على إسرائيل أن تقرر إلى أين تذهب - ومَن يقودها إلى هناك

إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب مطالبين باستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب مطالبين باستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
إيهود باراك* - (فورين أفيرز) 1/3/2024
ما يزال الإسرائيليون يقاتلون منذ أكثر من 140 يومًا الآن، وهي مدة أكثر طولًا من أي حرب خاضتها إسرائيل منذ العام 1948. ويمكن لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" أن ينسب إلى نفسه الفضل في تحقيق بعض الإنجازات المثيرة للإعجاب، لكن أهدافه الرئيسية -كما حددها مجلس وزراء الحرب- بعيدة عن التحقق. وقد يؤدي اتفاق مؤقت لتبادل الرهائن مقابل السجناء إلى إرجاء القتال لمدة تتراوح بين 45 و90 يومًا. لكن هذا التوقف ربما تعقبه معركة طويلة أخرى.اضافة اعلان
*   *   *
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر منذ بدء الحرب في غزة، ظهرت إسرائيل بصورتين مختلفتين بشكل صارخ، لكنهما دقيقتان بالمقدار نفسه. من ناحية، كانت الحرب عرضًا للبراعة التكتيكية التي يتمتع بها جيش الدفاع الإسرائيلي، وألهمت درجة عالية من الوحدة بين قواته، وعززت شعورًا بالتضامن بين المواطنين الإسرائيليين الذين ما يزالون يعانون بشكل جماعي من الصدمة التي تسببت بها الهجمات الإرهابية الوحشية التي شنتها "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ومن ناحية أخرى، كشفت الحرب عن عدم الكفاءة الاستراتيجية المذهلة التي تميز الحكومة الإسرائيلية، والفراغ المذهل للقيادة في القمة. وقد تلكأ أعضاء الائتلاف الحاكم في اتخاذ القرارات الحاسمة، وفشلوا في التعاون مع بعضهم بعضا في التعامل مع الحرب، وهاجموا أصحاب الرتب العليا في الجيش الإسرائيلي، وبدوا غير مبالين وغير مركزين بطريقة محرجة عندما يتعلق الأمر بإدارة العلاقات مع أهم حليف لإسرائيل على الإطلاق: الولايات المتحدة.‏
‏وليست هذه طريقة ملائمة للحكم خلال الفترة الأكثر خطورة على الإطلاق في تاريخ البلاد منذ حرب الاستقلال في العام 1948. إن ما تحتاجه إسرائيل الآن هو عملية صنع القرار الرصينة والحازمة وبعيدة النظر التي ميزت ديفيد بن غوريون. لكن ما لديها بدلاً من ذلك، هو هذا النهج النرجسي، الاستغلالي وقصير النظر الذي ينتهجه بنيامين نتنياهو.‏
لقد وصلت أزمة القيادة في البلاد إلى مرحلة بالغة الدقة. فقد قدمت إدارة بايدن لنتنياهو اقتراحًا لتشكيل نظام إقليمي جديد بعد الحرب، يكون من شأنه أن ينهي قدرة "حماس" على تهديد إسرائيل وحكم غزة، ويضع السيطرة على القطاع في أيدي السلطة الفلسطينية "معادة التنشيط" (بمساعدة حكومات عربية)، وتطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، وإقامة تحالف دفاعي رسمي بين الولايات المتحدة والسعودية. وكل هذا سيكون مشروطًا بموافقة إسرائيل على عملية سياسية بالهدف طويل الأجل المتمثل في حل على أساس الدولتين، بدعم من الحكومات العربية الصديقة للولايات المتحدة والمعارِضة لإيران وشركائها ووكلائها. وتنطوي هذه الرؤية على عملية من شأنها أن تنتج في نهاية المطاف إسرائيل قوية وآمنة، تعيش جنبًا إلى جنب، خلف حدود متفق عليها وآمنة، مع دولة فلسطينية قابلة للحياة ومنزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة.‏
منذ العام 1996، قبل نتنياهو هذا الهدف، من حيث المبدأ، في أربع مناسبات، لكنه قصفه ونسفه دائمًا عندما جاء وقت العمل. والآن، قدم بايدن لنتنياهو خيارًا قاسيًا. يمكنه أن ينضمّ إلى الخطة التي تدعمها الولايات المتحدة لـ"اليوم التالي" في غزة بينما يستمر في التعبير عن التحفظات الإسرائيلية. أو يمكنه الاستسلام لشركائه العنصريين واليمينيين المتطرفين في ائتلافه الحاكم، الذين يسعون إلى ضم الأراضي الفلسطينية، وبالتالي يرفضون أي اقتراح، مهما كان مشروطًا وطويل الأجل، ينطوي على إنشاء دولة فلسطينية.‏
إذا أذعن نتنياهو لواشنطن، فإنه يخاطر بفقدان دعم تلك الشخصيات اليمينية المتطرفة في ائتلافه، الأمر الذي سيأذن بنهاية حكومته. وإذا استمر في رفض نهج بايدن، فإنه يخاطر بجر إسرائيل أعمق في وحل غزة؛ وإشعال انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية؛ والدخول في حرب أخرى مع "حزب الله"، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران؛ والإضرار الكبير بالعلاقات مع الولايات المتحدة التي تعتمد عليها إسرائيل للحصول على الذخائر والدعم المالي والدبلوماسي الحيوي؛ وتعريض ما تسمى "اتفاقيات إبراهيم" التي طبَّعت علاقات إسرائيل مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة للخطر (ومعها الآمال في انضمام المملكة العربية السعودية إلى النادي)؛ بل وإلقاء ظلال من الشك على اتفاقيات السلام القائمة منذ أمد طويل بين إسرائيل ومصر والأردن. وأي واحدة من هذه النتائج ستكون مروعة؛ وأي مزيج منها سيكون كارثة تاريخية.‏
‏الآن، ينتظر بايدن جوابًا. ويخشى بعض مستشاري الرئيس الأميركي، استنادًا إلى خبرتهم، من أن نتنياهو سيحاول خداع الجانبين إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر). باللغة الإنجليزية، سوف يدّعي على الملأ أنه مستعد لمناقشة اقتراح بايدن وتعديل خطته التي تم الكشف عنها حديثًا، لكنه سيطلب سراً من البيت الأبيض تقدير صعوباته السياسية وعدم الاختلاف معه أو انتقاده علنًا. وفي هذه الأثناء، باللغة العبرية، سيهمس لحلفائه اليمينيين المتطرفين: "لا تغادروا. لقد خدعتُ أوباما، وخدعت ترامب، وسوف أخدع بايدن أيضًا، وسوف ننجو. ثقوا بي"! وسيكون ذلك كلاسيكيا لنتنياهو -وسيئا لبايدن، وفظيعًا لإسرائيل.‏
‏ثمة طريقة واحدة فقط لمنع نتنياهو من قيادة إسرائيل إلى حرب إقليمية طويلة، وربما خداع كل من الإدارة الأميركية والجمهور الإسرائيلي: الانتخابات العامة. يجب على يائير لابيد (السياسي الذي يقود حزب المعارضة الرئيسي) وبيني غانتس وغادي آيزنكوت (الجنرالَين المتقاعدَين اللذين أصبحا معارضين سياسيين لنتنياهو) قبل الموافقة على الخدمة في حكومة الحرب الطارئة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في إسرائيل في موعد أقصاه حزيران (يونيو) 2024. ويجب أن تخوض المنافسةَ معارضَةٌ منسقة، على وعد بقبول عرض بايدن بشروط؛ أي الرد عليه بـ"نعم، ولكن". وعليهم أن يقولوا صراحة "لا" للمتعصبين العنصريين المسيانيين الذين علّق نتنياهو مصيره عليهم.‏
‏وهذه الـ"لكن" بالغة الأهمية. قبل الموافقة على خطة بايدن، سوف تحتاج إسرائيل إلى الإصرار على عدد من الشروط التي تتعلق بشكل أساسي بالأمن، والتي سيكون من الصعب على واشنطن قبول بعضها. ومع ذلك، فإن نهج بايدن هو السبيل الوحيد الممكن لإعادة إسرائيل إلى مسار عمل واقعي وعملي ومستدام، والسماح لها باستعادة الأرضية الأخلاقية العالية -وهي سمة أساسية فُقِدت خلال سنوات حكم نتنياهو.‏
أسوأ من جريمة: غلطة‏
‏في الأيام الأولى للحرب، كان يمكن لتقييم استراتيجي جدّي أن يحدد أهداف إسرائيل، ويسمح بتخطيط وتنفيذ متماسكيَن ومتساوقين. ولكن، حتى يومنا هذا أهمل نتنياهو إجراء مثل هذا التقييم. وكما اشتكى مؤخرًا آيزنكوت، الذي شغل في السابق منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، في رسالة إلى زملائه أعضاء مجلس وزراء الحرب، فإنه "لم يتم اتخاذ أي قرارات حاسمة بشكل فعال خلال ثلاثة أشهر. وتدار الحرب وفقًا لأهداف تكتيكية، من دون تحركات ذات مغزى لتحقيق الأهداف الاستراتيجية".‏
‏تبدو نتائج هذا الفشل واضحة في مجالين حاسمين: التفاوض لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر)؛ والسيطرة على الحدود بين مصر وغزة، سواء عند نقطة العبور في رفح أو في قطاع الأرض الذي يمتد على طول الحدود، والذي يشير إليه الإسرائيليون باسم "طريق فيلادلفيا". في كلتا المسألتين، كان ينبغي أن يحدد مجلس وزراء الحرب مسارًا خلال الأسبوع الأول من الصراع. وقد طالب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وبعض أعضاء مجلس وزراء الحرب مرة تلو المرة بإجراء مداولات واتخاذ قرارات وإصدار توجيهات. لكن نتنياهو رفض -ليس لأي اعتبارات تتعلق بالأمن القومي بقدر ما تتعلق بحاجته إلى الحفاظ على ائتلافه الحاكم الهش مع اليمين المتطرف المتعصب، الذي يعطي الأولوية للغزو الكامل لغزة قبل صفقات الرهائن، ويسعى إلى ترحيل سكان غزة إلى الخارج -حتى أنه يريد استعادة المستوطنات لليهود الإسرائيليين هناك.‏
اليوم، تعتقد إسرائيل أن حوالي نصف الرهائن الـ136 الذين لم يطلق سراحهم ما يزالون على قيد الحياة. ولا شك في أن تحريرهم واجب أخلاقي. إنه ليس أكثر أهمية من القضاء على تهديد "حماس"، لكنه أكثر إلحاحًا. وسيكون الفشل في استعادتهم وصمة عار جماعية للقيادة الإسرائيلية، ووصمة عار على جبين المجتمع الإسرائيلي لأجيال قادمة.‏
‏ما يزال التوصل إلى اتفاق ممكنًا، على الرغم من أن مطالب "حماس" لم تكن معقولة حتى الآن، وليس هناك أي هدف على الإطلاق يمكن أن يستحق تحقيقه بأي ثمن. إن إسرائيل هي دولة ذات سيادة ولها الحق في رفض عرض يكون من شأنه أن يضر أكثر مما ينفع -خاصة عرضًا يأتي من منظمة إرهابية متعطشة للدماء مثل "حماس". ولكن في الوقت نفسه، ليس من المنطقي الإعلان باستمرار عن نية قتل هؤلاء القادة من "حماس"، كما يفعل المسؤولون الإسرائيليون على أساس يومي، بينما يحاولون أيضًا عقد صفقة، مع العلم بأن بعض الرهائن يُستخدَمون كدروع بشرية. من المشروع تمامًا أن تسعى إسرائيل جاهدة إلى قتل كبار مسؤولي "حماس". ولكن، كما تقول شخصية إيلي والاش في الفيلم الغربي ‏‏الكلاسيكي "الطيب، والشرير، والقبيح"‏‏: "عندما تضطر إلى إطلاق النار، أطلق النار -لا تتكلم"!‏
‏لا أشك في أن نتنياهو يريد إطلاق سراح الرهائن. لكن حاجته القهرية إلى الظهور كزعيم قوي محاط بجنرالات ووزراء ضعفاء تشجع تفاخره الذي يأتي بنتائج عكسية. وبالنظر إلى سجله، فإن حديثه القاسي يبدو أجوف. وقد رفض ست مرات في السنوات الـ12 الماضية الخطط التي اقترحها رؤساء وكالة الأمن السرية الإسرائيلية، المعروفة باسم "الشاباك"، للقضاء على قيادة "حماس". وبينما يقف الآن ليستعرض ويضلِّل، يتزايد الخطر الذي يواجهه الرهائن المتبقون وتتقلص احتمالات إتمام صفقة.
إلى أين؟‏
‏منذ أسابيع عدة، كان اقتراح بايدن لـ"اليوم التالي" موضوعًا أمام حكومة نتنياهو. ويفترض معظم المراقبين أنه بالنظر إلى حقائق الجدول الزمني للانتخابات الأميركية، فإن العرض قد ينتهي في غضون شهرين. وليس هناك ما يضمن أن بقية الأطراف الفاعلة في المنطقة ستقبل الاقتراح. بل إنه ليس من الواضح ما إذا كان بايدن يمكنه أن يكسب له الدعم في مجلس الشيوخ الأميركي، الذي سيتعين عليه الموافقة على معاهدة مع المملكة العربية السعودية. ومن الممكن أيضًا، تمامًا كما كان الهدف من هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) إحباط اتفاق ثلاثي ناشئ بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، أن تحفز مبادرة بايدن الجديدة إيران في نهاية المطاف على النظر في حث وكلائها، بمن فيهم "حزب الله"، على تصعيد هجماتهم على إسرائيل أو بدء حرب واسعة النطاق في محاولة لعرقلة أي تقدم في هذا الاتجاه وإخراجه عن مساره.‏
‏ربما كانت صفقة مثل تلك التي اقترحها بايدن ستتبناها بسعادة حكومة إسرائيلية بقيادة لابيد أو الزعيم المحافظ نفتالي بينيت، لكنها ستكون صعبة الآن بالنسبة للجمهور الإسرائيلي الذي ما يزال يشعر بألم حاد، وغضب هائل، وإذلال، ورغبة في الانتقام، وشعور بأن "جميع الفلسطينيين هم ’حماس‘". وهذه ردود فعل بشرية مفهومة. ولكن في الوقت المناسب، يجب على الإسرائيليين تجاوزها. تذكروا أننا فكرنا ذات مرة بهذه الطريقة تجاه الدول العربية التي عقدنا سلامًا معها. وقد خاض جيل كامل من الإسرائيليين (وأنا عضو فيه) حروبًا مريرة ضد هذه البلدان. لكن السلام الفعال (وإن كان باردًا) معها استمر الآن لما يقرب من 45 عامًا ونحو 30 عامًا على التوالي. تخيلوا كم سيكون وضع إسرائيل اليوم أسوأ لو لم تكن هذه الاتفاقات موجودة، وفكروا في مدى أهمية عدم تقويضها كجزء من رد غير مدروس على أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏
‏ولكن، بدلاً من حث الإسرائيليين على التغلب على مخاوفهم، يقوم نتنياهو باستغلال هذه المخاوف وتجييرها لمصلحة حلفائه اليمينيين المتطرفين، مثل إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية). وإذا حصل هؤلاء على ما يريدون، فستكون النتيجة كارثة. ويعرف نتنياهو ذلك، لكنه يعتقد أنه قادر على استرضائهم والتفوق عليهم في المناورة، وتجنب السيناريو الأسوأ من خلال تجنب اتخاذ قرار جملة وتفصيلًا.‏
حان الوقت‏
‏في الأسبوع الماضي، أعلن نتنياهو عن خطته الخاصة لـ"اليوم التالي" في غزة. ومن بين أمور أخرى، تدعو الخطة إلى "إدارة مدنية تتولاها جماعات محلية لا تتماهى مع المنظمات الإرهابية". وسوف يعني ذلك، عمليا، تمكين عدد من العائلات المؤثرة في غزة، وبعضها متورط في الجريمة المنظمة، لتصبح مقدمي الخدمات والنظام المدني للمواطنين -وهي مقاربة لحكم القطاع حاولتها إسرائيل مرات عدة قبل عقود وفشلت بشكل متكرر. ويتصور نتنياهو أيضًا "نزع التطرف من سكان غزة"، وهو هدف جيد، لكنَّ تحقيقه سيستغرق عقودًا. وتدعو خطته أيضًا إلى استبدال (الأونروا)، وكالة الأمم المتحدة التي تتحكم في تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. وهذه فكرة جيدة أيضًا، لأن (الأونروا) تعرضت للاستغلال من إرهابيي "حماس" الذين اخترقوا قوتها العاملة. ومع ذلك، لا يحدد نتنياهو ما الذي سيحل محلها.‏
المشكلة في كل مقترحات نتنياهو هي أن خطته لا تشرح على الإطلاق من الذي يمكنه حكم غزة بشكل شرعي. وسواء أحببنا ذلك أم لا، يجب على الإسرائيليين أن يقبلوا ثلاث حقائق أساسية: لا يمكن السماح لـ"حماس" بتهديد إسرائيل أو بحكم غزة؛ ولا ينبغي لإسرائيل البقاء في غزة على المدى الطويل؛ وسكان غزة موجودون هناك ليبقوا -إنهم لن يذهبوا إلى أي مكان. وبذلك، يتعين على إسرائيل أن تقرر ما يمكن أن يكون كيانا شرعيا يمكنها تسليم السيطرة على غزة إليه. ولدى إسرائيل مطالب أمنية مشروعة يجب أن تعترف بها الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب. لكن الكيان الذي يحكم غزة لا يمكن أن يتكون من قوات أجنبية: لا يمكن للنرويجيين أو الجنوب أفريقيين أن يحكموا غزة. يجب أن يكون الكيان فلسطينيا. والهيئة الشرعية الوحيدة هي "السلطة الفلسطينية" التي تكون قد أعيد تنشيطها والتي ستتولى تدريجيا مسؤولية الإدارة المدنية لغزة، مع ضغط الولايات المتحدة وحلفائها العرب عليها لتبني معايير أعلى للحكم والشفافية والتعليم وأنشطة مكافحة الإرهاب. وبطبيعة الحال، ستحتفظ إسرائيل بحقها في التصرف كلما نشأ تهديد لأمنها.‏
‏وترفض خطة نتنياهو أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية وجميع الإملاءات الدولية فيما يتعلق بشروط إبرام اتفاق إسرائيلي فلسطيني دائم. وما لا يريده نتنياهو واضح. لكن الذي ما يزال بعيدًا عن الوضوح هو ما يريده نتنياهو. وللشعب الإسرائيلي الحق في أن يعرف، وله الحق في أن يكون له قول.‏
‏كان 7 تشرين الأول (أكتوبر) أسوأ حدث في تاريخ البلاد منذ الاستقلال. وما يزال الإسرائيليون يقاتلون منذ أكثر من 140 يومًا الآن، وهي مدة أكثر طولًا من أي حرب خاضتها إسرائيل منذ العام 1948. ويمكن لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" أن ينسب إلى نفسه الفضل في بعض الإنجازات المثيرة للإعجاب، لكن أهدافه الرئيسية -كما حددها مجلس وزراء الحرب- بعيدة عن التحقق. وقد يؤدي اتفاق مؤقت لتبادل الرهائن مقابل السجناء إلى إرجاء القتال لمدة تتراوح بين 45 و90 يومًا. لكن ذلك التوقف ربما تعقبه معركة طويلة أخرى. وفي الأثناء، فقد نتنياهو مسبقًا ثقة معظم الناخبين. ووفقًا لاستطلاعات الرأي الوطنية الأخيرة، يرى حوالي أربعة من كل خمسة إسرائيليين أنه الشخص الأكثر مسؤولية عن الأخطاء الفادحة التي سمحت بوقوع هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر). ويريد حوالي ثلاثة من كل أربعة منه الاستقالة.‏
ينبغي على ‏أولئك الذين يعترضون على تغيير القيادة خلال الحرب أن يدرسوا التاريخ الإسرائيلي. في العام 1973، كان الجيش الإسرائيلي ما يزال يقاتل القوات السورية في مرتفعات الجولان عندما استقالت رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مائير، في مواجهة مظاهرات حاشدة ووسط اتهامات بأنها فشلت في توقع الهجوم المفاجئ الذي كانت الدول العربية قد شنته قبل ستة أشهر، في تشرين الأول (أكتوبر) 1973 -على الرغم من أن حزبها كان قد فاز بإعادة انتخابه بعد الهجوم والتحقيق الرسمي الذي أجري في الإخفاقات الأمنية، والذي ألقى باللوم على القادة العسكريين وبرأ مئير نفسها من المسؤولية في الغالب.‏
‏الاستياء العام، وغضب عائلات ومجتمعات ضحايا هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والإحباط السائد بين العديد من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، كلها في تزايد. وفي المقابل، يركز نتنياهو على بقائه السياسي الشخصي، ولن يتنحى أبدًا عن طيب خاطر. لقد حان الوقت لكي يقف شعب إسرائيل ويحدث تغييرًا في المسار. ويجب على آيزنكوت وغانتس ولابيد قيادة هذا الجهد والمطالبة بإجراء انتخابات عامة حتى يتمكن الشعب الإسرائيلي من تقرير إلى أين نتجه ومن سيقودنا إلى هناك. هذه لحظة حاسمة. وهي تدعو إلى القيادة والعمل، قبل أن يكون الأوان قد فات.‏
ٍ
‏*‏‏إيهود باراك ‏‏Ehud Barak: (12 شباط/ فبراير 1942): سياسي إسرائيلي كان عاشر رئيس وزراء لإسرائيل ووزير دفاعها من العام 1999 إلى 2001. وتولى مرة أخرى وزارة الدفاع من 2007 حتى 2013. وترأس "حزب العمل" الإسرائيلي من 2009 وحتى 2013.
عمل كوزير للداخلية في العام 1995 ووزيراً للخارجية بين العامين 1995 و1996. وفي العام 1996، حصل على مقعد في الكنيست الإسرائيلي حيث شارك في اللجان الخارجية والدفاعية. وفي العام نفسه، تمكن من رئاسة "حزب العمل" الإسرائيلي. وفي 17 أيار (مايو) 1999، تمكن من الفوز برئاسة الوزارة الإسرائيلية، وأتمّ فترة رئاسته حتى 7 آذار (مارس) 2001 عندما خسر في الانتخابات الاستثنائية لصالح غريمه آرئيل شارون.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel Must Decide Where It’s Going—and Who Should Lead It There