني وكنت أحسبه مجازا إلى حد كبير ما يُطلق عليه «متلازمة القلب المكسور»، أو ما يُطلَق عليها بالإنجليزية Broken Heart Syndrome. وهي، بتبسيط شديد، لقليلة صبر مثلي، ارتفاع مفاجئ لهرمون الأدرينالين وتضيّق في بعض شرايين القلب، وهي تشابه أعراض النوبة القلبية، وقد تأتي بسبب انفعال شديد من حزن أو خسارة أو فقد أو حتى حالة فرح مفاجئة غير متوقعة. وفي الغالب، يتم التعافي منها لاحقا.


يحذر مجدي يعقوب منها كثيرا، ويقول إن أكثر ما يُشكل خطراً على القلب هو الحزن، مسترسلا كأنما هو يروي حكاية ما قبل النوم لأطفاله، حين كان والده طبيبا، وأصيب بالانهيار؛ ذلك أن شقيقته توفيت بروماتيزم القلب عن عمر يناهز 22 عاماً فقط، وكيف أنه لم يكن لهذا المرض آنذاك علاجا إلا في إنجلترا وليس مصر، فما كان من الطفل ذي الخمسة أعوام سوى أن وعد والده بأن يذهب إلى هناك ويجد حلا. على الرغم من استخفاف والده بكلامه. ذهب يعقوب إلى هناك بعد أعوام، وعكف على عمليات زراعة القلب، والأبحاث الطبية الرائدة بهذا الخصوص، وإنقاذ من يحتاجون لعمليات قلب في العالم العربي وفي المناطق النائية في العالم، وتقلد أوسمة شرف رفيعة وكرمته ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث.


يعرف يعقوب جيدا، وأخال أن هذا سبب تركيزه على التحذير من الحزن الذي يقود في مرات إلى «متلازمة القلب المكسور»، أن المجتمعات العربية ليست صديقة للقلب ولا للصحة. الازدحام المروري الخانق، التلوث، ضيق ذات اليد، اللهاث وراء لقمة العيش، سقف الحريات المنخفض، القمع، الطبيعة البخيلة جماليا، التاريخ والحاضر المغرِق في الحزن والحروب والانكسارات، الضغوطات الاجتماعية الخانقة، والكثير مما يقال في هذا الصدد. وسط حديث يعقوب حول هذه المتلازمة، أتذكر مقطعا من حوار في فيلم أميرة ويلز «ديانا» بينها وبين جراح القلب الباكستاني حسنات خان، حين سألته إن كانت هذه المتلازمة موجودة، ليجيبها نعم وأنه يظن أن ماريا كالاس واحدة ممن رحلن بسبب متلازمة القلب المكسور.


وعلى صعيد شخصي، أخال أن أقدارنا كعرب، وكفلسطينيين على وجه التحديد، تحتم علينا العيش بقلوب آيلة للإنهاك سريعا، تستدعي الرأفة. ولعل مصر أول من حاول لفت النظر إلى هذا؛ إذ تضع صورة جراح القلب المصري العالمي مجدي يعقوب في واجهة مطار القاهرة؛ ليُنعشَ القلب ويمنحه أملا في حياة أفضل.


أكتب هذه المرة، ويدي فوق قلبي المنهك، حقيقة لا مجازا؛ إذ أنهكتني كهرباء القلب قبل أعوام حتى أجريت لها عملية كي شريان تكللت بالنجاح، وما عدت أشعر بالتعب إلا تحت الضغط والحزن الشديدين. ولا أعرف.. لا أعرف البتة، كم سيحملني هذا القلب لمسافة أطول في هذه المجتمعات غير الصديقة للقلب.