مشاعر دفينة..

د.لانا مامكغ صوت رفيع عجيب لفتى اقتحمَ عالمَ الغناء عنوةً، يتساءلُ إن كان من محبوبته نكهةُ فريز، أو توت … ثمَّ ليصيحَ بحنجرةٍ فجّة قائلاً: “يا ربّي ساعدني … من الحلا رح موت!” قد لا يُلامُ ذلك الصّغير على ما اقترف، فمن يستحق العقوبةَ هو مؤلّف الكلمات، الذي لم ير في المخلوقةِ التي كتبَ لها سوى شيء قابل للالتهام! هكذا يُصادرون إنسانيّةَ المرأة، وليس بأفضلَ منه ذلك الذي يصيحُ بصوتٍ أجش معلناً أنَّ جمالَ محبوبته فوقَ الاحتمال … ويعيدُ المقطعَ مع أنينٍ يوحي أنّه على شفا انهيارٍ عصبي! هل يُعقل أنّكم ما زلتم لا ترون في المرأةِ إلا جمالَها؟ أليس الجمالُ أمر نسبيّ بحت؟ ألم يحن الوقت كي تتطوّرَ نظرتُكم للمرأة مع التّطوّرِ الطّبيعي الذي اجتاحَ الأشياءَ كلّها؟ ألا من صفةٍ أخرى أكثرَ إنسانيّةٍ وموضوعيّةٍ تصلحُ موضوعاً للشّعرِ الغنائي … هذا إذا اتّفقنا على أنَّ لما نسمعُه علاقةً بالشّعرِ، أو بالغناء أصلاً! ألا يحدثُ أنْ تكونَ متوّسطةَ الجمال، أو أقلَّ من ذلك، وتتّسمُ بالجاذبيّة، أو خفّة الظّل، أو الحياء الآسر، أو المنطق الجميل …. ألا يمكنُ وصفُها أنّها قريبةٌ من القلب، أو حلوةُ المعشر، أو دمثةٌ، لطيفةٌ، حانية؟ عزيزتي الأنثى، ثقي بمن يتذوّقُ في شخصيّتكِ تلك الأوصافَ أكثرَ من ذلك الذي يزعمُ الافتتانَ بجمالك، فهذا الجمالُ سيذوي آجلاً أم عاجلاً، ليبدأ صاحبُنا بالبحثِ عن جمالٍ آخر في مكانٍ آخر … أمّا صفاتُكِ المعنويّةُ الأخرى، فتاريخُ صلاحيتُها طويلٌ نسبيّاً، ولن تتغيّرَ إلا إذا أسهمَ هو في ذلك! لقد سئمنا موّالَ الجمالِ ذاك، خاصّةً في زمن الزّيف الذي نعيش، ابتداءً من المساحيق الكثيفة الكفيلةِ بالتّغييرِ الجذري للملامح، وانتهاءً بالتّقنياتِ المعروفة من فلاتر وغيرها … هذا دون أنْ نتطرّقَ إلى ما يجري داخلَ عياداتِ التّجميل من غرائب! وأخطرُ ما في الموضوع كلّه، هو هذه الازدواجيّة التي أصابت شخصيّةَ المرأة، فهي تتنكّرُ لملامحها الربانية الأصلية، لتكتسبَ أخرى جديدةً قررّ بعضُهم من مكانٍ قصيّ، بالنّيابة عنها، أنّها مثالُ الجمال! قلّةٌ من النّساء استطعنَ تحصينَ ذواتهن من ذلك الطّوفان، وبقينَ متصالحاتٍ مع أنفسِهن رغمَ المتغيّرات، لكنَّه جرفَ العديدات، كلّهن يسعين للبقاء صغيراتٍ وجميلات، وإلا فهنَّ حمولة زائدة على هذه الأرض … هذا ما زرعته معظمُ وسائلِ الإعلام المرئيّة في الأذهان، ولنا أن نتخيّلَ ما يقتضيه ذلك من وقتٍ ومالٍ وطاقة كان يمكن استثمارُها في ميادين الإنتاجِ والإبداعِ النّسوي عموماً. لهذا كلّه، فنحنُ نحتفظُ بمشاعرَغَيْرةٍ دفينةٍ من الرّجال … سواءً في حياتهم اليوميّة، أو في المناسباتِ الاجتماعيّة، فالرّجلُ (السّوي) ليس لديه أدنى استعداد لقضاءِ السّاعاتِ في رسمِ الحواجب، وتظليلِ الجفون، وتركيبِ الرّموش، ولصقِ الأظافر، وتعريض رأسِه لحرارةِ المجفّف الّلعين الصّاخب، ثمَّ ارتداءِ الثّيابِ غيرِ الصّالحةِ للحركة … حتى يمضيَ أخيراً فيترنّحَ بالكعب العالي الكفيل بقصفِ فقراتِ الظّهر فقرةً فقرة … ثمَّ ليُضطرَ إلى توزيعِ الابتساماتِ رغمَ الآلامِ والأوجاع! باختصار، هنيئاً للرّجال تلك البساطة، وتلك الثّقة، وتلك الحرّيّة، ولكونهم غيرَ مستهدفين، مثلَنا نحنُ النّساء، بالهراء الثّقيل الذي يهطلُ على رؤوسنا يوميّاً عمّا يسمّونه “الجَمال”! المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان