كرة القدم الفلسطينية

كان لافتا للاهتمام في الأيام الأخيرة، انشغال وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير واسعة بمنتخب فلسطين لكرة القدم، من خلال مشاركته في دوري الاتحاد الآسيوي. فالمنتخب قائم منذ قرابة عقدين، وهو ليس جديدا، إلا أن ما أثار انتباه الإسرائيليين أكثر، هو ارتفاع عدد اللاعبين من فلسطينيي 48، عدا استقطاب لاعبين من دول المهجر من أنحاء مختلفة من العالم.اضافة اعلان
وقد ركزت التقارير الإسرائيلية، كما ذكر، بالذات على اللاعبين من فلسطينيي 48، إذ بلغ عددهم أربعة لاعبين حاليا، رغم أن هذا ليس جديدا، إذ أن المدرب الأول للمنتخب، هو اللاعب والمدرب الراحل عزمي نصار، ابن مدينة الناصرة. ولكن ارتفاع العدد إلى أربعة لاعبين، كما يبدو، أثار اهتمامهم لدوافع سياسية.
فهم أشاروا إلى أن المنتخب بات يضم "الكل الفلسطيني"، ولكن هذا "الكل" من ناحيتهم، يضم أيضا فلسطينيي 48، وهذا ليس مريحا لهم، رغم أنه من المفروض أن لا يفاجئهم، لأن فلسطينيي 48 لم يكونوا في أي يوم، في فكرهم الجماعي، خارج "الكل الفلسطيني"، الذي جاء منتخب كرة القدم ليعبّر عن هذه الحقيقة.
وفلسطينيو 48 تحكمهم ظروف خاصة، تفاعلوا معها بشكل لا ينتقص من هويتهم وانتمائهم لشعبهم. وهذا التفاعل ساهم في معركة البقاء في الوطن، رغم أن قسما ليس قليلا، من الفلسطينيين والعرب يصعب عليهم استيعابه، وبشكل ممكن تفهمه إلى حد ما.
وهذه مقدمة للقول، إننا كمجتمع نرى أننا تقدمنا وتطورنا، هو عنصر أساسي في معركة البقاء. والتقدم والتطور يحتاج منا إلى جهود مضاعفة، من أجل كسر كل الحواجز والسقوف التي تفرضها علينا السياسات الصهيونية العنصرية، التي تريدنا أن نبقى شريحة ضعيفة مستضعفة. وبضمن هذا الجهد، الانخراط في أطر إسرائيلية، والقصد في القضية العينية المطروحة، المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم.
ومرّة أخرى أقول، من الصعب اقناع الإنسان الفلسطيني والعربي، وحتى في الداخل الفلسطيني، بمسألة المشاركة في المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، الذي سجل هو أيضا في هذه المرحلة، أعلى عدد من اللاعبين من فلسطينيي 48 في تركيبته الأولى. وأعتقد أن الحديث عن أربعة لاعبين ولربما أكثر. ولكن لا يمكن أن تكون هذه المشاركة مدعاة للتخوين، فهؤلاء لاعبون ماهرون، يتم اختيارهم بدقة، في الوقت الذي لديهم طموح، ككل لاعبي العالم، بأن يصلوا إلى النجومية العالمية، وما يتبعها. وعادة، لاعبو المنتخبات، يلفتون نظر الفرق العالمية.
وهذه مسألة أثيرت بشكل عاصف ومسيء جدا، للاعب ابن مدينة الناصرة، مؤنس دبور، الذي قيل إنه قد ينتقل من فريقه الحالي ريد سالسبورغ النمساوي، إلى فريق ليفربول البريطاني، الذي يلعب فيه اللاعب المصري محمد صلاح. وقد تضاربت الأنباء حول الموقف المشاع عن صلاح، وكأنه يرفض اللعب إلى جانب لاعب "إسرائيلي"، أو لكونه لعب سابقا في المنتخب الإسرائيلي.
وهنا يجب الفصل بين التحفظ من مشاركته في المنتخب الإسرائيلي، وبين وصفه بالإسرائيلي، فهذا مرفوض كليا، ولا يبرره اطلاقا مشاركته في المنتخب الإسرائيلي، التي أعتقد أنه توقف عنها، أو أنه سيتوقف عنها. لأن هذا نعت لكل فلسطينيي 48 بالأسرلة، لكونهم مفروضة عليهم الجنسية الإسرائيلية، بينما هم المتمسكون بهويتهم ووطنهم، وهم الشواهد على هوية الوطن.
ولربما أن بروز مشاركة لاعبي فلسطينيي 48 في المنتخبين، الفلسطيني من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى، يعكس حالة التعقيدات التي نعيشها، نحو الذين بتنا اليوم 1.56 مليون نسمة، أي 10 أضعاف عددنا في العام 1948.
إذ لا يمكن إطلاق الأحكام علينا، بجهاز تحكّم عن بُعد، على شكل إدارة مسيرتنا تحت الحكم الصهيوني، مثل أيضا، مسألة المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، التي لا نشارك فيها لبناء "الحُكم"، وإنما لكونها حلبة صدامية مباشرة في مواجهة الصهيونية، وفي عقر مؤسساتها. وهي مشاركة لا يمكن أن تحل مكان المواجهة الميدانية الأساسية، ولكنها ضرورة، كما تراها غالبيتنا الكبيرة.
وهذا موضوع طرحته في الماضي، وهو الآن موضوع الساعة، وسأطرحه من جديد لاحقا، خاصة أمام الحالة غير المريحة في ساحة فلسطينيي 48، التي آمل أن تجد لها حلا سريعا، لمواصلة الشراكة الجماهيرية البرلمانية الوحدوية، التي بدأت بشكل خاص في 2015.