موازنة للقضاء على نهج الاتكالية

هل ستكون موازنة العام 2012 قادرة على ضبط الانفلات في الإنفاق التوسعي؟
أكاد أجزم أن الصرف الكبير الذي فاقم المديونيات، وكثير منه لم يذهب لمستحقيه، لم يكن استدراكا لحاجة الدولة لتدارك مخاطر التهميش والإقصاء التي عمقتها سياسات اقتصادية عرجاء سميت جزافا بالحرة والمنفتحة، ولكن في تطبيقاتها مشوهة عمقت الاحتكار الخاص ورسخت تحالف طبقة رأسمالية تنتفع من ارتباطها بمتنفذي السلطة على حساب السواد الأعظم من المظلومين في الوظائف الدنيا والوسطى في القطاعين الخاص والعام معاً. وكشفت تلك الممارسات الاحتكارية زيف مبادئ الحرية الاقتصادية التنافسية التي يدعي الكثيرون أنها قائمة.اضافة اعلان
إلا أنه يبقى أن تأخذ السلطات عبرة؛ فسياسات شراء الولاء في دول أكثر رخاء منا، لم تفلح في إسكات الناس عن المطالبة بالديمقراطية ومحاربة الفاسد والدولة الحقوقية.
وهكذا نرى حتى في تلك الدول، باتت مطالب المحاسبة والمساءلة تعلو على أي اعتبار لأنه لا يمكن أن تتوفر البيئة المناسبة للاستثمار والنمو بدون توافر متطلبات الشفافية التي تقضي على الفساد في دولة حقوقية.
وفي الأردن، لا ضير من أن ترضخ الحكومات لمطالب الشارع عندما تكون الهبة والفزعة لوقف تهميش الأطراف والأرياف والبوادي ولإنصاف أكبر للأحياء الشعبية في المدن الكبرى، التي تعج فيها أيضا أحياء فقيرة بالمعاناة، والتي تحكي قصة الإهمال والإقصاء الذي اقترفه إنفاق حكومي يهدر المال العام بشكل غير عادل.
وأشار بلاغ الموازنة إلى ضرورة تعميم مكاسب التنمية على مناطق المملكة كافة؛ بما يحقق العدالة وتكافؤ الفرص وهو كلام جميل، لكننا لا نعرف كيف تتم ترجمته؛ وخصوصا عندما تصبح الحكومات رهينة لأصوات تتعامى عن الغبن والظلم في مدن توصف بالثرية تعميما كالعاصمة عمان، التي في جزرها المليئة بالثراء صور فاضحة من البؤس تجتاح أحياءها الأكثر كثافة والمنسية، والتي لا تقل حاجة عن مثيلاتها في بؤر الفقر في البوادي والأرياف.
هل وضعت فلسفة الموازنة المقبلة أن خلق النمو في الاقتصاد الوطني لا يتم عبر مزيد من التوظيف الحكومي وأن الطريق الأسهل لتنمية مستدامة هي منح الحوافز لتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تخلق الفرص التي يمكن أن تستوعب جيوش الخريجين ممن أعطتهم أجواء الربيع العربي أملا أكبر بفجر جديد؟.
وهل وضعت الموازنة في عينها تبديل فلسفة الاعتماد على الدولة نحو إطلاق الطاقات المعطلة التي عملت حكومات متعاقبة ونهج مكرس على توطئته لخلق جيش من الموظفين والمتقاعدين يعتمدون على أرزاقهم على الدولة وتقتل فيها روح المبادرة وتعمق الاتكالية بعيدا عن أسس تكافؤ الفرص؟.
إن الأسئلة الملحة أمام صناع القرار كثيرة، ولكن بسياسات اقتصادية أكثر عدلا يمكن السير نحو طريق الإصلاح المنشود الذي يوسع مكاسب الكعكة للفئات التي لم ينلها حظ للآن.

[email protected]