وأخيرا انتبهت الحكومة للكتاب..!

لعقود طويلة، لم تنتبه الدولة للكتاب وصناعته. ففي الوقت الذي بدت فيه هذه الصناعة على وشك التدهور في بلدان مجاورة، لم تقدم حكوماتنا الماضية أو التالية، على فتح مسارات ومنافذ لإنتاج الكتاب في البلاد وتعزيز صناعته، لتصبح نوعا من الاستثمار محليا وعربيا.اضافة اعلان
وبالمناسبة، تعد صناعة الكتاب والثقافة، من الاستثمارات المهمة في دول كثيرة من العالم، تخصص لها ميزانيات ضخمة، لتعود عليها بأرباح أضخم، تعزز من مكانتها السياحية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ولا نبتعد عن الأمر كثيرا، حين نقول إن إعادة طباعة كتب شكسبير وتمثيل مسرحياته، تعد من ركائز الدخل القومي البريطاني.
صحيح أن صناعة الكتاب تحتاج الى أرضية، توقف التدقيق في محتويات الكتب ومنعها، ومنحها الحرية لتتحرك بهدوء وبدون عوائق، لكن هذا الأمر لم يخطر في البال، بالرغم من أنه يحقق للدولة مكانة ثقافية نوعية، والدخول في مسار صناعة مجدية، وجعل المملكة قبلة للكتاب والمثقفين العرب على الأقل، وبوابة للحريات الفكرية.
هذا كله لم يحدث، وما حدث فقط، أن الدولة، انتبهت أخيرا للكتاب، لكن انتباهتها مؤلمة، ومجحفة بحق أعظم اختراع بشري، ومن دون أن تملك حتى ورقة صغيرة تشير الى أحواله، أو إحصائية تبين حجم صناعته، وما يمكن أن تضخه الى خزينة الدولة، وهبطت هذه الانتباهة، بفرض ضريبة 10 % عليه، ويا ليتها لم تنتبه، وتركته منسيا من حساباتها كالعادة.
تدرك الحكومة الحالية أن ضريبة من هذا النوع، غير معروف إيرادها للخزينة، وقد لا يكون الأمر مفرحا كثيرا لدائرة الضريبة في نهاية العام الحالي، حين يتكشف المردود الضئيل لهذه "السلعة" المسكينة، التي تعاني أساسا من عدم اعتناء، وتقع في آخر اهتمامات الدولة والمواطن، ولا تعد حاجة ملحة عنده، لكي يقبل عليها.
صحيح أن واقع القراءة في طريقه للتحسن، والسبب حجم الأعداد الكبيرة من المتعلمين، والتقلبات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية برمتها، ما يدفع للاستزادة معرفيا لدى هذه الفئات وبعض الراغبين بالمعرفة بالقراءة من الكتب، لكن هذا لا يشكل حالة يمكن عبرها القول إن لدينا إقبالا على الكتاب، فغالبية دور النشر والموزعين، يعيشون اليوم، حالة من الارتباك أمام هذه الضريبة، التي ستخلخل أهم أساسات صناعتهم، وتهدد بالإضافة اليهم، المطابع والكتاب والقراء في مصادر رزقهم ومعرفتهم.
ففي ظل أوضاع اقتصادية معيشية، تعلم الحكومة حجم صعوبتها على المواطن، سيتراجع الإقبال على الكتاب، وقد يصبح نسيا منسيا، في وقت تذهب فيه الدولة الى صياغة أدبيات لمناهضة التطرف والعنف والإرهاب، والحض على النهوض بالمجتمع ثقافيا وفكريا، غير مدركة أن هذا كله، لا يتأتى بتدمير صناعة الكتاب، الذي يمكنه بانتباهة بسيطة منها، أن يسهم بإحداث نقلة وعي متقدمة للأجيال، تحقق مردودا تنمويا وتحمي الشباب من التورط في التطرف والعنف والإرهاب.
وهنا أسأل، لماذا لم تحسبها الحكومة جيدا هذه المعادلة، قبل أن تقدم على فرض ضريبة على الكتاب، أم أنه حتى انتباهتها اليه، جاءت مرتبكة ومشدودة الى كونه مجرد سلعة لا أكثر، يمكن أن تضيف الى خزينتها بعض النقود التي ستكتشف أنها لا تساوي قرار فرض الضريبة؟