خريطة القوة المتغيرة في سورية: ما الذي تريده تركيا

ترجمة: علاء الدين أبو زينة ستيفن أ. كوك - (مجلس العلاقات الخارجية) 21/12/2018 يزيل الانسحاب الأميركي من سورية العقبة الرئيسية أمام حملة تركية محتملة للقضاء على القوات الكردية السورية، والتي قد تفضي إلى مرحلة أكثر خطورة من الحرب الأهلية السورية. * * * أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التاسع عشر من كانون الأول (ديسمبر) أن ما يقرب من ألفي جندي أميركي المتواجدين في شمال شرق سورية سوف يغادرونها على الفور -الآن بعد أن تم إلحاق الهزيمة بقوات ما تدعى "الدولة الإسلامية". وقد أثار إعلان ترامب نشاطاً محموماً في داخل الحكومة الأميركية لتطوير خطة للانسحاب، كما استدعى مزيجاً من التحذيرات والانتقادات من المشرعين من كلا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. وسوف يعني الانسحاب الأميركي تكاثف الجهود الإقليمية للتنافس على كسب السلطة؛ وتقف روسيا وإيران والنظام السوري في الوضع الأفضل لكسب معظمها. رقعة الشطرنج السورية يشكل قرار الرئيس ترامب خيانة لشريك واشنطن الرئيسي على الأرض، قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تسيطر على ما يقرب من ثلث مساحة سورية. كما يترك القرار الحلفاء الإقليميين الرئيسيين، وخاصة إسرائيل، أكثر انكشافاً أمام إيران وحزب الله، اللذين يحتفظان بتواجد في سورية. ومن دون وجود الولايات المتحدة في سورية، فإن الفاعلين الإقليميين سيعتمدون على روسيا لتحقيق مصالحهم هناك. كما يعزز قرار ترامب تركيا أيضاً. وكانت الحكومة التركية قد سعت إلى وضع نهاية لعلاقات الولايات المتحدة العسكرية والدبلوماسية مع قوات سورية الديمقراطية. وتقول أنقرة إن المكون الرئيسي لقوات سورية الديمقراطية، وحدات حماية الشعب الكردية، هو جزء من حزب العمال الكردستاني الذي كان قد شن حملة إرهابية ضد تركيا لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً. ومع ذلك، فإن المزايا التي قد تحققها تركيا من انسحاب أميركي ربما تكون قصيرة الأجل. لما الانسحاب يهم سوف يكون من شأن انسحاب القوات الأميركية من سورية -إلى جانب قرار الإدارة الأميركية بيع تركيا أنظمة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي (في انتظار موافقة الكونغرس) أن يفعل الكثير لإصلاح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا، لكنه ينطوي على مخاطر هائلة بالنسبة للحكومة التركية. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن أنه قد يؤجل توغلاً مخططاً له لقواته في شمال سورية. وفي حال قام الجيش التركي حقاً بتنفيذ الغزو ومحاولة الوصول إلى الحدود العراقية بهدف تدمير وحدات حماية الشعب الكردية وإحباط الحكم الذاتي للأكراد في سورية، فإن تركيا قد تجد نفسها عالقة في حرب غير نظامية في بلد أجنبي. ووفقاً للتقارير الصحفية والتحليلات الأخرى، فإن أعداد مقاتلي وحدات حماية الشعب في قوات سورية الديمقراطية تتراوح بين ثلاثين وستين ألف جندي، والذين اكتسبوا خبرات قتالية كبيرة من القتال على مدى السنوات الأربع الماضية. وإذا كان القتال الذي امتد عقوداً ضد حزب العمال الكردستاني ليقدم أي دليل، فهو أن تركيا ربما تكون بصدد توريط نفسها في صراع مطول ضد قوات ستعمل بطريقة شبيهة لأساليب حرب العصابات. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تتحول وحدات حماية الشعب مباشرة نحو الحكومتين، السورية والروسية، في أعقاب قرار إدارة الرئيس ترامب. ويبدو من شبه المؤكد أن الأكراد سيبرمون اتفاقاً مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ربما يستطيع أن يتعايش مع شكل ما من أشكال الحكم الذاتي الكردي في الشمال الشرقي إذا أبقى هذا التعايش على صلاحية قصة استكمال سيطرته على الأراضي السورية. ويمكن أن يثير ذلك احتمال حدوث مواجهة بين سورية وتركيا التي تريد توسيع مدار نفوذها في شمال سورية للحيلولة دون أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي، ولتوفير ملاذ آمن يمكن أن يذهب إليه اللاجئون السوريون. ومن المتوقع أن تعمل روسيا، التي تقدم الدعم الدبلوماسي والعسكري للقوات الكردية السورية، على استغلال كافة أطراف القضية، بحيث تضمن أن يكون لها الحد الأقصى من النفوذ مع أنقرة، والمزيد من إضعاف روابط تركيا المتوترة مسبقاً مع حلف الناتو وأوروبا. ما الذي يمكن لنا مراقبته يمكن أن نراقب ما ستفعله وحدات حماية الشعب الكردية ونظام الأسد. وتشير كل الدوافع في اتجاه إبرام صفقة بين الطرفين، والتي تزيد من فرص استعادة الأسد السيطرة على كل الأراضي السورية، وتزود الأكراد بالقليل من الحماية ضد الجيش التركي وحلفائه من الميليشيات. وإذا حدث ذلك، فإن الوضع في شمال سورية يمكن أن يتدهور بشكل ملحوظ، خاصة إذا أعطى إردوغان الأمر بالغزو. كما تمكن مراقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد أصبح بوتين الآن الوسيط الذي بلا منازع لمستقبل سورية، ولكن سيترتب على موسكو أن تتعامل مع المصالح المتنافسة لسورية وتركيا. وفي حال تمكن بوتين من إدارة هذا الوضع المعقد من دون التسبب بمواجهة كبيرة بين الأتراك والأكراد، أو بين الأتراك والسوريين، فإنه سيعزز دوره كزعيم إقليمي مهم. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Syria’s Changing Power Grid: What Turkey Wants [email protected]اضافة اعلان