"الغد" تحضر محاكمة معتقلي "غوانتانامو"

Untitled-1
Untitled-1

تغريد الرشق

غوانتانامو - في الوقت الذي يلقى فيه تأخر محاكمة المتهمين الرئيسيين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية انتقادا واسعا من قبل الأميركيين، ما تزال جلسات "ما قبل المحاكمة"، والتي ابتدأت في العام 2008 تراوح مكانها، ومع عودة الجلسات للانعقاد الأسبوع الماضي في قاعدة غوانتانامو العسكرية الأميركية، يتوقع محامون وقانونيون بأن تستمر هذه الجلسات، لخمسة اعوام اخرى على الأقل.اضافة اعلان
وتشهد هذه الجلسات الممتدة زمنيا منذ فترات قياسية، مقارنة بالمحاكمات الجنائية الأميركية، الاستماع للمتهمين الخمسة، خالد شيخ محمد، رمزي بن الشيبة ووليد بن عطاش، وعمار البلوشي، ومصطفي أحمد الحوسوي، خلافات حادة وانقسامات بين الحكومة الأميركية ممثلة باجهزة الدولة مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع الأميركية، وبين محامي الدفاع وفرقهم.
وفي جلسات الأسبوع الماضي التي حضرتها "الغد"، أصر محامو الدفاع الأميركيون على ان اقوال المتهمين واعترافاتهم السابقة بتورطهم بالتخطيط لهجمات سبتمبر، والتي تعتبرها المحكمة اهم دليل، "جاءت تحت التعذيب" وانها ليست اعترافات حقيقية.
من جهة اخرى اتهم المحامون ان اجهزة الدولة قامت بالتجسس عليهم وعلى فرقهم وعلى محادثاتهم مع موكليهم.
ويحاول محامو الدفاع اثبات وجود "نزاع مصالح" بينهم وبين الحكومة الأميركية، وان هذا النزاع يتمثل بأن الحكومة لا تريد من المحامين الكشف عن عمليات التعذيب التي تعرض لها المتهمون قبيل العام 2009، لذا فهي تقوم بالتجسس على محادثاتهم وتعيق عمل فرقهم من خلال التخويف والاستجوابات لأعضاء فرق الدفاع، الأمر الذي يعطل مسيرة المحاكمة بشكل طبيعي.
وبحسب المحامين، فان الحكومة تسعى لإخفاء تفاصيل مسألة التعذيب، لأن الكشف عنها يضر بسمعة الولايات المتحدة لناحية حقوق الانسان، ولا يتفق مع معايير الدولة الأخلاقية والانسانية، كما ان الدولة تريد ابقاء المحاكمة في جزيرة كوبية، لأنها ستضطر على اراضيها ان تكشف عن كل ما يسأل عنه المحامون، بما في ذلك سجلات التعذيب، اما على الأراضي الكوبية ومن خلال محكمة عسكرية فإن الأمور تختلف، وتستطيع اجهزة الدولة التنصل من الكشف عن التفاصيل.
في حديثهم لـ" الغد"، يؤكد المحامون: ديفيد نيفين ممثل خالد شيح محمد، وشيريل بورمان ممثلة وليد بن عطاش، وجيمس هارينغتون ممثل رمزي بن الشيبة، وجيمس كونيل محامي عمار البلوشي، ووالتر رويز ممثلا عن مصطفى الحوسوي، على انهم يدركون ان مآل الحكم الذي سيصدر بحق موكليهم سيكون اما الإعدام او السجن مدى الحياة، ولكنهم على الرغم من ذلك، يأبون الا تحقيق العدالة والوصول الى محاكمة منصفة للمتهمين.
وفي تعبيره عن عدم الرضا عن سير الجلسات وتدخل اجهزة الحكومة، قال المحامي جيمس هارينغتون "نريد ان تنفذ العملية القضائية بطريقة اميركية وليس بطريقة الدول الدكتاتورية"، وتابع "اذا استمررنا بهذه الطريقة لن تنتهي المحكمة بعدل وستكون علامة سوداء في تاريخ البلاد".
من جانب آخر، يتحدث المحامون عن علاقتهم بموكليهم والتي تتسم بالمودة والصداقة، وهي العلاقة التي استطاعوا من خلالها نيل ثقة المتهمين، الذين كانوا يرفضون سابقا ان يتحدثوا معهم، وكانوا يصرون على تمثيل انفسهم بالمحكمة، الا انهم يجلسون الآن في المحكمة الى جانب محاميهم ويتبادلون معهم الأحاديث والنكات.
وفيما تعد هذه المحكمة الأهم بخصوص الارهاب في تاريخ الولايات المتحدة يتمتع المتهمون بمعاملة خاصة بحيث يأتون الى المحكمة بدون قيود على ايديهم او اقدامهم، ويختار كل منهم الرداء الذي يريد الظهور فيه بالمحكمة، كما انهم يتجاهلون القاضي وينشغلون بأحاديث جانبية بدون ان يطلب منهم احد السكوت.
وعندما قرروا اداء صلاة الجماعة، قام الجنود بإخراج الصحفيين وجميع من يجلس في منصة الجمهور من اقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر من القاعة، وعند السؤال عن السبب، قال البعض انه تم التهكم عليهم سابقا وهم يصلون لذا طلبوا ان يتم اخراج الجمهور وتم تحقيق مطلبهم.
ويرافق كل متهم جنود، احدهم يحمل صندوق المتهم الخاص الذي يحوي ملابس معينة وقرءان وسجادة صلاة وغيره من مستلزمات قد يحتاجها خلال المحاكمة، اما ما قرروا ارتداؤه في المحكمة فارتأى خالد الشيخ محمد، باكستاني الأصل، ان يرتدي حطة فلسطينية مع ثوبه الأبيض، كما ان رمزي بن الشيبة ارتدى لفحة فلسطينية تحمل صورة قبة الصخرة من جهة والعلم الفلسطيني من جهة اخرى، وهو الأمر الذي يراه البعض " تشويها واساءة للقضية الفلسطينية".
ومن المشاهد الغريبة ايضا في المحكمة، والتي تدل على عمق العلاقة بين المحامين والمتهمين، فان محامية بن عطاش، ارتدت حجابا كاملا مع عباءة سوداء، كما ان العديد من عضوات فرق الدفاع ارتدين الحجاب الكامل احتراما لمشاعر المعتقلين.
المتهمون الذين تمضي بهم السنون في هذا السجن، يبدو عليهم التقدم في العمر، ويختلف شكل الشيخ محمد تماما عن صوره المنتشرة عبر الانترنت، فهذا الرجل الآن نحيل جدا، واطلق للحيته المصبوغة باللون الأحمر البرتقالي العنان، فيما يقول اعضاء فريقه الدفاعي ان لون اللحية لم يأت من الحنة، بل من عصائر التوت التي يزوده بها السجن.
دخل القاضي وطلب من الجميع الوقوف احتراما له، وقف الجميع باستثناء المتهمين، وعندما بدأ القاضي بالحديث اليهم لم يلتفتوا له
الا انه عندما سأل القاضي ان كانوا يعرفون حقوقهم اجاب الجميع تباعا بنعم باستثناء رمزي بن الشيبة الذي قال للقاضي انه "شخص غير مؤهل لادارة هذه المحكمة وانه لا يعترف بشرعيته كقاض".
بدوره، رد القاضي الذي سمع نفس كلام الشيبة في جلستين سابقتين خلال الأشهر الأخيرة، الا انه تجاهل الرد حينها، مهددا بأن يتخذ اجراءات امنية باعتبار ان الشيبة الذي لا يعترف بشرعية المحكمة يهدد امن وسلام المحكمة والحضور.
يذكر ان جلسات المحكمة التي تعقد كل شهر او شهرين احيانا لمدة اسبوع، تتطلب احضار افراد فرق الدفاع والادعاء والقاضي وممثلي المجتمع المدني والصحفيين وجنود وغيرهم، بطائرة خاصة تأتي من واشنطن العاصمة الى القاعدة البحرية في غوانتنامو، ما يجعل تكاليف هذه المحاكمة كبيرة جدا على الحكومة الأميركية، التي تتكفل بكل هذه الأمور اللوجستية، اضافة الى اتعاب محامي الدفاع.
ويواجه المتهمون الخمسة الذين تم احضارهم الى معتقل غوانتانامو في العام 2006، سبعة تهم، وهي التآمر في تخطيط الهجمات مع أسامة بن لادن وغيره من كبار قادة تنظيم القاعدة وخاطفي الطائرات في 11 سبتمبر، والهجوم على مدنيين، وارتكاب جرائم القتل للمدنيين في انتهاك لقوانين الحرب، وتهمة الإرهاب، ووجهت صحيفة الاتهام لكل من محمد بن عطاش وبن الشيبة والبلوشي تهم اختطاف أربع طائرات (اثنتان أصابتا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، والثالثة أصابت البنتاغون، والرابعة تحطمت في ريف بنسلفانيا) وقتلت تلك الهجمات حوالي ثلاثة الاف شخص.
واخيرا، فان ما تشهده اروقة المحكمة والاعلام الأميركي حول القضية، يشبه ساحة حرب بين ما تريده الدولة بمؤسساتها من معاقبة مرتكبي احداث سبتمبر، وانهم يستحقون التعذيب، وبين جماعات حقوق الانسان والمحامين الذين يؤمنون بحق المتهم بالدفاع عنه وتجنب عقوبة الموت، ويعد الأمر صعبا ومعقدا بين ارضاء الشعب واهالي الضحايا الذين يرونهم كإرهابيين لا يستحقون شيئا سوى الموت وبين تطبيق معايير حقوق الانسان.