الرخاء الاقتصادي لليهود فقط

أعلن وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، في نهاية الأسبوع، عن سلسلة إجراءات اقتصادية، للجم موجة الغلاء الكبيرة، التي من المفترض أن تبدأ مع مطلع العام الجديد 2019، وتطال أساسا الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية. ومع إعلان الشركات عن رفع أسعار سلعها وخدماتها بنسب متفاوتة، انطلقت صرخات في الشارع الإسرائيلي، ولكنها ليست بحجم جماهيري حاشد، كان مفترضا أن يكون أمام موجة غلاء كهذه. فقد أعلنت شركة الكهرباء الحكومية، عن رفع أسعارها ابتداء من مطلع 2019، بنسبة 8%. والمياه بنسبة 6,5%. ومنتوجات الحليب، والمواد الغذائية الأساسية، بنسبة تتراوح ما بين 3,5% وحتى 5%، رغم أنها في الصيف الماضي، سجلت ارتفاعا بنسب متفاوتة تحوم حول 4%. واللعبة المعروفة منذ أمد طويل، وهي أن الشركات تعلن عن رفع أسعارها بنسب أعلى مما قصدته، كي يكون لديها مجال للتراجع إلى النسبة التي أرادتها بداية، لتظهر أمام الجمهور وكأنها تراجعت أمام "الغضب الشعبي"، وبذلك تكون قد نفّست بالون الاحتجاجات. فالإجراءات التي ستتخذها وزارة المالية، تقضي بتخفيض الجمارك على الفحم المستورد، وبناء عليه فإن أسعار الكهرباء سترتفع بنسبة 4% "فقط". وسيساهم "لجم" نسبة رفع أسعار الكهرباء بلجم أسعار أخرى مثل المياه، وأيضا سلع غذائية أخرى. وفضيحة الكهرباء، قد لا تجد لها مثيلا في العالم. فبعد أن سيطرت إسرائيل على حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، قيل إن هذا سيؤدي الى خفض كبير في أسعار الكهرباء. إلا أنه تم إلزام شركة الكهرباء، بالتوقيع على اتفاقيات شراء من محتكري حقول الغاز. وتبين لاحقا أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تشتري الغاز من حقول حكومتها، أعلى بأربعة أضعاف من السعر الذي تم بيعه من نفس الحقول، لدول أخرى. وفي كل مرّة تكون فيها موجة غلاء كهذه أو تلك، يعودون للحديث عن حملة الاحتجاجات الشعبية على كلفة المعيشة، التي اندلعت في صيف 2011 لثلاثة أسابيع، لا أكثر. ومنذ ذلك الحين لم نلمس أي اعتراض في الشارع الإسرائيلي على الغلاء. والسبب في رد الفعل الباهت على القضايا الاقتصادية الاجتماعية، سنقرأه خلال الأيام المتبقية من العام الجاري 2018؛ في تقرير الفقر الذي ستصدره مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية، عن نسب الفقر في العام الماضي 2017. وقد تلكأت المؤسسة في نشر تقريرها، الذي كان من المفترض أن يصدر قبل شهر من الآن. وهناك شكوك في أن الحكومة طلبت التأجيل، لأنه سيؤجج أصوات المعارضة للغلاء. ولكن لا مخاطرة في أن أروي مسبقا، ما الذين سنقرأه في التقرير الوشيك: انخفاض نسبة الفقر بين اليهود، ولو بنسبة هامشية. أما بين فلسطينيي 48، ففي أحسن الأحوال ستبقى نسب الفقر على حالها أو ترتفع؛ وإذا انخفضت، فستكون بنسبة هامشية. واستنادا لتقرير العام الماضي، فإن نسبة فلسطينيي 48 الذين هم تحت خط الفقر، في حدود 52%، وبعد إضافة من هم على حافة خط الفقر، فإن النسبة ستكون أعلى من 60%. أما بين اليهود، فإن نسبة من هم تحت خط الفقر 15,5%. ولكن إذا أخرجنا المتدينين المتزمتين "الحريديم" من هذه النسبة، فإن نسبة الفقر بين اليهود ستحوم حول 10%، ولدى اليهود الأشكناز (الغربيين) ستنخفض عن 8%، وهذه نسبة نجدها في دول شمال أوروبا. كذلك البطالة، فالنسبة العامة حاليا 4,1%، ولكنها بين العرب تتراوح ما بين 12% إلى 13%، وبين اليهود تقل عن 3%. بمعنى أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين يشعرون ببحبوحة اقتصادية، إلى درجة أن ارتفاع الأسعار المتوقع، لن يؤثر كثيرا على جيوبهم، وهذا سبب أساسي في ضعف الاحتجاجات الشعبية على غلاء المعيشة. أضف إلى هذا، أن اليهود الإسرائيليين أسرى الدعاية الصهيونية، التي تسيطر على أجوائهم على مدار الساعة، "بأنهم مهددون وكل العالم ضدهم"، ولهذا هم مطالبون بدفع قسط من كلفة سياسة الحرب والاستيطان، التي تنهش سنويا نسبة 33% من الموازنة العامة. وإذا ما حسبنا أن أكثر من نصف ديون الحكومة، نابعة من الصرف الزائد على الاستيطان، والجيش، فإن كلفة الحرب والاحتلال والاستيطان تلامس 50% من اجمالي الموازنة السنوية.اضافة اعلان