التصفيق للورقة الرابحة

لأول مرة، سأتفق مع رئيس الوزراء السيد سمير الرفاعي، أن الأردن ليست تونس، الحالة مختلفة من عدة نواح، فالفقر وغلاء المعيشة منتشرة في كل أرجاء الأرض، وقد أرسلت لي صحافية لبنانية مقيمة في تونس، الزميلة روعة قاسم، وتكتب في جريدة الصباح التونسية اليومية، أنهم يعملون بجد للخروج من "الفترة الانتقالية" لكنهم يخافون بشدة من فوضى الديمقراطية، وهي الفوضى التي ينتجها تضارب الآراء حول ماهية الديمقراطية نفسها، فيتحول الوطن إلى أجزاء صغيرة مقطعة ومهشمة، ليس لها مرجعية واحدة، ولا مظلة تحمي الناس، وهذا ما لا يريده "السواد الأعظم" من الأغلبية.

وقد لاحظت مؤخرا وآسفاً، أن كتاباً في الصحافة الإلكترونية والاجتماعية، لا يهتمون بما يسمى المسؤولية الصحافية التي يؤدي إهمالها إلى فوضى الديمقراطية، خاصة تلك المسؤولية تجاه الناس، تجاه الشعوب، فتغيب لديهم الرؤى الشمولية، متى يستمرون وأين يتوقفون.

البعض منهم يعتقد اعتقاداً لا يسمح النقاش فيه، أن الكتابة حول ما يعجب البعض، وليس الكل، قد تحقق نتائج مذهلة، وينسون أن الكلمة مسؤولية، ولا تعني بحال المجاملة أو النفاق، بل تلك التي في مكانها الطبيعي، وبما لا تتعارض مع الأفق العام، من دون خدش أو تحجيم، فلو كان الناس يحبون الوطن مثلا، تراه يكتب لمن لا يحبون الوطن، فيعجبه إقبال تلك الفئة، ويستمرئ على الوطن، غير عابئ أبداً، بالإجماع الكلي حول حب الوطن، ولا شك أن سعيه نحو "النجومية" ورغباته أن يصبح بطلاً ورمزاً، أو صورة عن "تشي جيفارا" مثلاً، صورة مشوهة بالطبع، سوف تقضّ مضجعه، وتجعله يمعن إلى حيث لا يمكن التراجع.

الأصل أن الصحافي يدرك حدود مسؤولياته كإعلامي، ولا نتحدث إطلاقاً عن سقف حريته، الأصل انه يعي ويعلم جيداً أنه جزء من التغيير، ولكن واجبه أيضاً أن لا ينسى إيقاع الشعوب، دقات قلوب الناس، حتى لو امتدح فلان مقالته وأثنى آخر على فقرة منها، أو علقت "معجبة" على روعة وسحر كلماته، فكيف يكون الصحافي صحافياً بحق، وهو يكتب لشخص أو مجموعة أو يروج لاتجاه محدود من دون آخر؟ وقد يضطر للشتم واغتيال الشخصية، من دون أن يدرك أن ذلك يصطدم بعنف مع الرأي العام، أو هو يدرك ذلك، بل يسعى إليه.

مثال الوطن ينطبق على كل شيء يحبه السواد الأعظم من الناس، وهو الإجماع الضمني للأغلبية المجتمعية، حتى لو كان الكاتب نفسه لا يحبه، أو لديه "نظرية ما" حوله، فليست الشجاعة أن تكتب ما تحب، ولا أن تحب ما تكتب، بل إن الشجاعة والجرأة والنبل، أن تكتب ما تكره أحيانا، وما هو قاسٍ عليك، كما نكتب، نحن ومعظم الزملاء ضد الحكومات، فنحن نكره أن نفعل ذلك، ولا نطيق أن نكون "حجر العثرة" في الطريق، ولكننا حين نشعر أن الخطر قد بدأ يشتد، وأن الناس جميعاً يرفضون هذه الحكومة أو تلك، نكتب ونحلل ونقرأ ونقدم للناس رأينا بموضوعية وشفافية.

اضافة اعلان

الأمر نفسه بالنسبة لمسؤوليات السياسي والمثقف والعالم، المسؤولية التي تُقدر كل الأبعاد، وتدرسها بعناية فائقة، فالجنوح، لا يعني بحال، أن يتعاكس مع ما يحبه الناس، ولنعترف أنه حين تبرز "الورقة الرابحة" التي يحملها كل الناس، علينا أن نحملها معهم وندعمها ونشجع عليها ونصفق لها، ولا نخشى الاتهام بالمجاملة، فالجميع يقرأ السطور وما بينها، وإذا ظن "كاتب ما" أن مخالفة هذه النظرية بطولة، فهو يتعاكس مع أحلام وآمال الناس كافة، وهذا خطأ يجب التراجع عنه، وإذا ظنّ أنه سيصبح "نجماً" أو "رمزا" فقط، فالصحافة ومسؤولياتها الأخلاقية أمام الشعوب، ليست أبداً المهنة الملائمة لذلك، فهناك مهن أخرى تجعله ما يريد، وكما يريد، وإذا استمر في غيّه، فعلى الناس أن تميّزه وتخرجه، وتسير احتجاجاً على وجوده، أليس ذلك ما يريده كل الناس؟