عملات للبيع في وسط البلد لا تشتري غير الذكريات

حنان الكسواني - فوق بسطات خشبية صغيرة تتزاحم عملات أردنية وعالمية ورقية قديمة تفوح منها رائحة عبق التاريخ، وأما شكلها وألوانها وتاريخ إصدارها فتستوقف المارة من أردنيين وعرب وسواح لتأملها في وسط البلد عمان.

ويظل أغلب المارة يتأملون تفاصيل عملات تلك الدول وما تحمله من آثار ووجوه، ولا يلبث البائع أن يكسر الجمود عندما يسأل بصوته الأجش: “أي عملة تريد بالضبط”، ثم تنهال الأسئلة عليه حتى يتسلل الملل إليه من فضول المارة الذين يسألون كثيرا كنوع من متعة التسوق أو لتمرير الوقت خلال شهر رمضان. وبينما يطلق البعض تمتمات غير مفهومة، يكتفي آخرون بابتسامات قد يكون سببها مواقف وأخبار تذكرهم بممارسات تخص قيادات وزعماء تظهر صورهم على العملات، كانوا طغاة ومستبدين ثم أصبحوا ضحايا لثورة الربيع العربي. ومهما اختلفت غايات الناس حول اهتماماتهم بتلك الأوراق النقدية الملونة، إلا أن شيئا ما يطرق ذاكرتهم ويشد انتباههم، ليذكرهم بحقبة تاريخية مهمة لديهم رسخها بعض الرؤساء خلال حياتهم من أجل شعوبهم وتحقيق “الأمن والأمان” والرفاه الاقتصادي لهم، أو ربما تحمل العملات صورة لحاكم كان “دكتاتوريا” لدرجة أن انتهاء عهده كان يمثل متنفسا لشعبه. كما تسمع من بعض المارة عبارات: “الله يرحم تلك الأيام”، يعبر من خلالها عن موقف رمادي لا يفهم منه ما إذا كان يفضل تلك الحقبة التاريخية التي عاش تفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويترحم عليها لأنه تذوق فيها طعم الاستقرار بعد أن ساءت أحواله المعيشية الآن، أم أنه يعبر عن فرحته بانتهاء تلك الحقبة بـ”خيرها وشرها”. عموما، فإن أسعار تلك العملات هي التي تغربل الزبائن وهواة جمعها من تلك البسطات الخشبية التي يغطيها صاحبها بلوح زجاجي وقفل حديدي حتى لا تتعرض للسرقة أو تتطاير الأوراق النقدية بما تحملها من رسومات أثرية وشخصيات قيادية من أي نسمات هواء أو حتى من “كبسات” فرق أمانة عمان التفتيشية. كما يعتبر بعضهم أن مهنته تنطوي على مهمة وطنية بقوله “يجب أن نحافظ على تاريخ بلادنا بأي طريقة، ونورثه لأحفادنا بعد أن انحرفت اهتماماتهم إلى الحضارات الغربية وثقافتها الجديدة”. وتجد هناك اهتماما من بعض المارة من غير هواة جمع العملات، لشراء تلك العملات على أسس مختلفة، فالمهندس رائد اشترى أمام طفله ورقة لفئة خمسة دنانير حمراء قديمة بعشرة دنانير، معتبرا أن ما تحمله الورقة من “رسوم وأشكال غيّرت وجه التاريخ لدى أكثر من حضارة إنسانية، فهي دروس يمكن الاستفادة منها، وعلينا تغذية ثقافة نقلها إلى أولادنا من خلال اقتنائهم هذه الأوراق والمسكوكات النقدية”. أما كرم (12 عاما) الذي كان ينظر مطولا إلى تلك العملات، ثم فاجأ والده بسؤال بريء: “إذا احتفظت فيها ممكن بس اكبر أصير غني إذا بعتها؟”. وأما الخمسينية ليلى فتشجعت لشراء عملة نصف دينار ورقية، وأخرى بقيمة عشرة دنانير زرقاء، ودينار أخضر، ولم تكترث بأسعارها بل كان هدفها أن تحتفظ بها كذكرى لأحفادها الصغار، واصفة هذه العملات بـ”الكنز الأثري”، بخاصة بعد الإصدار الخامس للأوراق النقدية التي ترمز للوجه الحضاري للأردن. يتضمن الإصدار الجديد أوراقًا من فئات 50 دينارًا و20 دينارًا و10 دنانير و5 دنانير ودينار واحد، ويحمل أحد وجهيها صور ملوك الأردن من جلالة الملك عبد الله الثاني، والراحلين الحسين بن طلال وطلال بن عبدالله، وعبدالله الأول والشريف الحسين بن علي، كما هو الحال في العملات المتداولة حاليًا. أما البائع الذي يحاول أن يجمع تلك العملات من محلات الصرافة أو من بعض هواة جمع العملات والمسكوكات النقدية، فيكتفي بالقول لـ”الغد”: “رغم أن هذه التجارة تدر علي دخلا يوميا جيدا وأحيانا ضعيفا جدا كون عملنا موسميا، إلا أن متعتي بأن أشرح للناس عن مقتنياتي وأحصل على معلومات إضافية منهم تجعلني أشعر كأنني عشت كل حقبة تاريخية فيما قدماي ما تزالان ملتصقتين بأرض وسط البلد في عمان”.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان