الأجور في القطاع العام والخاص

نتائج المسح للأجور أظهرت أن المعدّل العام للإجور في القطاع العام يتفوق على نظيره في القطاع الخاص. ونفترض انها نتيجة مفاجئة في ظلّ الانطباع عن تدنّي أجور القطاع العام، واذا أخذنا بالاعتبار أن الفئة العليا من الرواتب في القطاع الخاص هي اضعاف مثيلتها في القطاع العام (راتب الفئة الجديدة من مديري الشركات الكبرى أضعاف راتب رئيس الوزراء) فلا بدّ أن الأمر معكوس تماما بالنسبة للأغلبية العادية من العمّال والموظفين.

اضافة اعلان

يحدث هذا مع أن القطاع العام أكثر جمودا وحركة الرواتب والأجور تخضع لأنظمة ثابتة, وتتحسن الرواتب من خلال الزيادات السنوية المتواضعة, بينما القطاع الخاص المتحرر من القيود البيروقراطية يتبع حركة السوق التي تشهد ازدهارا شاملا، وفي كثير من المجالات شهدنا ظهور فئات من الرواتب الفلكية. لكن مقابل الرواتب العالية للمديرين من فئات معينة يتمّ التعامل بتقتير شديد مع بقية العاملين.

صاحب رأس المال ليس مصلِحا اجتماعيا ومهمته تعظيم الأرباح وتقليل النفقات، ولن يدفع الا ما هو مضطر لدفعه, وهو لن يزيد ما يدفع إلاّ لسببين؛ إمّا قوّة التنظيم النقابي أو حاجته الماسّة مع قلّة العرض، وفي كلتا الحالتين، فالوضع في الأردن ليس لصالح الموظفين والعاملين. فالبطالة ما زالت عالية وعرض العمل أكثر من الطلب عليه، والتنظيم النقابي ضعيف للغاية والقيادات النقابية (في الغالب) لا تمثل, حقاً وبقوة, مصالح أعضائها، وليس تحتها تنظيم نقابي حقيقي. وهناك نفور تاريخي من جانب الدولة من وجود تنظيم نقابي حقيقي مستقلّ.

الانطباع أن الأمان الوظيفي والتأمين الاجتماعي والصحّي في القطاع العام تقابله رواتب متدنية ليس صحيحا، كما يبدو ففي القطاع الخاص أمان وظيفي أقلّ ورواتب أقلّ ايضا. وما يطفو على السطح من رواتب مميزة في بعض القطاعات يحجب وضعا بائسا للأغلبية.

إن سياسة التحرير الاقتصادي وتقليص دور الدولة الاجتماعي أدّى الى تقوية وتوسيع قاعدة الرأسمال, وقد تطورت وتوسعت الثروات بصورة هائلة دون ان تتغيّر كثيرا شروط العمل، وتعمقت التباينات الاجتماعية كثيرا ولم ينعكس النمو الاقتصادي على الشرائح الدنيا من المجتمع.

التوازي بين التحديث الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية يجد ترجمتَه الآن في المبادرات الملكية الكثيرة التي تتركز على إسناد الفئات الدنيا من خلال مشاريع الإسكان والتأمين الصحّي لعموم الأطفال والشيوخ والدعوة لضمان التأمين الصحّي لجميع العمّال، الى جانب الدعم الملكي الذي حظيت به دائما خطط وبرامج التحديث الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.

هذا التوازن يجب أن يترجم في السياسات الحكومية بصورة أكثر فعالية، ونقدّر خطوة وزارة العمل بإنشاء نظام لجنة التشاور الثلاثية لشؤون العمل التي تمثل الحكومة والعاملين وأرباب العمل لكن يجب التركيز على أن يكون التمثيل العمّالي أكثر عمقا ومصداقية بإصلاح شامل للنقابات العمّالية.

[email protected]