لماذا يجب إلغاء الدعم

منذ إطلاق وثيقة الأجندة الوطنية في الاردن عام 2005، لم تبخل أي من الحكومات بالتعهد بمخرجات تلك اللجنة الاقتصادية التي تعهدت بتصويب أوضاع المالية العامة والحد من نسبة العجز في الميزانية وما يرافقها من إعادة النظر في بعض البنود الرئيسية. اضافة اعلان
أحد أبرز القضايا الاقتصادية الجدلية تتعلق بالدعم، والمقصود به دعم السلع العشوائي، والدعم النقدي الذي يقدم لأصحاب الدخول المتدنية، ما تظهره الدراسات العديدة، ومن بينها دراسة حديثة أجراها البنك الدولي حول الدعم، تضع مبالغ الدعم (الكهرباء، المياه، الغاز) عند ارقام كبيرة تقترب من المليار دينار.
هذا الدعم للسلع يذهب لكافة فئات المجتمع، فذوو الدخل المرتفع والمتوسط والفقير يستفيدون من سياسة الدعم، ويقدر أن النسبة الأكبر من الدعم تذهب الى فئات الدخل المرتفع ، أي الفئات القادرة على توسيع حصتها من الاستهلاك، قدرتها سابقا الأجندة الوطنية عند حدود 80 في المائة من مبالغ الدعم، ولا يوجد خلاف كبير حول ضرورة إعادة النظر في آلية النفقات الاجتماعية، فما الذي يؤخر اتخاذ القرارات المناسبة  في مسألة مهمة تهدد استقرار الاقتصاد الاردني بسبب الضغط الكبير الذي تولده على الميزانية وما يترتب عليها من عجز.
معظم الأسباب التي يمكن التفكير بها، تعتبر سياسية من الطراز الاول، فالعمر القصير للحكومات لا يشجعها على اتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية، والفئات المتضررة من هكذا قرار غير محددة، وبسبب عدم الثقة بالحكومات ووعودها بإعادة النظر في سياسة الدعم نجد هذه الفئات التي يفترض أنها المستفيد الأول من قرار إعادة هيكلة الدعم هي التي تتصدر الواجهة وتحول دون اتخاذ القرارات المناسبة، وهذا يعني أن هناك مشكلة تتعلق بتسويق الفكرة وإقناع الجهات المتشككة فيها.
السبب الثاني، هو حساسية الموضوع من الناحية السياسية والأمنية لا سيما خلال الفترة الراهنة، فالمدخل الأمني في التعاطي مع مشكلة الدعم وما قد ينجم عنه أخر في كثير من الأحيان اتخاذ قرارات توصف بأنها صعبة، ولا نعرف وجه الصعوبة، فهل رفع اسعار المياه على شرائح الاستهلاك المرتفعة او الكهرباء على من يستهلكون أكثر من حد معين أو حتى الغاز، تعتبر قرارات صعبة! هناك تفهم للظروف وحالة التباطؤ الاقتصادي، لكن التفكير بأن الحفاظ على هذا النوع من الاستهلاك المدعوم هو المدخل لتحريك الاقتصاد  يعمق من الاختلالات الموجودة  ولا يساهم بحل مشكلاتنا الاقتصادية المرشحة للتفاقم خلال 2012 بالنظر الى الإقليم والاقتصاد العالمي.
الحل فيما يخص هذا الملف اذا اتفقنا على التشخيص يتمثل بتقديم برنامج متكامل يوضح كيف ستتم إعادة النظر بملف الدعم، ما هي الآليات التي ستتبع لإعادة النظر في بنوده، كيف سيتم تعويض المتضررين، ما الذي ستفعله الحكومة بالوفورات المتحققة، كل هذا يقدم رواية متكاملة لا تبقي الموضوع طي الأدراج.
في الوقت الذي تنشط فيه المطالب السياسية ويدور الحوار حول المفاضلة بين الإصلاح  السياسي أم الاقتصادي ، يجب التأكيد على اهمية  الشفافية وتوفير المعلومات كخطوة أولية تجاه تعزيز المشاركة الشعبية الحقيقية في القرارات، وهذا سيكون له ايجابيات ربما تفوق سلبيات القرار "الصعب" الذي سيتخذ يوما ما، ولكننا لا نعرف متى ولا أسباب التأخير الحقيقية، فما يساق من مخاوف نحن صنعناها.

[email protected]