سورية: توتر إقليمي ينعكس معارك ضارية في الشمال

مسلحون مناهضون لـ"داعش" قرب مدينة الحسكة أول من أمس-(ا ف ب)
مسلحون مناهضون لـ"داعش" قرب مدينة الحسكة أول من أمس-(ا ف ب)

عمان-الغد- هيمنت خلال الأيام الثلاثة الماضية حالة من الكر والفر الميداني، وارتفاع ملحوظ في حدة المعارك بين الجيش السوري وحلفائه من جهة وفصائل معارضة من جهة ثانية و"داعش" من جهة ثالثة خصوصا في ريف حلب وريف حمص الجنوبي والشرقي.اضافة اعلان
وتمكنت مجموعات من "الجيش الحر" وأخرى متشددة من إعادة السيطرة على تلتي بكارة وبنجيرة القريبتين من بلدة الحاضر في الريف الجنوبي لحلب بعد سيطرة الجيش السوري عليها.
وتشكل هذه التلال أهمية استراتيجية كونها مطلة على طريق إمداد قوات الجيش السوري نحو بلدة الحاضر ومنها إلى بلدة العيس وتلتها الاستراتيجية الأخرى، ولذلك يسعى الجيش السوري إلى السيطرة على ثلاث نقاط أساسية هي مستودعات التسليح في بلدة خان طومان على الطريق الدولي بين حلب ودمشق وبلدة خلصة وتلة العيس.
وفيما تدور اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة والجيش السوري على جبهات مريمين والجميمة والحميدي وشغيدلة والحاضر وخلصة وخان طومان في ريف حلب الجنوبي، استطاع الجيش السوري في المقابل السيطرة على قرية الجميمة وقرية ميرمين وجبل بنجيرة، والاقتراب من المدخل الشرقي لمدينة الحاضر معقل "جبهة النصرة".
ومن شأن السيطرة على خان طومان أن تمكن الجيش السوري من الانتقال نحو ريف حلب الغربي وإجبار الفصائل المسلحة على التراجع نحو ريف إدلب أو إلى ريف حلب الشمالي، في حين سمحت السيطرة على بلدة الحاضر للجيش من الانتقال إلى سراقب جنوبا، وتعتبر الحاضر قلعة المسلحين في الريف الجنوبي لحلب وإخراجها من معادلة الصراع يعتبر إنجازا للجيش السوري الذي لم يكن بإمكانه تحقيق ذلك من دون الدعم الجوي الروسي.
وتقارب معارك ريف حلب من إتمام شهرها الأول في ظل جمود ميداني مع فشل أي من الطرفين في تحقيق إنجازات تذكر، وذهب بعض الخبراء إلى القول إن المكاسب المحدودة التي حققتها الحكومة حتى الآن لا تضاهي حجم هجومها، في حين ذهب آخرون مقربون من دمشق للقول إنه من المبكر الحديث عن إنجازات كبيرة مع الحجم الكبير للفصائل المقاتلة من ناحية عددها البشري وعتادها الذي ازداد في الفترة الأخيرة، ويتطلب الأمر نحو ثلاثة إلى أربعة أشهر كي تتضح معالم المعركة، وهو رأي يتماشى مع تصريح لمصدر عسكري سوري قبل أيام من أن المعارك تسير وفق ما هو مخطط لها.
ويعتبر ريف حلب الجنوبي ذا أهمية كبرى لدمشق، إذ بالسيطرة عليه يسمح ذلك بحصار محافظة إدلب من جهتها الشمالية الشرقية وفك الارتباط الجغرافي بين ريف حلب الجنوبي وريف إدلب الشمالي الشرقي، كما تمنح السيطرة على ريف حلب الجنوبي، الجيش السوري القدرة على محاصرة مدينة حلب من الجنوب، والانتقال إلى المرحلة الثانية بفتح معركة واسعة في ريفي حلب الشرقي والشمالي.
وبالتزامن مع هذه المعارك، تجري معارك أخرى بين الجيش السوري وتنظيم الدولة على جبهات حربل وصوران وإعزاز ومزارع الكفرة بريف حلب الشمالي، وفي محيط قرية الشيخ أحمد القريبة من مطار كويرس العسكري المحاصر بالريف الشرقي، ويواجه الجيش وحلفاؤه المشكلة نفسها التي أنهكت مقاتلي المعارضة وهي محاربة عدوين في آن واحد أحدهما تنظيم الدولة الذي قطع الطريق الوحيد المؤدي إلى مدينة حلب، وأعاد خلط الأوراق من جديد.
حالة الكر والفر هذه امتدت إلى ريف اللاذقية الشمالي أيضا، الأمر الذي يشير إلى قوة الأطراف المقاتلة ومحاولة داعميها الإقليميين الحيلولة دون خسارة هذه المنطقة التي تشمل أيضا ريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب، فضلا عن ريف حلب، فبعد سيطرة الجيش على قرية غمام أول أمس، استطاعت الفصائل المسلحة السيطرة على أجزاء من القرية.
ومع نجاح الجيش في السيطرة على عدة بلدات بريف اللاذقية الشمالي خلال الأسابيع الماضية، فإن المعارك هناك تجري بوتيرة بطيئة بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث الجبال العالية والوديان، ويسعى الجيش خلال الأيام المقبلة إلى إكمال السيطرة على منطقة غمام ومحيطها قبل الانتقال نحو بلدة سلمى.
وتعكس حدة القتال الجارية في الشمال حالة التوتر بين الأطراف الإقليمية المتنازعة في سورية، بحيث يمكن القول إن هذه المعارك هي حرب بالوكالة لتحقيق انتصارات ميدانية مع اقتراب انطلاق مفاوضات سياسية عبر عنها اجتماع فيينا والتفاهمات التي خرج بها.
ومن شأن نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية وحصوله على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة بشكل منفرد، أن يرفع مستوى القتال في الشمال، حيث لن تسمح أنقرة بسقوط إدلب أو بعض مناطق الريف الحلبي بأيدي الجيش السوري أو القوات الكردية.
ويبدو أن الأيام أو الأسابيع المقبلة ستشهد محاولات كسر عظم بين الأطراف المتقاتلة، وسيكون ريف حلب لا سيما الجنوبي عنوان المرحلة المقبلة، غير أن الواقع العسكري هناك لا يسمح حتى الآن بغلبة طرف على آخر، وأغلب الظن أن حالة الكر والفر ستظل قائمة إلى حين.
وفي موسكو، اعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة لا يعتبر أمرا مبدئيا لروسيا.
وقالت زاخاروفا: "مصير الأسد يجب أن يحله الشعب السوري"، مضيفة: "نحن لا نحدد إن كان على الأسد الرحيل أو البقاء".
وعشية لقاء وزير الخارجية الروسي مع المبعوث الأممي إلى سورية، توقعت موسكو عقد لقاء بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الأسبوع المقبل بالعاصمة الروسية.
وقال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، أمس، إن اللقاء السوري السوري قد يجري الأسبوع المقبل في موسكو، لافتا إلى أن موسكو ستدعو "طيفا واسعا للمعارضة"، أما الحكومة السورية فممثلوها حسب بوغدانوف "مستعدون دائما".
وأضاف "يخطط للقاء كهذا. سندعو إليه الأسبوع المقبل".
وذكّر بوغدانوف أن موسكو احتضنت أكثر من مرة تبادل الآراء بين ممثلي المعارضة والحكومة السوريتين، مبديا الأمل بنقاش بناء.
وأضاف بوغدانوف "سندعو الأسبوع المقبل للتشاور. لا مشكلة مع الحكومة، والآن نجري اتصالات مع ممثلي مختلف المنظمات السورية المعارضة لدعوتهم إلى موسكو".
وتابع بوغدانوف "هذا مواصلة لجهودنا كي يلتقي السوريون ويناقشوا القضايا المطروحة على جدول الأعمال ويجروا اتصالات بممثلي الحكومة".
وأضاف أن لقاء موسكو سيكون موضوع نقاش بين لافروف ودي ميستورا، "على جدول الأعمال عدة مهمات جديدة. هذه المهمات نوقشت واتفق عليها في فيينا. والآن لدينا عنصر إيجابي جديد وواعد في الوضع بشكل عام، هو وثيقة فيينا التي أقرت في 30 الشهر الماضي بفيينا".
في غضون ذلك قال بوغدانوف إن موسكو تنتظر سماع تقييم من الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بشأن نتائج زيارته إلى دمشق.
وفي دمشق، اعلن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد امس، رفض اي مرحلة انتقالية في البلاد، فيما تعتبرها دول غربية وقوى المعارضة اساسية دون مشاركة الرئيس بشار الاسد لحل النزاع المستمر منذ نحو خمس سنوات.
وقال المقداد في تصريح نشرته وكالة الانباء الرسمية (سانا) "لا توجد مرحلة انتقالية وهناك مؤسسات رسمية مستمرة بعملها"، مشيرا الى ان "هذا لا يوجد الا في اذهان المرضى".
واوضح المقداد عقب مباحثات اجراها في طهران مع مساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان "نتحدث عن حوار وطني وحكومة موسعة وعملية دستورية ولا نتحدث عن مرحلة انتقالية"، مضيفا "الذين يقولون ذلك يجب ان يتوقفوا".