بين مستقبل الأحزاب في الأردن وماضي تلك الأحزاب

في ندوة تشرفت بإدارتها كان محورها عن مستقبل الأحزاب في الأردن، تم إحالتنا في الحوار إلى نموذج حكومة الراحل سليمان النابلسي كحالة ديمقراطية حزبية فريدة في تاريخ الأردن السياسي.

اضافة اعلان


أنا أعرف عن حكومة، سليمان النابلسي، ما قرأته أول مرة في مطلع شبابي من كتاب سيرة الملك الراحل، الحسين بن طلال، والذي كان عنوانه "مهنتي كملك"، ثم في مختلف روايات أخرى من بينها روايات خصوم الملك الراحل نفسه. 


شخصيا، أنا أصدق أن، عبد الناصر، ومده القومي الجارف "والواهم"، كان لديه القدرة والرغبة معا في التدخلات السافرة في شؤون الدول العربية "وغير العربية أيضا"، في سياق طموحه الشخصي جدا بالزعامة القومية، ضمن رؤية إنشائية وظف لها أجهزته وإعلامه إلى آخر مدى.


ومن مصلحة الملك الراحل أيضا أن يخشى على عرشه "والدولة الناشئة حديثا حينها" من مؤامرات خارجية، كانت توجه اتهام "الرجعية" للدولة الأردنية، والرجعية ليس لها تعريف ولا معايير محددة بقدر ما هي كل ما يخالف المزاج السياسي للرئيس عبد الناصر نفسه.


في تلك الفترة، نشأ حزب أسسه السياسي الأردني "الناصري جدا"، سليمان النابلسي، وسماه "الحزب الوطني الاشتراكي"، ومن التسمية يمكن فهم أجندة الحزب التي كانت مضبوطة على مزاج ناصر السياسي فقط.


وبعد انتخابات " نزيهة فعلا بحكم النتائج التي ليست في صالح الملك الراحل"، نجح الحزب عام 1956 بالفوز في 14 مقعدا من المقاعد الأربعين لمجلس النواب الأردني، مع ملاحظة أن المقاعد كانت مقسومة مناصفة بين ضفتي الدولة الأردنية شرق النهر وغربه، عشرون مقعدا لكل ضفة، وبواقع 175 ألف مواطن مؤهل للتصويت من الضفة الغربية، مقابل 120 ألف مواطن مؤهل للتصويت من الضفة الشرقية.


أمام تلك النتيجة "القاسية بلا شك على الملك الراحل"، تم تكليف، سليمان النابلسي، رئيس الحزب الفائز بتشكيل حكومة برلمانية، وكانت ائتلافية بالضرورة، فشكلها النابلسي بواقع ستة من أعضاء الحزب الوطني الاشتراكي، وثلاثة مستقلين، ووزير عن حزب البعث العربي الاشتراكي، ووزير عن الشيوعيين، وكان قد أعلن التحالف باسم (الجبهة الوطنية)، وتشكلت الحكومة بتاريخ 29 تشرين الأول 1956، واستمرت حتى 10 إبريل 1957.


تلك قراءة جعلتني أفكر قليلا: أين هي الحزبية السليمة والصحية في ذلك الواقع الحزبي المرتبط بل والمرتهن لأجندات الأجهزة الأمنية لدول استبداد عسكري وسياسي وقمع بوليسي؟


 طبعا، القصة التاريخية لنهاية تلك الحكومة عام 1957 وقد استمرت أشهرا فقط، تفاصيلها تعج بالمناكفات بين ملك يحاول فرض سيطرته وسيادته كرأس للدولة على الدولة، في مواجهة تحالف "تقدمي كما وصف نفسه" يفرض على الملك رؤية المكاتب الأمنية السياسية بين دمشق والقاهرة.


اللافت تاريخيا، أن الدولة التي تم اتهامها بالرجعية وهو هنا الأردن، فإن كل من اتهموا بالانقلاب وواجهوا الملك الراحل ونظامه، انتهوا بعفو ملكي ومناصب شرفية أو متقدمة في الدولة.


في المقابل كانت الدول "التقدمية" ينتهي أدنى معارض فيها على قرار مجلس بلدي بالتذويب والاختفاء.


السؤال الذي أطرحه على نفسي، كأحد المطالبين بالإصلاح السياسي والدولة المؤسساتية ثم الديمقراطية- بعد استعادة الدولة ومؤسساتها في سياق دستوري صحيح وسليم-: هل حكومة سليمان النابلسي، رحمه الله، هي النموذج السليم الذي أبحث عنه لدولة أردنية دخلت مئويتها الثانية بامتياز واستحقاق؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا