سياسة الانتقام!

لا شك في أن الحروب على مر العصور، تمتاز بقسوة الأطراف المتصارعة مع بعضها؛ لأن كل طرف يريد الاستحواذ على النصر، وهزيمة الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، وهذا حق (مشروع) يكفله المنطق والواقع.اضافة اعلان
ورغم مشاهد القتل والدم والغبار والدخان التي تُخيم على ميادين المعارك، إلا أن الأعراف القديمة والقوانين الحديثة حددت بعض الضوابط العامة للحروب، وجعلت رحاها تدور -في الغالب- في أماكن بعيدة عن تواجد المدنيين ومنازلهم.
وعلى الرغم من وجود هذه القوانين، إلا أن العديد من الدول استخفت بأرواح المدنيين، وجعلتهم وقوداً للحرب، وكأن الغاية هي الانتقام واقتلاع جنس الفريق المقابل، من مدنيين وعسكريين، من الوجود! وهذه ليست من أخلاق الحروب والفرسان.
في حرب احتلال العراق العام 2003، رأينا أن طائرات التحالف لم تفرق بين المدنيين والعسكريين. وهذه الجريمة ارتكبتها كذلك قوات الاحتلال الأميركية على مدى السنوات المريرة التالية، والتي أهلكت فيها كل ما هو جميل ونقي في بلاد الرافدين.
وبعد الانسحاب الرسمي للقوات الأميركية المحتلة من العراق نهاية العام 2011، دخلت البلاد في محرقة وفتنة الاقتتال "الحكومي-الشعبي"، بحجة محاربة "الإرهاب".
هذا الاقتتال هو نتيجة حتمية للخراب السياسي الذي نتج عنه غضب شعبي اختُزل -مع الأسف الشديد- في تنظيم "داعش". وهذا ظلم للقضية العراقية من أساسها، لأنها قضية شعب مظلوم، وقف وقفة سلمية شجاعة لتحقيق مكاسبه المغتصبة. والدليل أن الجماهير ثارت في أكثر من ست محافظات في مظاهرات حضارية دستورية، قبل أن يكون لـ"داعش" أي بروز، أو ظهور حقيقي في ميدان المعارك والمشاكسات في البلاد. وهذا يعني أن إلباس القضية العراقية ثوب "الإرهاب" هو ظلم للعراقيين.
الخطوط العريضة للعمليات الميدانية اتضحت بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في حزيران (يونيو) 2014. حينها، انطلق بخطين متوازيين التحالف الدولي ومليشيات "الحشد الشعبي"، وكلاهما يقصد إيقاف تمدد "داعش" في العراق والمنطقة. لكن اليوم، نجد أن "داعش" يستولي -بعد الموصل- على محافظة الأنبار، أكبر محافظات العراق مساحة، ولم يبق منها سوى مدينتي الحبانية والخالدية، وهما الآن قاب قوسين أو أدنى من سيطرة التنظيم، بحسب تصريحات لمسؤولين محليين في الأنبار.
تخبط التحالف الدولي والحكومي في استراتيجية مواجهة التنظيم الذي أصبح اليوم قريباً من بغداد، دفعت العديد من المسؤولين للحديث عن حرق الأخضر واليابس في الأنبار وغيرها؛ بحجة أن هؤلاء من "الدواعش". وهذه التصريحات بمثابة الضوء الأخضر لمليشيات "الحشد الشعبي" لقتل المدنيين في أماكن تواجد التنظيم. ومعلوم أن الكثير من العوائل لم تتمكن من مغادرة الفلوجة والرمادي والموصل، بسبب التعقيدات الحكومية وطلب الكفيل، ورفض حكومة حيدر العبادي فك الحصار عن المدينة لخروج الأهالي منها، وكذلك ربما بسبب العوز وقلة ذات اليد!
ومن بين الدعوات الانتقامية، تصريح البرلماني قاسم الأعرجي؛ النائب في برلمان حكومة بغداد عن قائمة "دولة القانون" التي يتزعمها نوري المالكي، وذلك في تدوينه عبر "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، بأن "الفلوجة رأس الأفعى، فمن أراد الحل عليه بالفلوجة. اجعلوا عاليها سافلها قربةً لله"!
فهل يمكن بهذا المنطق حل القضية العراقية؟!
هذا النائب المبغض للعراق، سبق أن اتهمته قوات الاحتلال الأميركية، العام 2006، بجرائم عنف طائفية، منعته من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الثانية. ويبدو أن هذا النائب الناقم على العراقيين لا يريد أن يفارق سبيل العنف والإرهاب، عبر هذه التصريحات المغذية للعنف، والمهددة للسلم الأهلي!
الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تكون سبباً لسحق المدنيين العزل، من النساء والأطفال والشيوخ، وإلا فإن هذه حرب إبادة، تقع تبعاتها على مكون واحد من الشعب العراقي. وبالتالي، فإن هذه الأساليب الوحشية القمعية، ستزرع الحقد الطائفي لدى الأجيال الحالية واللاحقة. وبالمنظور الاستراتيجي، فإن هذه السياسات هي سياسات تخريبية تدميرية للعراق؛ حضارة وشعباً.
الإرهاب لا يمكن أن يوقف بالإرهاب، وإلا فإن جرائم "الحشد الشعبي" لا تقل وحشية ودماراً عن جرائم التنظيمات الإرهابية الأخرى، وجميعها لا تحقق المصلحة الوطنية العراقية.