تقسيم عبارة "حل الدولتين"

اللوحة التي عرضت نتائج التصويت على منح فلسطين مكانة العضو المراقب في الأمم المتحدة - (أرشيفية)
اللوحة التي عرضت نتائج التصويت على منح فلسطين مكانة العضو المراقب في الأمم المتحدة - (أرشيفية)

جون وايتبك* – (ذا بالستاين كرونيكل) 18/1/2013

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الكلمات تهمّ، بلا أدنى شك. إنها هي التي تشكل التصورات والأفهام، سواء لأحداث الماضي والحاضر أو لاحتمالات الأيام القادمة، ويمكنها بالتالي صياغة أحداث المستقبل. وقد عمل كل من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي اعترف بأغلبية ساحقة بـ"مكانة الدولة" لفلسطين، ومرسوم الرئيس محمود عباس في 3 كانون الثاني (يناير) القاضي باستيعاب "السلطة الفلسطينية" السابقة في دولة فلسطين، على إنشاء دولة فلسطين فعلياً على أرض فلسطين. والآن، أصبحت الدولة "واقعاً على الأرض" على المستويين القانوني والعملي، والذي لا يمكن تجاهله.
وقد تمت تلاوة عبارة "حل الدولتين" المكونة من كلا الكلمتين معاً لفترة طويلة بحيث أصبح يفترض على نطاق واسع أنها غير قابلة للتجزئة، وأنه لا يمكن أن تستقيم بإحدى كلمتيها دون الأخرى. والحقيقة أن إسرائيل والولايات المتحدة ظلتا تجادلان بلا هوادة بأن الدولة الفلسطينية يمكن أن توجد فقط نتيجة لـ"حل" تفاوضي يكون مقبولاً لإسرائيل. وفي ظل هذه الحالة، ظل بوسع السلطة القائمة بالاحتلال، والتي لم تظهر أي حماسة حقيقية لقيام دولة فلسطينية، بل ولم تحاول حتى تقمص أي مظهر للاهتمام في السنوات الأخيرة، أن تتمتع بحق النقض المطلق والدائم على إقامة دولة فلسطينية.
خلال احتلال العراق للكويت الذي استمر سبعة أشهر، لم تكف الكويت عن الوجود كدولة بموجب القانون الدولي، ولم يقل أحد إنها يمكن أن توجد كدولة فقط نتيجة لـ"حل" تفاوضي ينبغي أن يكون مقبولاً لدى العراق. وبالمثل، لم يكف العراق عن الوجود كدولة بينما كان تحت الاحتلال الأميركي. كان دولة محتلة ببساطة، مثل حال فلسطين اليوم.
وعلاوة على ذلك، قد يكون من المفيد التذكير بأن حكومة الولايات المتحدة ظلت خلال 50 عاماً قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، تعترف بدول البلطيق الثلاث التي كان قد تم استيعابها بشكل فعال وكامل في الاتحاد السوفياتي عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وظلت الولايات المتحدة تسمح لإعلام ما قبل الحرب لكل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بأن ترفرف بحرية فوق السفارات المعتمدة بشكل كامل في واشنطن.
في واقع الأمر، تبقى كلمة "دولتين" قابلة للفصل عن أي "حل". ثمة دولتان قائمتان الآن، حتى ولو كانت إحداهما ما تزال تخضع لدرجات متفاوتة من احتلال الأخرى. لكن "الحل" الذي ينهي الاحتلال المستمر لمدة 45 عاماً للدولة الفلسطينية ويسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بالعيش معاً في سلام وأمن –مع وجود درجة كبيرة من التعاون والانفتاح والاحترام المتبادل، في الوضع المثالي- هو الذي لا وجود له حتى الآن.
ولا يضمن وجود دولتين بالتأكيد تحقيق مثل هذا الحل. ومع ذلك، فإن الاعتراف شبه العالمي والقبول بأن ثمة دولتين، "على أساس حدود ما قبل العام 1967" وبوجود "دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967" (على حد تعبير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة)، قائمتان بالفعل، يسهل إلى حد كبير –في نهاية المطاف إن لم يكن على الفور- تحقيق مثل هذا الحل.
قد يكون القبول الدولي شبه الكامل بأن دولة فلسطين موجودة بالفعل كدولة، موضعاً لتقدير أكبر لدى إجراء فحص دقيق للاعترافات الدبلوماسية والأصوات التي تكشفت في 29 تشرين الثاني (نوفمبر). فقبل ذلك التصويت، كانت دولة فلسطين تتمتع بالفعل باعتراف دبلوماسي من 131 من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة. ثم، خلال هذا التصويت، صوتت 28 دولة إضافية، والتي لم تكن قد منحت حتى ذلك التاريخ الاعتراف الدبلوماسي لدولة فلسطين، لصالح ترفيع مكانتها كدولة في الأمم المتحدة. وكانت هناك 34 دولة فقط هي التي لم تفصح عن نفسها، بأي من الاتجاهين، إزاء مكانة الدولة الفلسطينية.
ومن المفيد أن نلقي نظرة فاحصة على هذه الدول الأربع والثلاثين. إنها: أندورا، أستراليا، جزر البهاما، بربادوس، الكاميرون، كندا، كولومبيا، كرواتيا، إستونيا، فيجي، ألمانيا، غواتيمالا، هايتي، إسرائيل، كيريباتي، لاتفيا، ليتوانيا، مقدونيا، وجزر مارشال، ميكرونيزيا، مولدوفا، موناكو، وناورو، هولندا، بالاو، بنما، ساموا، سان مارينو، سنغافورة، سلوفينيا، كوريا الجنوبية، وتونغا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
فيما عدا استثناءات قليلة، فإن أعضاء هذه المجموعة هم الأكثر إثارة للانتباه بسبب ضآلة أهميتهم. وتضم 12 من بين الدول الأربع والثلاثين (ومن بينها إسرائيل) عدد سكان أكثر من خمسة ملايين نسمة، في حين أن لدى 9 منها عدد سكان يقل عن 120.000 نسمة. وعلى النقيض من ذلك، ومن بين أكثر 20 دولة سكاناً في العالم، منحت 16 دولة الاعتراف الدبلوماسي لدولة فلسطين، وصوتت اثنتان أخريان (اليابان والمكسيك) لصالح منحها مكانة الدولة.
ينبغي لأصدقاء العدالة والسلام، والشعب الفلسطيني -بل وللأصدقاء الحقيقيين للشعب الاسرائيلي- أن يقوموا الآن بمراجعة لغتهم عند الحديث والكتابة عن فلسطين. إن الطرق الوحيدة الصحيحة قانونياً، وسياسياً ودبلوماسياً للإشارة إلى الجزء الذي يساوي 22 ٪ من فلسطين التاريخية الذي احتل في العام 1967 هي الآن "دولة فلسطين"، "فلسطين" و"فلسطين المحتلة". أما عبارات "السلطة الفلسطينية"، "الأراضي المحتلة" و"الأراضي الفلسطينية المحتلة،" فصيغ لم تعد مقبولة بعد الآن.
إذا كان بالوسع إقناع الحكومات ووسائل الإعلام الدولية -بما في ذلك، وأهم من كل شيء: الحكومات، ووسائل الإعلام في أميركا الشمالية وأوروبا – أو تعزيز إحساسها بالعار بحيث تتجه إلى استخدام المصطلحات الصحيحة، فإن التأثيرات طويلة الأجل على المفاهيم العامة والفهم الشعبي ستكون عميقة وبناءة.
لم تعد القضية تتعلق الآن بإمكانية قيام دولة فلسطينية وكيف يمكن أن تأتي إلى حيز الوجود -أو حتى ما إذا كان ذلك ما يزال ممكناً. إنها موجودة فعلاً. وقد أصبحت المسألة الآن هي: متى وكيف سيأتي الاحتلال الذي تخضع له دولة فلسطين إلى نهايته؟ ويبقى وصف هذا التحدي بشكل مناسب أمراً ضرورياً لفهم طبيعته بالشكل الصحيح، وهذا الفهم ضروري إذا كان الإسرائيليون ليعودوا من حافة الهاوية الانتحارية التي ظل المشروع الاستيطاني غير القانوني المتفاقم يدفعهم إليها في السنوات الأخيرة.
يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين والأصدقاء الحقيقيين للشعبين على حد سواء أن يروا الآن بوضوح، وأن يرفعوا أبصارهم ويشرعوا بالسعي نحو خلق رؤية مقنعة لمجتمع أفضل بكثير من الوضع الراهن، وبحيث يتم إلهام الإسرائيليين والفلسطينيين بأن يقبلوا في قلوبهم وعقولهم على حد سواء أن السلام مرغوب فيه وممكن، وأنه يمكن تشارك العيش في الأرض المقدسة، وأن منهج "الفائز يحصل على كل شيء" لا ينتج سوى الخاسرين فقط، وأن كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يكونوا فائزين جميعاً أو أنهم سيستمرون جميعاً بأن يكونوا خاسرين، وأن هناك وجهة مشتركة، والتي سيكون كلا الشعبين راضياً بالوصول إليها والعيش فيها معاً.

اضافة اعلان


* محام دولي، شغل منصب مستشار قانوني لفريق التفاوض الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: "Partitioning the "Two-State Solution

[email protected]