نشوة الانتصار!

د. لانا مامكغ دخلَ غرفةَ الاستقبالِ بالصّدفة حيثُ فوجئ بوجود إحدى الضّيفات، ففهمَ من نظرةِ أمّه أنَّ عليه الاقترابَ من المرأةِ للسّلام عليها، ففعلَ مُرغماً ليتلقّى على خدِّه النّحيلِ قبلةً مدوّية! وفي اللحظةِ التي كان يهمُّ فيها بالخروج مُسرعاً وهو يمسحُ آثارَ الاستباحة… سمعَها تقول: «صحيح إنَّ البطن بستان، إخوانه زي القمر… الله يحميه على كلّ حال!» وفهم فوراً ما تقصد، فلم تكن هذه المرّةَ الأولى التي يسمعُ فيها مثلَ تلك التّلميحاتِ الموجعة من نساءِ العائلة… تعايشَ مع هذه الحقيقةِ حتّى المرحلة الجامعيّة، حين انشغلَ إخوتُه الوسيمون بتلقّي رسائلِ الإعجاب من الفتيات، في حين كان يشعرُ هو أنّه كائنٌ أثيريٌّ هائمٌ لا يُرى، ولا يُسمع! ويذكرُ كم هامَ بإحداهنَّ ذات مرّة، تلك التي لمّا ضبطته ينظرُ إليها صدفةً، أطّلتْ منها نظرةُ امتعاضٍ ورفضٍ واستهجان، مع ابتسامةٍ ساخرةٍ لن ينساها طوالَ عمره… وتكرّرَ الأمرُ مع غيرِها، ليُصفعَ بالرّفضِ المهذّبِ مرّةً، وبالرّفضِ الصّارخِ مرّاتٍ عديدة! وبدأ يصلُ إلى نتيجةٍ واحدة، وهي أنَّ ما عاناه من ألمٍ وتذكيرٍ بوجعه المُقيم طوال السّنين، لم يأتِ من الذّكور… بل من الإناثِ فقط! وهكذا، بدأتْ بذرةُ الحقدِ على المرأةِ تنمو وتترعرعُ في قلبه، لتتحوّلَ إلى خِطّة عملٍ، واستراتيجيّةٍ طويلةِ الأمد… استهلّها بالتّدرّبِ، والمِرانِ على اكتسابِ مهاراتِ الحضور، والتّأثير، وأرهقَ نفسَه بدروسٍ مكثّفة حولَ فنونِ الإلقاء، ولغةِ الجسد، والتّواصلِ البصري… وكيف يتحرّك، وبأيّ طبقةٍ صوتيّةٍ يتحدّث، وكيف يُصغي، حتّى صارَ ضليعاً بفنونِ الإقناع، والنّقاشِ، والتّفاوض، مشفوعاً بتأهيلِه الأكاديمي في المجالِ القانوني… ثمَّ ليرفعَ الصّوتَ عالياً منادياً بحقوقِ المرأة… فبدأ نجمُه يلمعُ بين التّنظيمات النّسائيّة، وباتَ حديثَ المجالسِ النّسائيّة قاطبةً، وأصبحَ يتنقّلُ من محاضرةٍ إلى أخرى وعيون النّسوةِ وعقولهن متعلّقةٌ به… هكذا إلى أنْ نجحَ في لفتِ أنظارِ الجميع، وعلى رأسِهم أحد صانعي القرار، الذي سارعَ بتعيينه في منصبٍ تشريعي حسّاس، ليبادرَ إلى وضعِ مشاريعَ جريئةٍ جديدةٍ طموحة لقوانينَ تتعلّقُ بالمرأةِ وحقوقها، الأمرِ الذي دفعَه لخوضِ معاركَ شرسةٍ مع آخرين من رافضين، ومحافظين، ومستغربين من حماستِه البالغة للجنسِ النّاعم! وبشقِّ الأنفس، وبعد نضالٍ منقطعِ النّظير، كان له ما أرادَ، فأُقرّتْ قوانينُ تنتصرُ للمرأةِ في كلِّ شأن، إذ أُرغمتْ المؤسّساتُ على إعطاءِ الأولوية في التّعيينات للنّساء، وعلى المساواةِ في الأجرِ بين الجنسين، كما فُرضتْ على القطاع الخاص مضاعفةُ المدّةِ الزّمنيّة لإجازاتِ الأمومة، وتقليصِ ساعاتِ الدّوام للأمّهات الجديدات، مع علاوةٍ سخيّة لها بعد كلِّ مولودٍ جديد بداعي أنَّ الإنجابَ ليس قراراً أسريّاً فقط، وإنّما وظيفةٌ مجتمعيّةٌ وجوديّة… وطارتْ النّساءُ فرحاً بجملةٍ من المكاسبِ التّشريعيّة، والحقوقِ، والامتيازاتِ التي ما حلمنَ بها يوماً! مرَّ وقت، فتوالت التّقاريرُ التي تُفيدُ بارتفاعِ نسبِ البطالة بين النّساء، وبأخبارٍ عن عُزوفِ القطاع الخاص عن تعيينهن، وبإحجام مؤسّساتِ البلدِ كافّةً عن تشغيل الإناث! وهكذا، تنفّسَ الصّعداءَ أخيراً… واستسلمَ لنشوةِ الانتصارِ في معركةِ انتقامِه من المرأة! المقال السابق للكاتبة  للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان