ما المشكلة إذن؟

حتى نستطيع تقييم الموازنات والبرامج والأداء السياسي للحكومة؛ وحتى ننجو من براثن الإعلام الاحتفالي في تغطية الأحداث، والاستدراج والاستعراض الذي تمارسه وتتواطأ عليه الحكومة والنقابات المهنية والعمالية وجماعات الإسلام السياسي (الأحزاب السياسية ينطبق عليها قول "على بال مين يللي بترقص في العتمة"!)؛ وحتى لا تحدد وسائل الإعلام (والتي يغلب عليها الجهل والجهالة) أجندتنا وأولوياتنا، فإن هناك أسئلة وأفكارا عملية وواضحة تساعد على الملاحظة والتقييم، وفهم المشكلة الحقيقية والتركيز عليها!اضافة اعلان
ما علاقة أغلبية الناخبين ودافعي الضرائب (جميع المواطنين يدفعون ضرائب عالية، ونرجو أن تتوقف الحكومة عن تكرار خرافة أن 98 % من المواطنين معفون من الضرائب) والفقراء، بالموازنة والإنفاق الأداء العام؟ وماذا يستفيدون؟ فلا يمكن الحديث عن تقدم وتنمية من غير استثمار كبير في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والخدمات العامة والأساسية الضرورية للرفاه ومستوى المعيشة! أما الحديث وإطالة الحديث في مسائل أخرى كثيرة جدا، فذلك، وإن كان بعضه جميلا، لا يساهم في التنمية إلا بمقدار ما يساهم الكافيار في مستوى التغذية للمواطنين، وقدرتهم على الحصول على سعرات حرارية كافية!
وعلى هذا الأساس، فإننا نراجع ببساطة كل الروايات والقصص عن المنح الدولية وتنمية المحافظات والاستثمارات.
التعليم ليس بخير! ولم يكن في يوم من الأيام بخير! ولا يقلل من قسوة هذه الحقيقة وثقلها كل تلك البيانات والإحصاءات الأنيقة والصحيحة أيضا. والرعاية الصحية ليست بخير. وهما (التعليم والصحة) يتراجعان على نحو مفزع، يؤدي إلا متوالية من الكوارث والأزمات: تسلط القطاع الخاص على مجالات حيوية وأساسية للمواطنين، وبتكاليف لا يقدر عليها أكثر من ثلاثة أرباعهم! وبمستوى من الجودة يقل كثيرا عما يدفعه المواطنون للتجار والمستثمرين ومقاولي التعليم والطب! وكذلك انهيار القيم العامة واتجاهات العمل العام والتطوعي، ومهارات الحياة والسلوك الاجتماعي والإبداع والفنون والرياضة، والحياة اليومية والثقة العامة.
المسألة هي أن أغلبية المواطنين لا يشاركون في التخطيط والتفكير والتوجيه للسياسات والإنفاق، ولا يمثلون محورا للنقاش العام الجاري اليوم، والأداء العام أيضا. الأغلبية لا يُسمع صوتها، وغير قادرة على التأثير في السياسة والتخطيط والإنفاق، ولم يكن لها علاقة بالمشروعات التي تقتطع الجزء الأكبر من الموارد العامة!
رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولون بعامة، بحاجة لأن يسألوا أنفسهم باستمرار: ما التقدم والتنمية في بلد فقير؟ وإلى أي مدى يُحسّن الإنفاق العام والاستثمار الجاري حياة المواطنين؟ ماذا يمكن عمله لأجل المساواة والعدالة؛ المساواة بين الرجال والنساء في العمل والأجور، والمساواة بين الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية والمحافظات في التنمية والإنفاق؟

[email protected]