من يُصدّق منظمة التحرير الفلسطينية؟

اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً رافضاَ تماماً للسياسات الأميركية الراهنة إزاء القضية الفلسطينية، وكما يقول صائب عريقات أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، للوفود العربية والأجنبية التي وصلت فلسطين بمناسبة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، فكل الإدارات الأميركية منحازة لإسرائيل، ولكن هذه الإدارة الحالية جلست مكان الحكومة الإسرائيلية لتقود المخطط الإسرائيلي، وموضوع صفقة القرن أو الصفقة النهائية، يجري تنفيذها فعلا على الأرض، وستعلن بعد الانتهاء منها، لاحقاً. وقد أكد عريقات ومسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية مجدداً رفضهم التعامل مع هذه الإدارة الأميركية إلا بعد إلغاء القرار. اضافة اعلان
يتجه المجلس الوطني الفلسطيني لتبني وإعادة تأكيد قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، بشأن إعادة النظر في العلاقات مع الجانب الأميركي والإسرائيلي، وتبني المقاطعة، ومراجعة الاعتراف بالجانب الإسرائيلي، وتطوير المقاومة الشعبية، والانضمام إلى 22 منظمة دولية تم الاتفاق مع إدارة باراك أوباما على عدم دخولها مقابل شروط تراجع الأميركيون في عهد إدارة دونالد ترامب عنها.
مضى على الموقف الفلسطيني الرافض للتعامل مع الجانب الأميركي ستة أشهر، ولا يبدو أن هناك تغيرا في هذا الموقف، بالنسبة لرفض الإدارة الأميركية، راعياً أو وسيطاً لعملية السلام.
هناك طرفان يجب أن يُصدّقا منظمة التحرير، والإيمان بقدرتها على الفعل.
هناك كذلك فرضية عن صعود المنظمة "على الشجرة" بمعنى أنها تورطت بالصعود لموقع لا تستطيع النزول منه إلا بسقوط موجع.
الطرفان اللذان يجب أن يصدقا منظمة التحرير، هما أولاً الشعب الفلسطيني، والثاني، هو الجانب الأميركي والدولي والإسرائيلي.
على مدى الأسابيع الماضية، التقيتُ بصفتي باحثاً وكاتباً بدبلوماسيين وسياسيين أوروبيين، ويمكن بوضوح ملاحظة تغير النبرة الأوروبية، وأنّهم "صدّقوا" وسلموا تقريباً بالموقف الفلسطيني الرسمي. بمعنى أنّ الجدل في بداية الأمر، عند اتخاذ ترامب قراره بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية، نهاية العام الفائت، هو كيف يمكن مساعدة "الطرفين" للعودة إلى المفاوضات، وتهدئة التوتر. ولكن الجانب الفلسطيني ردد وكرر موقفا محددا، هو لا عودة للمفاوضات بالوضع الراهن والمطلوب من العالم أمرين، الأول هو التوقف عن الاعتراف بإسرائيل دولةً دون الاعتراف بفلسطين دولةً، وانتقل النقاش من العودة للمفاوضات إلى بحث مسألة الاعتراف، والأمر الثاني هو المطالبة الفلسطينية للعالم ببدء الحديث عن سبل مواجهة وإنهاء الاحتلال، وليس العودة للمفاوضات بذات الطريقة السابقة.
يتوقع قريباً أن تُصدّق واشنطن الموقف الفلسطيني، تماماً، خصوصاً إذا تم تنفيذ الوعد الفلسطيني، بدخول 22 منظمة عالمية، اتُفق مع أوباما على عدم دخولها، وحذر الفلسطينيين عندما طلب منهم عدم دخولها، بأنّ دخولهم قد يعني "انهيار النظام الدولي"، وذلك أنّ واشنطن بحكم إعلانات وتعهدات سابقة هددت أنها ستخرج من منظمات وهيئات واتفاقيات دولية إذا هي قبلت "دولة فلسطين" وقد جرى هذا فعلا في حالات منها "اليونسكو". وبمعنى آخر إذا "صدقت" واشنطن بعد أن "يصدق" الفلسطينيون، ستخرج القوى العظمى من المؤسسات الدولية ما يفقد هذه المؤسسات والنظام الدولي كثيرا من معناه. وإذا صدقت الوعود الفلسطينية بشأن المنظمات الدولية، وهذا ممكن جدا، سيتضح أنّ واشنطن هي من صعدت إلى الشجرة وورطت نفسها.
يبقى أن المجلس الوطني الفلسطيني مطلوبٌ منه اتخاذ قرارات واقعية مدروسة، تؤمن القيادة الفلسطينية أنها ستنفذها حقاً، بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية، والبضائع الإسرائيلية، وبشأن التراجع الإسرائيلي عن كل الاتفاقيات الموقعة، بحيث بات الفلسطينيون ينفذون ما عليهم دون الحصول على ما هو لهم في هذه الاتفاقيات، وعندما يبدأ تطبيق القرارات، سيؤمن الفلسطينيون بها، ويدخلون في إطار عملية التنفيذ والالتفاف الشعبي حول منظمة التحرير الفلسطينية.
قد تأخذ منظمة التحرير قرارات تبدو فعلا صعبة ومعقدة، ولا يمكن تنفيذها فوراً أو سريعاً، ولكن يجب أن يكون هناك بدايةً جزء من هذه الأهداف والقرارات ذات معنى وأثر يمكن تنفيذها، بحيث تتضح الجدية الفلسطينية، وأن القرارات الصعبة قد تأتي فعلاً لاحقاً، ما يحسن الموقف الفلسطيني، ويزيد مصداقيته شعبياً ودولياً.