أحكام مسبقة تقضي على حلم ذوي الإعاقة بالوظيفة

ربى الرياحي

عمان - "كم هو مؤلم أن يبدأ الحلم بالتلاشي ويقتل الطموح وتحال الأمنيات إلى الوهم فقط لمجرد أن أشخاصا خصهم القدر بفقدان حاسة أو أكثر من حواسهم".. بهذه الكلمات الموجعة يصف العشريني خالد سميح معاناته في البحث عن وظيفة تؤهله لئن يكون عضوا منتجا في المجتمع قادرا على إعالة نفسه وتحقيق كل ما يصبو إليه من أحلام.اضافة اعلان
يقول خالد إنه وبعد تخرجه من الجامعة وحصوله على معدل جيد جدا في البكالوريوس في تخصص المحاسبة أصيب بحالة من الإحباط الشديد الذي جعله يفقد الثقة بواقع لا يتردد أبدا في أن يقلل من قدرات ذوي الإعاقة ويحكم عليهم بالفشل مسبقا.
ويضيف أن ذلك لم يكن من فراغ، بل كان نتيجة رفض وتهميش أرباب العمل له، لكونه يعاني من إعاقة حركية، فهي من وجهة نظرهم كفيلة بأن تبعده عن حلمه في الوظيفة، باعتبارها حاجزا حقيقيا يحول بينه وبين حياته العملية.
ويبين أن هناك مواقف كثيرة واجهته أثناء بحثه عن عمل يناسبه أثرت فيه بعيدة كل البعد عن الإنسانية واحترام حقوق الآخر بالرغم من اختلافه. يقول "نظرات استنكار وازدراء تلك التي كنت ألمحها في أعين البعض ممن اضطروا لمقابلتي.. وأيضا أسئلة تخرج عن آداب اللباقة والرقي كانت تؤذيني نفسيا مثل.. ليش ما بضلك ببيتكم مش أريحلك.. وكأنهم يسلبوننا أهم حق من شأنه أن يقضي على العزلة التي قد تستوطننا في حال استسلمنا لظلم المجتمع ورضينا بأن نبقى أغرابا عنه بلا هدف". 
أصحاب عمل يحرمون ذوي إعاقة الحصول على عمل
أحكام مسبقة وغير منطقية وتفتقد أيضا للإنسانية تلك التي تصدر عن أشخاص يجهلون بالطبع أهمية الوظيفة بالنسبة لذوي الإعاقة، الأمر الذي يجعلهم يستنكرون عليهم هذا الحق بل وأكثر من ذلك، فقد يصل الحال ببعضهم إلى حرمان هذه الفئة المسلحة بالإصرار من أن يكون لها فرصة حقيقية وجادة تستطيع من خلالها أن تثبت نفسها وبالتالي تستقل ماديا ونفسيا.
والسبب وراء ذلك كله هو التمسك بأفكار بالية تقف عند حدود الإعاقة، وترى فيها الجانب السلبي فقط من عجز واستسلام وتعطيل فعلي للإمكانات. مثل هؤلاء يرفضون وبشدة وجود ذوي الإعاقة في الحياة العملية، ويحاولون بشتى الطرق تهميشهم والاستخفاف بهم وبقدراتهم، بدون أن يفكروا حتى في إخضاعهم للاختبار لكونهم مقتنعين بفكرة واحدة لا يريدون التخلي عنها، وهي أن الشخص من ذوي الإعاقة بحاجة للمساعدة دائما، وبالتالي سيعيقه ذلك عن تأدية دوره على أكمل وجه. وكأنهم يعطون لأنفسهم كامل الحق في إسدال الستار على طاقات مبدعة تبحث عمن ينصفها ويمنحها ما تستحق من الفرص.
ذوو إعاقة يحاربون لإثبات ذاتهم وقدراتهم
أما الثلاثيني ضياء عبد الرحمن فهو أيضا شاب يعاني من الإعاقة الحركية. يقول ان ظروفا صعبة وقاسية حالت بينه وبين إكمال دراسته، وجعلته أسيرا لنظرات الشفقة والعطف التي تشعره بأنه عاجز تماما عن فعل أي شيء حتى أبسط الأمور التي تخصه. لكن رغبته بأن يكسر كل الحواجز التي تعترض حلمه في أن يكون له عمل يستطيع من خلاله أن يغير كل المعتقدات الخاطئة عن الإعاقة حفزته لئن يتعلم مهنة الميكانيك رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته، والتي أيضا أعطت للبعض فرصة للومه ومعارضته بحجة أنهم يرون في ذلك خطرا عليه.
ويضيف أن إتقانه للمهنة وثقته بأنه قادر على أن يتميز، كل ذلك لم يشفع له ولم ينصفه وكأن الجميع ممن حوله اتفقوا على استبعاده وتجريده من حقه في أن يحترم إنسانيا وينظر إلى إمكاناته بمعزل عن إعاقته التي غالبا ما تكون مصدر قوة وعطاء بالنسبة لكثيرين.
ويبين أن هناك أشخاصا في المجتمع لا يكتفون برفضه وحرمانه من أن تكون له وظيفة تريحه نفسيا وماديا، بل قد يسمحون أيضا لأنفسهم بأذيته وتجريحه، ومن ذلك يذكر موقفا لأحد أصحاب المحلات الذي تقدم إليه بطلب وظيفة فكان رده "شو بدي أشغلك إذا إلي إلهم رجلين مش لاقيين شغل" مثل تلك الردود كما يقول تؤلمه وتهينه، لكنها في نفس الوقت تقويه وتجعله يحزن على أشخاص غابت ضمائرهم وتخلوا عن إنسانيتهم.
نظرات قاصرة وأحكام مسبقة
وعن الظلم المجتمعي لذوي الإعاقة وإشعارهم المتعمد بالغربة تقول سلام أمين إن "التجاهل والإقصاء والرفض كلها مشاعر سلبية موجهة ضدنا فقط ،لأننا نختلف عن غيرنا في الاحتياجات والصعوبات التي تعترضنا بسبب الإعاقة"، مبينة أنهم يعتقدون أن ذلك من شأنه أن يضعفنا ويهزمنا ويحولنا إلى أشخاص محبطين لا فائدة منهم يعيشون خارج الحياة. وتضيف أن تمسكهم بنظرتهم القاصرة تجاه ذوي الإعاقة تمنعهم من أن ينظروا لقدرات جديرة بأن تحترم وتستغل بطريقة تتواءم مع وضعهم الخاص، الأمر الذي يتسبب غالبا في التعتيم على حقوق فئة تأبى أن تكون عالة على أحد.
وتقول: أنا كغيري من ذوي الإعاقة أصدر في حقي الكثير من الأحكام المسبقة التي تؤكد فشلي، وترسخ فكرة العجز التي حرمتني طويلا من أن أتساوى مع من حولي، ويتم توظيفي بناء على الإمكانات التي أتمتع بها والتي تؤهلني حتما لأكون شخصية مستقلة تعتمد على نفسها في كل شيء.
واليوم هي تعمل في أحد المراكز التي تعنى بشؤون ذوي الإعاقة، وعملها هذا بالنسبة هو الحياة بكل ما تحمله الكلمة، حيث تشعر بالانتماء لكل زاوية في ذلك المكان كما أنها مدينة لأشخاص آمنوا بها وبقدراتها، وسمحوا لها أن تختبر تلك السعادة التي تجعلها أقوى وأصلب في حوزتها عدد كبير من الإنجازات التي تستحق أن تقدر.
الميل للعزلة ردة فعل على رفض المجتمع لهم
ويرى اختصاصي علم النفس  د.موسى مطارنة أن الحكم المسبق على قدرات ذوي الإعاقة، والتمسك بالنظرة السلبية تجاههم يشعرهم حتما باليأس، مما يؤدي إلى تأثرهم نفسيا وميلهم للعزلة مع الاستسلام لتلك الآلام التي تسيطر عليهم كردة فعل على رفض المجتمع لهم واعتباره عدوهم الأول.
ويقول إن الواجب تجاههم يبدأ من القدرة على التعامل معهم بإنسانية بعيدا عن الانتقاص وإنكار حقوقهم لكونهم فقدوا حاسة من حواسهم؛ إذ إن التقدير لهم وتشجيعهم على تجاوز مشكلاتهم وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم يزيد بالتأكيد من تفاؤلهم، ويرفع من مستوى مفهوم الذات لديهم، ومن ثم يصبح بمقدورهم مواجهة واقعهم باتزان.  ويشير إلى أن السبيل لإنصاف هذه الفئة يأتي من الاعتراف بهم وبإمكاناتهم التي لا حدود لها، والتي ينبغي أن تستغل بطريقة تتناسب مع ظروفهم.
ينبغي رفع الوعي  لدى أصحاب العمل
ويقول د.بندر أبو تايه أستاذ مشارك في إدارة الموارد البشرية والوقت إن معظم أصحاب العمل يرون بذي الإعاقة شخصا غير مؤهل مهنيا، بسبب إعاقته التي تعتبر من وجهة نظر الكثيرين عقبة حقيقية كفيلة بأن تحرمه من أن ينخرط في سوق العمل وأخذ الفرص المناسبة كل حسب وضعه.
ويضيف الاعتراف بحق هذه الفئة بالتوظيف يأتي من قدرة المجتمع على تغيير اتجاهات المدراء التقليديين، ورفع مستوى الوعي لديهم لكي يستطيعوا التحرر من تلك الفكرة المتجذرة في عقولهم، والقائمة أساسا على أن صاحب الإعاقة عاجز تماما عن فعل أي شيء، وبالتالي هو لا يصلح للعمل.
ويؤكد أن حل هذه المشكلة يكمن في تفعيل الأنظمة والتعليمات داخل الشركات والمؤسسات، والإيمان بإمكانات أشخاص يعرفون جيدا كيف يصنعون نجاحهم بشرط أن تتوفر لهم كل السبل لذلك.
ذوو إعاقة يملكون مهارات عالية تتساوى مع غيرهم
ويذهب خبير الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش إلى أنه في ظل التكنولوجيا الحديثة أصبح من السهل على ذوي الإعاقة القيام بوظائف تركز في الدرجة الأولى على الناحية الذهنية للشخص، بغض النظر عن حالته الجسدية والتي قد تكون غالبا سببا رئيسيا في إطلاق الأحكام المسبقة عليه، وتجريده من حقه في أن يتساوى مع غيره.
وبالتالي، باستخدامنا لهذه الآلية نكون قد تجاوزنا إشكالية التوظيف الجثماني وسمحنا لهذه الفئة من طالبي العمل بأن يبرزوا ما لديهم من إمكانات ومهارات عقلية يثبتون من خلالها أن الإعاقة لا تعني أبدا العجز بل هي في أغلب الأحيان محفز على الإنجاز.
وهؤلاء الأشخاص، وفق عايش، يبدون التزاما أخلاقيا أكثر من غيرهم تجاه وظائفهم لكونهم يشعرون بأهميتها، وبضرورة الحفاظ عليها وذلك لصعوبة حصولهم على وظيفة أخرى بسبب التمييز الذي يمارس ضدهم.
ويضيف ان دور المجتمع هنا يظهر جليا في قدرته على فرض عقوبات لردع كل شخص ينظر لهذه الفئة نظرة انتقاص أو حتى شفقة، فهم ليسوا بحاجة إلى هذا النوع من المشاعر السلبية كل ما يحتاجونه هو الدعم بناء على ما يتمتعون به من إمكانيات.