عوفر كسيف المناضل ضد الصهيونية

ليس من عادتي أن أكتب عن أصدقاء ورفاق درب، إلا أن رفيقي د. عوفر كسيف، يضطرني اليوم لكسر هذا الحاجز الذي فرضته على نفسي، منذ أن بدأ اسمه يظهر على ورق الصحف. بعد أن قررت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، رفض ترشيحه للانتخابات البرلمانية، بسبب مواقفه المناهضة كليا للصهيونية وللاحتلال، وتصريحاته الحادة ضدها، ولكونه مناصرا لقضية الشعب الفلسطيني وحق العودة. وقد دفع ثمن ذلك في السجون العسكرية. فهو وأمثاله نعتز بهم كونهم شركاء درب، وسندا جديا في معركتنا الداخلية، في المواجهة المباشرة للصهيونية.اضافة اعلان
ولجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية هي لجنة سياسية، تتشكل من ممثلي الكتل البرلمانية في الولاية المنتهية. وكل قراراتها المتعلقة بمصير المرشحين، أفرادا أو قوائم، تنتقل للمحكمة العليا، التي ألغت في العقدين الأخيرين، كل قرارات هذه اللجنة؛ إلا أن تصرف لجنة الانتخابات يعكس وجه الكنيست، أيضا في الولاية المقبلة.
فقد أقرت لجنة الانتخابات قبل أيام قليلة، ترشيح عناصر من حركة "كاخ" الإرهابية، المدعومين حاليا من شخص بنيامين نتنياهو؛ رغم توصية المستشار القضائي للحكومة، الذي هو بحد ذاته من اليمين الديني، بعدم ترشيح أحد هذه العناصر. وفي ذات الجلسة، أقرت اللجنة رفض ترشيح الدكتور عوفر كسيف، مرشح الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وترشيح "القائمة الموحدة- التجمع الوطني"، التي هي تحالف بين الحركة الإسلامية (التيار الجنوبي)، وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي". والاستهداف أساسا هو لحزب التجمع، الذي واجه أعضاء فيه في عدة انتخابات سابقة، قرارات مشابهة، نقضتها المحكمة العليا في كل مرّة.
وعوفر كسيف، هو عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، ومواقفه ضد الصهيونية يسندها بتحليلات علمية، وهو المحاضر بالعلوم السياسية. وقد تم تسجيله في عدة محاضرات لطلابه في الجامعة، يشرح نازية الجرائم الإسرائيلية، ونهج ساسة اليمين الاستيطاني المتطرف. وقد لوحق مرارا من عصابات المستوطنين، التي طالبت بإقالته من السلك الأكاديمي، إلى جانب التهديد على حياته.
وبالإمكان القول، إنه حتى قبل سنوات قليلة ماضية، كان في حالة تنقل دائم من كلية لأخرى، بسبب "الاستغناء عن الخدمات"، مع نهاية كل عام دراسي جامعي، حتى استقر به الحال في الجامعة العبرية. وأستطيع التقدير بأن فيها من يتنفس حاليا الصعداء، كون دخوله إلى الكنيست بات مضمونا، وبذلك ينهي عمله في الجامعة تلقائيا.
وعوفر كسيف، بدأ طريقه منذ أن أتم عامه الـ 18، في السجون العسكرية، بسبب رفضه خدمة جيش الاحتلال، بموجب قانون الخدمة العسكرية الإلزامية. وأمضى في السجون 4 فترات، تمتد لعدة أشهر، حتى حصل على شهادة "الاستغناء عن الخدمات بسبب عدم الجدوى"، التي يصدرها الجيش لرافضي الخدمة العسكرية، بعد أن يكونوا قد قبعوا في السجون.
خطاب كسيف ليس شعبويا أو عاطفيا، بل يسند المواقف بالعلم. وهذا ما يُفسّر أكثر، حقد الصهاينة عليه، الذين يسعون إلى ابعاده عن الكنيست. وقرارهم قبل أيام يدل على ما سيواجهه لاحقا في الكنيست بعد أن يفوز بمقعده. إذ من المتوقع أن يكون مركز هجوم دائم عليه، كما سبق وتوقعت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية.
والمعادلة في قرارات لجنة الانتخابات تكشف حال الكيان الإسرائيلي في هذه المرحلة. ففي ما مضى، بدا وكأن الصهاينة عملوا لبناء دولة لهم، ذات معالم "نظام دولة سليم"، ولكن لا يمكن أن يقام نظام سليم على قاعدة قتل شعب، ونهب أرضه، واستبداد من بقي منه في وطنه؛ فقد قوننوا في حينه أنظمة سلب ونهب الأراضي، وفرضوا أنظمة لسياسات التمييز. ولكن من يقود الكيان في السنوات الأخيرة، يطالبون بالمزيد، ويعتبرون القوانين القائمة، رغم شراسة عنصريتها، تقيّد حركتهم؛ ولذا فإننا نلمس حاليا، أن جهد الصهاينة ينصب أكثر على بناء كيان "عصابات مافيا" مالية اقتصادية، تستند في قوتها على عصابات صهيونية أيديولوجية عنصرية ارهابية دموية. وهذا يقوله إسرائيليون أيضا، منهم سياسيون وصُناع رأي. وهذا حال الكيان الذي انعكس في لجنة الانتخابات.
أمثال كسيف ليسوا كثرا في الشارع الإسرائيلي، ولكن لهم صوت وحضور، وهم ذوو اتجاهات متعددة، وكلهم يواجهون خطرا مباشرا في الشارع، أيضا على حياتهم. وهؤلاء هم شركاء درب نعتز بهم، لوقفتهم البطولية، في مواجهة الصهيونية وجرائمها.