الإرهاب في القاهرة

     أظهر الحادثان الارهابيان في القاهرة خلال الشهر الماضي (نيسان) والجاري (أيار)، ما عده البعض تغيرا في مسار السلوك العنفي أو الارهابي، وذلك من خلال مؤشرات عدة؛ من قبيل كون المنفذين من غير المحسوبين على تيارات منظمة، مثل الجهاد والجماعة الإسلامية أو القاعدة، وفقاً لتصريح وزير الداخلية المصري، وأيضاً بحكم مشاركة النساء في العملية، وهو مظهر جديد، وفق المراقبين المتابعين للحادثة.

اضافة اعلان

       هناك موضوعان أساسيان، يمكن أن يساهما في فهم أفضل للحادثة، بشكل يمكن من تحديد مسارات السلوك الارهابي، المرتبط إما بتنظيمات أو بشعارات إسلامية، وهما: ضرب السياح في تصورات التنظيمات الإسلامية، وظروف مشاركة النساء في العمليات الارهابية.

ففيما يتعلق بضرب السياح، أو الأهداف السياحية، ونعتمد هنا على ما ينشره أفراد التيار السلفي-الجهادي على مواقع الانترنت، دون امكانية التأكد من أن هذا التيار وراء العملية، فنجد أن ضرب الأهداف السياحية من الأهداف التي تأتي في المقام الأخير، ولكن دون أن يعني أنها غير مهمة بنظرهم، فالتيار ينطلق من معركة شاملة مستمرة مع الغرب أو الآخر الذي يعده عدواً، والذي يقسمه إلى قسمين: الكفار والمرتدين. والمطالع يجد أن ضرب الاهداف السياحية يأتي ضمن الاهداف البشرية، بعد الاهداف العقيدية والعسكرية، وفقاً لتصنيفاتهم التي أوردها "عبد العزيز المقرن" -القائد السابق لما يعرف بنتظيم القاعدة في الجزيرة العربية، والذي قتل على أيدي القوات السعودية في العام المنصرم- في نشرة الكترونية كان يصدرها التيار باسم "معسكر البتار".

        ومن المعروف أن من غايات الفعل الارهابي تحقيق أكبر قدر من التغطية الاعلامية. ولعل العمليات الانتحارية، ومشاركة النساء، يحققان هذا الهدف بشكل جلي، اضافة إلى ضرب رعايا الآخر المستهدف، وايصال رسالة دموية بأن كلهم مستهدفون، وأن الدولة التي قام العمل الارهابي على ارضها غير قادرة على حماية سياحها، وبالتالي ضرب القطاع السياحي.

           اما مشاركة النساء الانتحاريات، فتعد ظاهرة حديثة نسبية في العالم الإسلامي، وبذات الوقت قضية تتميز بتسطيح بالغ، ولعل في العنوان الرئيسي الذي نشرته إحدى الصحف العربية ما يعبر عن هذا التسطيح من خلال تشبيه الهجوم الارهابي في القاهرة بالعمليات في الشيشان.

            التسطيح في تناول القضية جلي لربط مثل هذه العمليات بالشيشانيين مباشرة، ويكفي ايراد بعض الحقائق البسيطة لتفنيد مثل هذه الاحكام القيمية. ففيما عدا نسبة ضئيلة من العمليات التي نفذت من هذا النوع، وهي ذات ظروف غامضة (مثل دبروفكا، وبيسلان، وتوشينو)، فقد استهدفت الفدائيات الشيشانيات أهداف عسكرية روسية في معظمها، وفي الداخل الشيشاني بنسبة أكثر من العمليات التي نفذت داخل الأراضي الروسية. بمعنى أنها، ووفقاً لأكثر تعريفات الارهاب تسيساً، ليست عمليات ارهابية بل مقاومة ضد محتل، دون الحديث عن الموقف الاخلاقي من عمليات من هذا النوع. (انظر البحث المهم حول العمليات الانتحارية في الشيشان على موقع اللجنة الأميركية للسلام في واشنطن، من اعداد جون رويترز).

       التسرع في اطلاق أحكام قيمية، من قبيل وجود نمط للعمليات أو طريقة شيشانية لها، وربطها فوراً بظاهرة "الأرامل السود"، يظهر فقر المعلومات وغياب الخلفية المعرفية عند الحديث عن الظاهرة الارهابية، وهو بالمناسبة الأمر الذي بات شائعاً منذ احداث الحادي عشر من أيلول. فلا الشيشان ولا حتى فلسطين تسجل الارقام الأعلى في العمليات النسائية، بل سيرلانكا!! حيث إن أكثر العمليات نفذت من قبل نساء في "نمور التاميل"، والتي بدأت باستخدام هذا الاسلوب منذ الثمانينيات من القرن الماضي، عدا عن أن حركات علمانية أيضاً استخدمت ذات الاسلوب في حقب مختلفة، ولم يقتصر على الحركات ذات المظهر الديني.

الأمر الأخير، والمرتبط بأحداث القاهرة، هو أن منفذتي العملية هما شقيقة وخطيبة منفذ العملية الأخرى، وبذلك لا يخرج تجنيد الفتاتين عن أسلوب التجنيد للنساء لتنفيذ العمليات الانتحارية في معظم المناطق التي تشهد مثل هذه العمليات، حيث يكون المجند غالباً رجلا وقريبا للمجندات.

       كما أن تنفيذ العملية الانتحارية -والتي تعد من الأساليب الاكثر فاعلية، لأنها تتسم برخص الكلفة، وتحقق أكبر قدر من التغطية الاعلامية، ولا تحتاج إلى خطة هروب- لا يمكن اجراؤها الا بجهد تنظيمي، يحتاج على الأقل إلى ست مراحل، وفق تصنيف "ايهود سبرنزاك".

        وعلى ما سبق، يلاحظ أن العمليات الارهابية في القاهرة انطلقت من جهد تنظيمي، ولو كان بسيطاً، فهو بهذا المعنى إما تعبير عن تجدد نشاط تنظيمات قديمة في الساحة المصرية، وإما تعبير عن تنظيمات جديدة، وهذا هو الأخطر، لأن ظهور خلايا غير معروفة سابقاً للأجهزة الأمنية يرجح احتمال المزيد من عمليات كهذه. وكي لا يكون الاصلاح في العالم العربي هو الثمن، فإن الأنظمة والإعلام مدعوان إلى أن يكونا أكثر دقة وموضوعية في فهم مثل هذه الظواهر، لتشكل رافداً يقي المجتمعات من تفاقم الأوضاع، والسبب يكون ببساطة السطحية.