"السياسة والمجتمع": اعتبارات إستراتيجية وأمنية تحكم السياسات الأردنية تجاه سورية

كميات من المخدرات ضبطت في طريقها للمملكة عبر سورية-(أرشيفية)
كميات من المخدرات ضبطت في طريقها للمملكة عبر سورية-(أرشيفية)

توافق نخبة خبراء ومتخصصين أردنيين وغربيين على أن هنالك اعتبارات إستراتيجية رئيسة وأمنية، تحكم السياسات الأردنية تجاه الوضع السوري، تتمثل أولا، بالحل السياسي هناك، وإنهاء الحرب والأزمة الداخلية، ومنع تحول سورية لـ"مركز إقليمي" للمخدرات، ومكافحة التطرف والإرهاب، وملف اللاجئين السوريين".

اضافة اعلان


وأطلق المشاركون في "سيمنار" علمي، عقده معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت، بعنوان "الحرب في سورية: طريق إلى الأمام" (عبر تقنية زووم بتاريخ 11-10- 2022)، على المقاربة الأردنية والدولية تجاه الملف السوري بـ"سياسة الخطوة بخطوة"، إذ يربط التقدم نحو ما يسمى "تطبيع" العلاقات مع النظام السوري، بمدى تقدّمه خطوات نحو الحل السياسي والتأقلم مع الأجندة الدولية والإقليمية.


وانتقدوا خلال الجلسة الرابعة من مشروع "نقطة تحول: كيف للأردن وشركائه الإبحار بنجاح عبر حالة عدم اليقين"، السلبية الدولية تجاه الوضع السوري، بخاصة بعد جائحة كورونا، ومن ثم الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ من الواضح بأن سورية لم تعد مدرجة على أولويات الأجندة الدولية على صعد مختلفة، سياسية أو إنسانية، بخاصة فيما يتعلق بموضوع اللاجئين السوريين ومعاناتهم الإنسانية.


وأشار المتحدثون إلى أنّ الحالة السورية، انتقلت من ديناميكيات "الصراع في سورية" إلى "الصراع على سورية"، ولم تعد مسألة إنهاء الوضع هناك، مرتبطة بقرار الأطراف الداخلية والقوى المتصارعة فيها، أكان النظام السوري أم المعارضة السياسية له، فهي الآن في مرحلة التدويل والصراع الخارجي والتفاهمات الإقليمية، سواء كان الحديث عن الأجندات الغربية أو مسار الآستانة، المرتبط بالمقاربات الروسية الإيرانية والتركية.


وفي الوقت الذي نجح فيه النظام السوري بإعادة السيطرة على مساحة كبيرة من البلاد، فإن أغلب الخبراء المشاركين، شككوا بإمكانية العودة لمرحلة ما قبل 2011، مؤكدين أن الوضع في الشمال السوري ما يزال غير مستقر، وأن هنالك شكوكاً كبيرة في مدى جدية النظام السوري بالوصول إلى حل، يقوم على إدماج غالبية السوريين وإعادة اللاجئين وإنهاء الأزمة السورية.


وبشأن الجنوب السوري، الذي يمثل نقاط تماس مباشرة مع شروط الأمن الوطني الأردني ومتطلباته الاستراتيجية، يتضح بأن الحرب الروسية- الأوكرانية، أثرت جدا على هذه المنطقة، اذ انسحبت القوات الروسية المتمركزة منها، وفي الأثناء، كانت المقاربة الأميركية تقوم أيضاً على تخفيض الوجود العسكري أكبر قدر ممكن، فلا يتجاوز الوجود الأميركي مئات الجنود (في المناطق الكردية وقاعدة التنف العسكرية في الجنوب الشرقي لسورية).


لذا، فبناء على هذه التحولات، يلاحظ بأن الوجود الإيراني، تعزز وتجذر في هذه المنطقة مؤخرا، اذ بات يتحول لمصدر إزعاج حقيقي للأردن، بخاصة ما يتعلق بتجارة المخدرات التي أصبحت مصدر تهديد استراتيجي للاردن، وانتقلت من مستوى المحاولات الفردية أو المجموعات الصغيرة، إلى مرحلة الشبكات الإقليمية والاقتصاد السياسي الذي يقوم على هذا النوع من التجارة، ومصدر من مصادر الدخل للمليشيات المسلحة ولبعض القيادات العسكرية السورية.


كما أن مسألة التعامل مع تهريب المخدرات، مرتبطة بجهود مكافحتها، بل وأصبحت مسألة عسكرية وطنية مع تطوير تقنيات التهريب، حتى وصل الأمر لاستخدام طائرات بدون طيار واشتباكات مسلحة، ما انعكس على الاستراتيجية العسكرية الأردنية في التعامل مع الحدود الشمالية، وأدى لـ"تغيير قواعد الاشتباك" في تلك المنطقة.


إذا، يمكن القول إن خطر تنظيم داعش الارهابي، تراجع نسبياً الى درجة كبيرة عن الحدود الشمالية، لكن الخطر الجديد، قد لا يقل خطورة، بل هو أكثر تأثيراً لمساسه بالأمن المجتمعي والأخلاقي الأردني، ولارتباطه أيضاً بمجموعات ومافيات محلية مستفيدة من هذه التجارة وعمليات التهريب التي تذهب نحو الأردن والدول الأخرى في المنطقة، بخاصة الخليج العربي.


وبشأن المقاربة الأردنية تجاه الملف السوري، أشار مشاركون الى أنها منسجمة مع الأجندة الدولية، بخاصة الأميركية والأوروبية، وتقوم على ما سميّ بسياسة الخطوة بخطوة، إذ يربط الأردن والمجتمع الدولي، أي تقدم نحو النظام السوري وتطبيع العلاقات معه بسياسات النظام السوري نفسه، ومدى التزامه بالحل السياسي، والالتقاء بمصالح النظام الدولي.


على الجانب الآخر، يبقى سلوك النظام السوري غير مشجع على السير بعيدًا في هذه المقاربة، إذ يرى بأنه خرج منتصرًا بالفعل، بعد سنوات من الحرب والضغط الدولي، كما أنه وكنتيجة للعقوبات، لم يتبق له ما يربطه اقتصاديًا مع غير حلفائه الرئيسيين، وبالتالي فليس هناك ما يخشى خسارته على الجانبين الاقتصادي والسياسي.


وقد دفعت هذه القناعة هذا النظام الى عدم التفاعل إيجابيا مع خطوات التطبيع، الا بالقدر الذي يخدمه، فيما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا والعزلة الدولية التي تعرضت لها روسيا على اثرة لتحييد الدور الروسي دوليا، والذي كان يشكل ضامنا في كثير من الأحيان لسلوك النظام واستجابته للخطوات الإيجابية.


على صعيد العلاقات الأردنية- السورية، فقد شهدت مؤخرا حراكاً ملحوظا تمثل باتصال هاتفي من جلالة الملك عبدالله الثاني مع الرئيس السوري حافظ الأسد، بالاضافة لحدوث زيارات متبادلة لمسؤولين ووزراء من البلدين، وزيارة لوفد يمثل القطاع الخاص الأردني إلى سورية، لكن المصالح السياسية المتبادلة، ما تزال عالقة مع عدم وضوح الوضع هناك، وبشأن المصالح الاقتصادية، فأغلب الملفات ما تزال عالقة، ولم تمض خطوات واضحة للأمام.


مشاركون لخصوا أهم الملفات الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين، بتأكيدهم أن سورية منعت استيراد المنتجات الأردنية، وهو ما قوبل بالمعاملة بالمثل من الأردن، بوقف واردات المنتجات السورية وخلق علاقة متوترة.


كما لفتوا الى أن سورية تعاني من مشاكل في السيولة والعملة، لذا ليس من السهل التعامل مع تبادل المنتجات على المدى القصير - على الأقل، مبينين أن هناك مصالح تجارية مشتركة على المديين المتوسط والطويل (على سبيل المثال، اعتاد الأردن على شراء الكثير من المواد الخام من سورية، ثم بدأ الشراء من الأسواق الخارجية بسعر أعلى).


وبشأن النقل، الملف الأهم، فالأردن اعتاد على النقل عبر سورية وتركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن يتعين عليه الآن، الانتقال عن طريق البحر، مع زيادة كبيرة في أسعار الشحن.


بيد أن المياه هو الجانب الأهم هنا، فعقد صفقة ملزمة قانونيا مع سورية بشأن المياه، لم يجر الالتزام به منذ فترة، ولم ينجح بكسر هذا الملف لفترة من الوقت.


أما الكهرباء التي تمر عبر سورية ولبنان، فهي تمثل صفقة كبرى، ويمكن أن تكون حلاً جزئيًا للوصول إلى السعة التي ما تزال مطروحة على الطاولة، ولكنها لم تذهب بعيدًا.


زراعيا، يحمي الأردن وسورية منتجاتهما وقد تغيرت قدرتهما على إنتاج منتجات حيوية، اذ اعتادت سورية على إنتاج كميات هائلة من القمح، ولكن الأراضي التي تنتج القمح وما إلى ذلك ليست تحت السيطرة الآمنة حاليا.


وقد نظر الأردن دائما للمصالح المشتركة وأوجه التآزر، لكن سيستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى مثل هذا الوضع الطبيعي.


وخلص المشاركون الى أن مقاربة الـ"خطوة مقابل خطوة"، باتت اليوم، الأكثر اعتمادًا من المجتمع الدولي والسياسة الخارجيّة الأردنية، والذي يمثل برغم كونه تنازلًا عن مطالب الانتقال السياسي خيارًا واقعيا، يتناسب ومصلحة الشعب السوري، وطريقًا للمضي قدمًا للوصول الى حل للأزمة السورية، وما نتج عنها من أزمات أمنية ولجوء.


إن سلوك النظام السوري يمثل اليوم عائقا رئيسيا بإنجاح هذه المقاربة لإيجاد حلول نهائية ودائمة للأزمة، عن طريق عدم استجابة النظام في اتخاذ خطوات أمنية على الحدود الشمالية للمملكة مثلًا، وفعل دبلوماسي في هذا الاتجاه، بالإضافة لعدم تفاعله إيجابيا مع فكرة عودة اللاجئين.


الى جانب ذلك، يؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا حالة سالبة، تلقي بظلالها على مسارات حل الأزمة السورية، نتيجة لعوامل أهمها غياب الدور الضامن الذي كانت تلعبه روسيا قبل الحرب، وانشغال الفاعلين الأوروبيين بأزماتهم الخاصة، وحذرهم من التطبيع مع أحد أهم حلفاء روسيا الدوليين.


كما تتشكل ملفات المياه والطاقة، بالإضافة لاستئناف التبادل التجاري الملفات المحورية في الجانب الاقتصادي برغم ما تواجهه من تحديات متعلقة باستجابة الجانب السوري، ومشاكل السيولة والعملة في سورية.


وفوق ذلك، يتبقى كثير من الملفات الأمنية والاقتصادية، وملف اللاجئين عالقة، حتى الوصول لاتفاق نهائي لحل الأزمة السورية.

اقرأ المزيد :