كيف يبنى التوافق الوطني

علينا الاعتراف ان المجال العام المدني والنقابي والحزبي المعروف بعلله التاريخية قد ازداد هشاشة في السنوات الاخيرة ، ويمر حاليا في حالة من الاسترخاء او الركون لنزعة الاستقواء، وهذا لا يخدم الاجندة الاصلاحية للدولة والمجتمع معا؛ فالأساس المهني والسياسي والاجتماعي هو ما قامت عليها الاصلاحات الكبرى في العالم ولا يمكن تجاوزه، ولا يمكن ان يتم ذلك بدون الوصول في لحظة ما الى التوافق الوطني على مفهوم المصلحة العامة، وهو ما لا نلاحظة في ملف اضراب المعلمين وفي العلاقة بين النقابة والحكومة. سوف تفقد النقابة اكثر الحلفاء قربا اذا بقيت متمترسة بموقف جامد وابتعدت عن بناء رؤية توافقية، فيما يخسر الجميع اذا تم تحويل المطالب المهنية الى خطاب سياسي. قد يخدع البعض بالحالة العامة المملوءة بالسلبية وسرعة الانفعال وفقدان الثقة، ولكن هذا الامر لا يجب ان يحجب الرؤية عن ادراك حجم الخسائر التي تلحق بجيل بأكمله. الإصلاح والانتقال الى فضاء ثقافي وسياسي ديمقراطي يبدأ وينتهي بفكرة بناء التوافقات، فلا يمكن البناء والتغيير باستمرار الخلاف، فالسياسة والعمل الاصلاحي وحتى معركة العدالة الاجتماعية لا تعني كسب كل شيء ومرة واحدة، وحتى الحروب لا تعني كسب كل المعارك، لكن المشكلة في مجتمعاتنا اننا نمارس العمل الاصلاحي بذهنية القبيلة المملوءة بالنزاعات العصبية وبالثأر والغيظ ايضا. لم نتعلم بعد أن وقف الخسائر هو مكسب بحد ذاته، كما انه لا يمكن تصور اي ممارسة اصلاحية بأنها كسب على طول الخط او خسارة على طول الخط ايضا. معنى السياسة عند الأردنيين ما يزال مشوشا وغير واضح، واكثر ما ينشغل به الناس في بلادنا تكوين النخب وخصائصها وآليات تصعيدها وكيف تعمل ماكنة الدولة على خلق التوازن بين الجهات والجذور والاعراق والمصالح، فيما يكاد يغيب التساؤل حول مدى رشد القواعد الشعبية والرأي العام في متابعة كفاءة المؤسسات وتتبع مخرجاتها والاداء العام. حيث تشير بعض النقاشات في المجال العام ان معنى الكفاءة بحد ذاته غير متبلور لدى فئات واسعة، ما يقودنا الى ان مفهوم الرأي العام الأردني على الارجح وفي الكثير من المفاصل لا يتبلور بشكل واضح ومحسوم او قياسه بالادوات التقليدية ولا طبعا من خلال الاقلية الصارخة على الشبكات الاجتماعية. للأسف ما يزال معنى السياسة لدينا يدور حول الاشخاص، وليس حول المؤسسات والبرامج وآليات تطوير السياسات وتقيمها والقدرة على بناء التراكم. لذا، نفتقد لفهم عميق لضرورة التوافق واهميته في الطريق الى الاصلاح، ما يعني اننا نفتقد ايضا كحكومات واحزاب ونقابات ومؤسسات ونخب فهم مبدأ جمع المكاسب او فهم ان التنازلات الصغيرة هي اساس البناء الكبير والقوة العظيمة التي تقود عربة الاصلاح. هناك الكثير من السمات والملامح اليومية التي تسهم بوضوح في حالة الانقسام نتيجة غياب الهدف المشترك فالكل يعمل ضد الكل، وثمة صراعات نخبوية واجتماعية لا تنتهي محصلتها صفر على الجميع. في العديد من تجارب الدول الصاعدة في اسيا وافريقيا واميركا الجنوبية كان النجاح لا يرتبط بمسارات اصلاح تقليدية ليس بانتخابات منتظمة ولا بوجود برلمان على اهمية الانتخابات والبرلمان والنقابات والاحزاب على اهميتها، بل بخلق هدف كبير مشترك تدور حوله عملية الاصلاح ولا يكفي هذا الهدف بدون توافق وطني حوله.اضافة اعلان