حرب ميدانها الإعلام

اختار "الأخوة الأعداء" في الخليج العربي الإعلام ميدانا لمواجهة حامية الوطيس، كانت أقرب ما تكون لعاصفة مفاجئة لم تكن مراكز التنبؤ تشير إلى احتمال وقوعها. فقبل يومين فقط من الليلة الموعودة، كانت المؤشرات كلها تفيد بأن دول الخليج اجتمعت على قلب رجل واحد، بعد القمم التاريخية التي شهدتها الرياض بصحبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن أجواء الخليج ستنعم بالهدوء والصفاء.اضافة اعلان
وسائل إعلام خليجية كانت كما لو أنها تنتظر الحدث لتنفجر غضبا في وجه دولة قطر وقيادتها. المستوى السياسي اتخذ جانب الصمت، تاركا للمستوى الاعلامي إدارة الأزمة وتصعيدها. وقد يكون العكس هو ما حصل. الحساسيات الشديدة بين منابر الإعلام الخليجي ممثلا بالقنوات الإخبارية الرئيسية، هي ما قرر تحريك الأزمة في محاولة لدفع المستوى السياسي لاتخاذ قرارات تعيد للذاكرة ما حدث سنة 2014 عندما أقدمت دول خليجية وازنة على سحب سفرائها من الدوحة.
لكن ثمة رغبة أيضا بحسم المنافسة بين القنوات الإخبارية، والدليل على ذلك رغبة المستوى الإعلامي بتصفية الحساب مع الإعلام القطري، والدفع باتجاه حظر حسابات قناة الجزيرة وصحف قطرية في عدد من الدول الخليجية إضافة لمصر التي تخوض حربا إعلامية مع تلك الوسائل منذ سنوات.
قطر ولأول مرة وهي صاحبة الباع الطويل في الحروب الإعلامية والحملات الموجهة، تجد نفسها في موقع الدفاع عن النفس، لا بل عاجزة عن تسويق روايتها. فعلى الرغم من نفيها الرسمي المطلق لما نسب للشيخ تميم من تصريحات، إلا أنها لم تفلح في امتصاص العاصفة أو كسر حدتها.
لم تكن لمعايير العمل الإعلامي المعروفة "الموضوعية والتوازن والرأي الآخر" أي أثر في الهجوم الإعلامي المركز، في مشهد يعيدنا إلى الوراء خمسين عاما وأكثر. فخرجت الصحف بعناوين كاسحة، وتحولت استديوهات التحليل لميادين رماية بكل ما توفَّر من أسلحة.
نعلم أن هناك أزمة صامتة بين بعض دول "التعاون الخليجي" تظهر أحيانا على شكل رشقات إعلامية ودسائس سياسية. لكن لم يكن أحد ليتصور أن هناك بين "الأخوة" هذا القدر من الحقد والكراهية، بلغ حد التحريض على تغيير الحكم بالقوة.
ربما يكون سبب الغضبة من التصريحات المنسوبة لأمير قطر والتي نفتها الدوحة أنها جاءت في ذروة الشعور بالإجماع الخليجي الذي تحقق بعد زيارة ترامب، وما قيل إنها نقطة تحول في مسار المنطقة سيكون لها ما بعدها من تحولات تضع دول الخليج العربي في موقع المبادرة ضد إيران وأذرعها الممتدة في المنطقة.
لكن المستوى السياسي في الدول المعنية لم يستجب بعد للتصعيد الإعلامي، وإن لم يحصل ذلك في الأيام القليلة المقبلة، سيكون من الصعب على وسائل الإعلام مواصلة الرماية على قطر. ولا شك أن الدوحة تشعر بالمأزق، لكنها ما تزال متمسكة بروايتها عن القرصنة والتصريحات المفبركة لأمير البلاد، وتحاول توجيه الأنظار باتجاه قرارها فتح تحقيق لمعرفة الجهة التي تقف خلف عملية القرصنة التي تدّعيها لموقع وكالة الأنباء القطرية ومحاسبتها.
تطورات الأيام الماضية أعطت دليلا إضافيا على مخاطر الدور الذي يلعبه الإعلام العربي في تأجيج النزاع بين الدول والشعوب.