انتخابات 2016 وانتظار غودو

"في جميع بقاع الأرض، يلتقي البشر حول هدف واحد: المشاركة بحرية في الأحداث والمداولات التي تؤثر على حياتهم" (محبوب الحق؛ مؤسس تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية).اضافة اعلان
لا تَعد الانتخابات، بما هي عملية اقتراع، بشيء. لكن الناس بذهابهم إلى صناديق الانتخاب يرجحون بين الوعود المتنافسة المفترض وجودها مسبقا؛ فالانتخابات في واقع الحال هي تنافس الوعود. وإذا لم تكن قائمة أو معروفة هذه الوعود، بما هي برامج ومواقف واضحة وقابلة للتطبيق، فإنه لا يمكن انتظار نتيجة ما من الانتخابات؛ الحكومة البرلمانية أو تداول السلطة، أو السياسات الاقتصادية والاجتماعية المؤدية للتنمية والإصلاح وتحسين الحياة... أو التحرير أو الوحدة أو الدولة الإسلامية.
والحال أن الانتخابات في بلادنا تفوقت في عدم معقوليتها على خيال صموئيل بيكيت في مسرحيته المدهشة "في انتظار غودو"! فما لم يدركه بيكيت (ربما) أن الانتظار الأبدي للمخلّص والوعود القادمة ليست بالضرورة حالة عبثية، ولكنها مورد عظيم يستثمره لاعب آخر ليجعل خرافة العودة رهانا يكرس الهيمنة والاستبداد. ففي مسرحية غودو بنسختها الانتخابية الأردنية، يتحول العبث إلى منظومة اقتصادية اجتماعية. ولا يعود الانتظار عبثا، ولكنه طقس يغطي كل أنماط السلوك والاتجاهات المناقضة، فيتحول المنتظرون إلى متعالين على العمل الحقيقي المنتج، ويتحالفون في الوقت نفسه مع الظلم والاحتكار.
المقاومون يتعالون على كل عمل وطني وتنموي حتى يتم التحرير. لكن المشكلة أنه لا توجد مقاومة؛ مقاومون بلا مقاومة! وحتى لو صارت المقاومة والتحرير، فإن أحدا أو بلدا أو مجتمعا لن يتغير في وضعه شيء؛ ماذا سيحدث أو يتغير على البلد والناس لو قامت دولة فلسطينية؟ طبعا هو أمر عظيم، ولكن هل ستختلف الحال في شيء بالنسبة للأردن والأردنيين؟
القوميون يتعالون على كل عمل وطني وتنموي حتى تقوم الوحدة العربية؛ كيف نعمل وفق قواعد "سايكس-بيكو"؟ ولكنها وحدة لا تبدو قادمة، ولا أحد يعمل لها ولا أحد يريدها. والإسلاميون يتعالون على كل عمل وطني وتنموي حتى تقوم الدولة الإسلامية؛ فما ليس لأجل الدولة الإسلامية ليس سوى ترقيع للجاهلية، ويطيل عمر الأنظمة الجاهلية التي لا تحكم بما أنزل الله. ولكنها دولة لن تأتي أبدا، لأنها في واقع الحال غير موجودة.
والنخب الاحتكارية (الأوليغاركيا) بما تعبر عن نفسها في السلطات السياسية والبيروقراطية، أو الشركات والأسواق المحتكرة لأقوات الناس وخدماتهم، لا تعمل شيئا ولا تتقدم خطوة في اتجاه ما تدعو إليه أو يفترض أن تعمل لأجله، منتظرة ألا يحدث ما يدعو إلى تغيير شيء أو يرحل ما يدعو إلى تغيير شيء!
وفي ظل هذا الانتظار الأبدي، يبرر الانتظاريون الجذريون؛ من المقاومين أو الوحدويين والإسلاميين، لأنفسهم كل فعل أو قول أو سلوك. ففي ظل الرفض المطلق، ليس ما يمنع البراغماتية المطلقة؛ إذ لأنه واقع مرفوض، فلا معنى لإصلاحه، ولا قيمة لقانون أو مبادئ أو قيم وأخلاق تنظم العمل معه... فيتحول الرفض المطلق إلى تحالفات واتجاهات تبالغ في انحطاطها وبداءتها وفسادها.