حقيقة أزمتنا

gyahtjll
gyahtjll

د. أحمد ياسين القرالة

لا يختلف اثنان في أنّ الحال الذي آل إليه المسلمون لا يسر صديقاً ولا يرضي عدواً، والكلُّ يدعو إلى تغيير هذا الحال والعودة بالمسلمين إلى عهودهم الأولى من القوة والمنعة، ولكن الكلَّ مختلف أيضاً في تشخيص سبب أزمة المسلمين وعلتها.اضافة اعلان
وإذا كان من المعلوم أنه لا يمكن علاج أي مشكلة والتغلب عليها، إلا بالوقوف على أسبابها الحقيقية؛ لأن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج والحلِّ، والتشخيص الخاطئ لن يؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة وتفاقمها.
وفي تشخيص الأزمة التي يعيشها المسلمون يذهب البعض إلى أن غياب الدِّين وضعف التدين عند المسلمين هو سبب هذه الأزمة وجذر بلائها، وعلاجها إنما يكون بالعودة إلى الله تعالى والالتزام بدينه، استدلالاً بقوله تعالى:" إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " وقوله تعالى:" وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" وبالمقولة المشهورة المنسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: لن يصلح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلَح أولها.
فالحل في نظر هذا الفريق هو حلٌّ ديني وذلك بإصلاح شامل للحالة الدينية التي تنصلح بصلاحها تلقائياً حياتنا الدنيوية.
بينما يرى آخرون أن سببَ الأزمة ليس دينياً إذ لا مشكلة للمسلمين مع دينهم، فالدين محفوظ بحفظ الله تعالى، بل هي مشكلة دنيوية حياتية، جعلت من المسلم مجرد قنٍّ -أي عبد- لا هو مع المنتجين فتراعى مصالحه ولا مع المستهلكين فتراعى احتياجاته، كما وصفه المفكر مالك بن نبي، فهو ليس سوى كائن يعيش على هامش الحضارة وهو عالة عليها.
وقد انسحب هذا التخلف وأثر سلباً على كل ما يتعلق بالمسلمين وحضارتهم حيث تراجعت تبعاً لذلك لغتهم العربية وثقافتهم الإسلامية وقيمهم الدينية، وأضحى المسلمون نسخة رديئة عن غيرهم بناء على قاعدة ابن خلدون في أن "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده".
وإذا ما اردنا أن نقيم الرأيين نجد أن المنطق السليم يفرض علينا الذهاب للقول الثاني الذي يرى أنَّ مشكلتنا الحقيقية هي مشكلة دنيوية جعلت المسلمَ يفقد دوره الحضاري وعطاءه الإنساني؛ إذ لو كان الدين والتدين سبب تقدم الأمم وتطورها لكانت الأمم الوثنية واللادينية أكثر الأمم تخلفاً، ولكن التاريخ والواقع ينقض ذلك، فالواقع يدل على أن معظم الأمم المتقدمة تكنولوجياً وحضارياً ليست أمماً متدينة ولم يكن الدين سبب تقدمها أو تحضرها.
وهذا القول لا ينفي دور الدين وأهميته في الحياة الإنسانية، فالدِّين بناء على هذه المعادلة لا يعدو أن يكونَ قيمةً مضافة يحسِّن من جودة الحياة ويقلل من ضغوطاتها ويحدُّ من طغيان ماديتها، وهو ما عبر عنه الحديث الشريف "خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام إذا فقهوا" فالدين يرفع منسوب الخيرية ويحسن مستواها ويضاعف من قيمتها.