دوام مدرسي بالتناوب: هل سنكرر الكارثة؟

بعد انقطاع لنحو ستة أشهر، عاد الطلبة إلى مدارسهم وسط كثير من الإجراءات التي جعلت هذه العودة غير مألوفة ومختلفة عن أي مرة سابقة. اضافة اعلان
محاذير صحية عديدة كان ينبغي مراعاتها بالتأكيد فرضت على وزارة التربية والتعليم اتخاذ قرارات صعبة تتيح لها تخفيض أعداد الطلبة داخل الغرف الصفية لتحقيق قدر معقول من التباعد الجسدي بينهم، خصوصا في ظل ما شهدناه من انتقال أعداد غير مسبوقة من طلبة المدارس الخاصة إلى الحكومية.
الوزارة قررت أن يكون دوام الطلبة في المدارس المكتظة التي يتجاوز عدد طلبة الشعبة الواحدة فيها 20 طالبا بالتناوب على أيام الأسبوع، بحيث يكون التعليم وجاهيا في الأيام التي يداوم فيها الطلبة على مقاعد الدراسة فيما يكون التعليم عن بعد بقية الأيام وهو ما اصطلح على تسميته بالتعليم «الهجين».
وحيث نعلم أن الغالبية العظمى من المدارس الحكومية ينطبق عليها هذا المعيار، فإن النسبة الأكبر من طلبة المملكة سيقضون نصف أيام عامهم الدراسي في منازلهم، وسيكونون خلال هذه الأيام مضطرين لمتابعة دروسهم ذاتيا، معتمدين على المحتوى التعليمي الذي توفره وزارة الترتبية عبر المنصات الإلكترونية وقنوات التلفزة، فهل يعني ذلك أننا سنعيش التجربة «البائسة» التي عشناها في المرحلة السابقة مجددا؟!
خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي ومع بدء جائحة كورونا وتعطيل المدارس، اختبرنا للمرة الأولى تجربة التعليم عن بعد. في هذه التجربة حدثت أخطاء كثيرة، بعضها كان ينبغي أن لا يحدث، وبعضها الآخر ربما لم يكن من الممكن تلافيه في ظل مباغتة الجائحة للعالم. 
في المحصلة فإن التجربة لم تحقق أدنى درجات النجاح، ويمكن القول بأن هناك شبه إجماع على ذلك من خبراء ومراقبين ومن الطلبة وذويهم، مهما أصرت وزارة التربية والتعليم على نجاح التجربة والتغني بذلك النجاح الذي لم يفهم أحد حتى اللحظة كيف تم قياسه وعلى أي معيار تم تحقيقه!
الآلية المتبعة في الفصل الماضي أنتجت تعليما غير تفاعلي، وهذا الأمر اعترف به وزير التربية والتعليم أكثر من مرة، ولذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد على هذه الآلية لسد النقص الحاصل عن غياب الطلبة عن مدارسهم، حتى لو كان بمرافقة التعليم الوجاهي، فالمحتوى المقدم لا يعدو أن يكون محاضرات صماء لن ينتج عنها سوى مزيد من التعميق لمبدأ التلقين السلبي الذي نسعى منذ سنوات للتخلص منه.
كشفت التجربة عدم إدراك مؤسساتنا التعليمية لمفهوم التعلم الرقمي وكشفت أيضا الكثير من الهشاشة ومواطن الخلل في عناصر العملية التعليمية لدينا، وأظهرت مقدار الفجوة الهائلة بين ما ينبغي أن تكون عليه هذه العناصر لتناسب مفهوم التعلم الرقمي وبين ما هي عليه في الواقع.
في ظل كل هذا الانكشاف، ومع إصرار الوزارة على إبقاء التعليم عن بعد جزءا أصيلا من العملية التعليمية ليشكل نصفها تقريبا وأحيانا أكثر، يحق لنا أن نسأل: ماذا فعلنا كي لا نقع في أخطاء المرحلة السابقة نفسها؟ 
يتطلب التعلم الرقمي التحول إلى مفهوم التعلم النشط القائم على اكتساب المهارات من خلال المشاريع وحل المشكلات والبحث والاستقصاء، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي لخلق بيئة تفاعلية بين الطلبة ومدرسيهم وبين الطلبة أنفسهم.
يحتاج ذلك إلى إحداث تغيير جذري في مفهوم عملية التعلم وأهدافها وفي المناهج المدرسية الحالية التي تختزل العملية في نقل المعلومات المحشوة في صفحات الكتب من المعلم إلى المتعلم ما يجعل المتعلم سلبيا، فهو مجرد متلق عليه تقبل كل ما يقوله المعلم حرفيا على افتراض أنه هو الخبير العارف دون أي استخدام لمهارات التفكير الناقد.
هنا لا بد من التأكيد على أن التعلم الرقمي لا يعني أبدا إلغاء دور المعلم وإنما تطوير هذا الدور ليكون المعلم مرشدا وميسرا للعملية التعليمية التي تحفز لدى الطالب استخدام مهارات التعلم الذاتي والإبداع والتحليل والنقد وهذه هي المهارات التي يحتاجها طلبة هذا العصر، والتي تخلق لديهم مهارات التعلم مدى الحياة بجعلهم عناصر نشطة في العملية قادرين على الوصول إلى المعرفة التي يحتاجونها بشكل مستمر.
فهل تم إجراء أي تطوير فعلي على عناصر العملية التعليمية وعلى المحتوى الإلكتروني الذي سيستخدمه الطلبة خلال تواجدهم في بيوتهم لنصف عام دراسي قادم؟
للأسف الشديد، لقد بدأ العام الدراسي ولم نسمع عن أي من هذه التغييرات على عناصر العملية التعليمية لدينا، ما يعني أننا مقبلون على مرحلة ممتدة من الاختلالات التي ستعمق الآثار السلبية للمرحلة السابقة وستؤدي إلى مزيد من التراجع في مخرجات العملية التعليمية.