ملفات الإصلاح على ظهر سلحفاة

بحضور وزير المالية وعدد من المدراء أو نوابهم في القطاعات المعنية؛ كالضريبة والجمارك والأراضي ومكافحة الفساد، تم عقد اجتماع مهم في مجلس النواب مع لجنة النزاهة والشفافية، لمناقشة موضوع التهرب الضريبي. وبعد نقاش مستفيض، تم الاتفاق على تشكيل لجنة مصغرة من الجهات المختلفة والنواب، لمتابعة الموضوع والخروج بخطّة وتوصيات.اضافة اعلان
لتكوين فكرة عن الموضوع، يكفي أن نورد أرقاما حول حجم الإيرادات غير المحصلة للخزينة، وهي تصل مليارين وثلاثمائة مليون دينار، منها مليار ومائتا مليون دينار تهرب ضريبي حسب تقديرات للعام 2012، كما تضمنتها وثيقة حكومية. ومع أن البعض يتحفظ ويفترض استحالة الحصول على أرقام في هذا المجال، إلا أن الأرقام، من وجهة نظري، قد تكون أقلّ من الواقع. ويمكن تقدير ذلك بدراسة حجم النشاط في كل قطاع والحجم المفترض للإيرادات منه، تماما كما يمكن تقدير فاقد المياه بالفارق بين حجم التوريد من المصادر المركزية وحجم تحصيلات الفواتير.
طبعا، الثقة متدنية في قدرة هكذا لجان على ما هو أبعد من التشخيص وتقديم توصيات عامّة. وبافتراض أن لجنة كهذه ستجتمع فعلا وتتابع وتخرج باستخلاصات وتوجيهات، فإن أي مقترحات تحتاج إلى دراسة وتمحيص، ثم خطة عمل ومثابرة ومساءلة على الإنجاز، وحرص من المسؤولين وعزيمة وسلطة قرار مسنودة بالدعم والتمويل. وتوافر هذه الروافع معا هو شيء عزيز المنال؛ فالواقع في هذا القطاع مثل كل قطاع آخر، الأدوات التي يفترض أن تنفذ الإصلاح هي نفسها مهترئة وبحاجة إلى إصلاح.
أنتظر الفرصة لاقتطاع بعض الوقت من أجل "دراسة" وثيقة الأردن 2025، أو خطّة السنوات العشر 2015-2025 التي طلبها جلالة الملك وقدمتها الحكومة في حفل رسمي. وقد تكون مطابقة لأفكاري حول الإصلاح في كل قطاع، لكن الإصلاح ليس فقط العثور على الأفكار والأهداف الصحيحة، بل أخذ القرارات الصحيحة في كل وقت، وعندنا يتهيب المسؤولون عن القرار، غالباً، ويميلون إلى التعويم والبقاء في المساحة الرمادية، أو يتقاعسون عن توفير الأدوات للتنفيذ.
لقد عقدت اجتماعات لجان نيابية لغير قطاع، وضعت كل المسائل الرئيسة على الطاولة تحت ضغط المشاكل العويصة القائمة وحالة الترهل والتدهور في الأداء وفي الخدمات. وكنت ألاحظ دائما ميل المسؤولين إلى التعويم والتهرب من الالتزام بشيء محدد؛ فكل شيء يحتاج دراسة، ولكل مقترح سلبيات ومحاذير، ولكل فجوة أو عجز تفسير. والمحصلة التي يمكن استنتاجها من دون أن تقال، هي الاستسلام لواقع الحال، وأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان.
يمكن أن أستعرض العديد من الملفات التي تعكس هذا الواقع، رغم اجتراح تقدم أو إنجاز هنا وهناك؛ التعليم، والتعليم العالي، والطاقة، والمياه، والصحة، والنقل، والبيئة، وغيرها. وسأضرب مثلا من القطاع الصحي، ما دمت أمس واليوم الذي قبله قد تصادفت في جلسات مع أطباء وعاملين في القطاع الصحي، وكان هذا الهم محور الحديث.
إذ عقدت لجنة الصحة في مجلس النواب اجتماعا موسعا بحضور الوزير ومسؤولين في القطاع، لمناقشة ما اعتبرته حالة انهيار في القطاع الصحي تستوجب خطة صارمة للإصلاح. وتم تداول الكثير من الملفات والأفكار والمقترحات. ثم لم يحدث شيء. وقد سمعت مؤخرا عن بعض الأشياء: إنجاز جزء من مشروع الشبكة الحاسوبية للأدوية، ومشروع إنشاء مجلس أعلى للرقابة على السياحة العلاجية، ومشروع التمديد للأطباء الاختصاصيين لخمسة وستين وسبعين عاما للحفاظ على الكفاءات التي تحتاجها وزارة الصحة، وشراء خدمات الاختصاصيين من القطاع الخاص تعويضا عن نقصها في القطاع العام. والقراران الأخيران جاءا تحت ضغط النقص الخطير في الاختصاصيين ونزف الكفاءات من "الصحة". وشراء الخدمات هو حل مؤقت لسد ثغرة خطيرة، أمّا خطّة ملموسة وبقرارات محددة للإصلاح، فلم توجد بعد.