"ولن تعدلوا"

قرأت طرفة على موقع “الفيس بوك” لرجل متزوج من امرأتين، كرس حياته كلها في محاولات تحقيق العدالة بينهما، حتى توفيتا في يوم واحد، و للطرفة بقية..اضافة اعلان
ليس الأمر متعلقا بالماديات كالبيت والغذاء والكساء، التي يعتقد كثيرون أن توفيرها مناصفة أو بالعدل بين زوجاتهم المشتركات، هو لب موضوع تحقيق العدالة المفترض. وحتى المشاعر والأحاسيس المترافقة كالحب والرغبة والشوق، تلك التي يستحيل فيها تحقيق العدالة، لأنها ليست ملكا لبشر، هي المقصودة بالكلام. إنما ما يثير الاستغراب، جرأة هؤلاء على عقد أغلظ الأيمان بأنهم لا يفرقون بين زوجاتهم، وعلى الأغلب يكون الواحد منهم متزوجا من اثنتين، حيث من النادر تعدد الزوجات في مجتمعنا لثلاث ورباع. يحلفون بأنهم قد حققوا العدالة التي اشترطها الله سبحانه وتعالى للزواج بثانية، حتى تكاد تصدق أن سحرا قد أصابهم كلهم، وحولهم إلى ماكنات تعد الأشياء عدا، وتقسمه على اثنين بالتساوي!
كيف نقبل بهذا الادعاء ونحن على الأقل لدينا حجة دامغة واحدة، ندفع بها كلامهم غير المستساغ لا علميا ولا أدبيا؛ كسنوات العمر الأولى على سبيل المثال، والتي حين كان يتقاسم مرها قبل حلوها الشحيح، فإنه كان يفعل مع شريكة عمره الأولى. كانت ملاذه الآمن وحافظة سره وماله ولحظات ضعفه وقوته. كانت العتبة التي يرتمي على بلاطها القيشاني الأصيل، كلما استبد به الضعف والتعب. كيف تتقاسم الأخرى وإياها مثلا حروب الأفواه الجائعة، وصراخ الأيام الصعبة وتعب الليل والنهار اللصيقين بخيط شفاف!؟
 كيف تتحقق العدالة الكاملة، ما بين امرأة نضج على شبابها مراهق نزق، وامرأة قرر رجل أن يجرب شبابه الجديد معها لتنضج وتتفتح على يديه؟ هل العدالة أن تقتسم أكياس الفاكهة والحلوى في ساحة البيت الفسيح، بين اثنتين، واحدة فيهما كانت محرومة يوما ما من هذا الترف الزائد، لتوفر أياما أفضل له وهي لا تعرف أن أخرى ستقاسمها هذا “الأفضل”، في نهاية المشوار؟!
 لو كانت الأمور واضحة منذ البدايات الباردة الفقيرة المحرومة، لكان العدل قد تحقق فعلا وما كان هناك سبب واحد للألم الدفين، والحزن على الشباب الذي ضاع. نعم، لا أحد يرسم أيامه كما يحلو له، أو يخطط لما هو قادم بعد عشرين أو ثلاثين عاما. لكن في الرؤوس عقول وفي الصدور ضمائر، علها تعيد النظر في آلية تحقيق العدالة ما بين الزوجات، بما يضمن للأولى كرامة تفوق انكسار خاطر التجاعيد، والأهلّة السوداء تحت العيون و”السيليوليت” المتمكن من الأجساد! فالعدالة ليست مأكلا ولا مشربا ولا حتى ساعات مقدرة كأنها السجن الذي ينتظر انبلاج النهار، لينفتح إلى الحرية والجمال والمتعة “الزوجة الثانية طبعا”. بل هي التفاتة عرفان وشكر لمن وقفت طويلا خلف النافذة لتنتظر، والمجلى لتغسل والموقد لتطهو، والرؤوس لتدرس والأكتاف لتتسع، والأبواب لتدعو بالسلامة وألا يضيع لكم تعب.
هذه هي العدالة لكل نساء الأرض وليست للتي يتزوج عليها رجلها، أو يحب امرأة أخرى! افعلوا ذلك ثم امضوا في أنانيتكم مارسوها على أكمل حق، كما تعتقدون وإلا جدوا لكم آلة زمن لشريكاتكم الجديدات، يتقاسمن بعدالة معهن الحكايات من أوائلها، هذا إذا قبلن أساسا! إنما وعلى سبيل التجربة فقط، جربوا أن تتخيلوا مع زوجاتكم الأوائل إمكانية العودة من البداية مجددا، حيث الأيام الصعبة والذكريات المرة. ستفاجؤون جدا من النسبة الكبيرة التي ستقبل.
المهم ، بقية الطرفة تقول إن الزوج أمر بغسل وتكفين زوجتيه، بنفس التوقيت ولكنه واجه مشكلة في إخراجهما معا عبر باب ضيق لا يتسع لهما. فقرر أن يفتح فتحة في الحائط، ونجح في تحقيق العدل بينهما فعلا إلى آخر لحظة.  ليلتها زارته الأولى في منامه لتعاتبه، حيث إنه فضل إخراج جثة الثانية من الفتحة الجديدة  ورضي لها أن تخرج من الباب القديم!
طرفة بمنتهى الذكاء، تختصر قصة “أن تعدلوا” ولو بمكر جميل..