القاعدة في السعودية: ماذا وراء تبني "تكتيك الاغتيال"؟

 

تشكل محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، من خلال عملية انتحارية، نقطة تحول فارقة في حالة التصادم بين التيار السلفي-الجهادي والسلطات السعودية.

اضافة اعلان

فبعد أن دخل الطرفان في صدام مباشر بلغ ذروته ما بين عامي 2003-2005، شهدت "القاعدة في بلاد الحرمين" تراجعاً، ما يجعل العملية الجديدة مؤشراً على نمط جديد من التكتيك المتبع من أفراد التيار في السعودية.

أحد منظري التيار في السعودية فارس بن شويل الزهراني، المعروف بأبي جندل الأزدي، والمعتقل في السعودية حالياً، كتب، في خضم المواجهات مع السلطات السعودية، كتاباً بعنوان "تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال"، ويقدم فيه تأصيلاً شرعياً لجواز وجدوى استخدام تكتيك الاغتيال. ومن ضمن الأهداف التي يحددها، بالإضافة إلى الدبلوماسيين والعسكريين ورجال الأمن الأجانب، رجال الدولة، والأمن، والجيش في الدول التي يصفها التيار بـ"الطاغوتية" أو "المرتدة".

وجود مثل هذا التنظير يدلل على استمرار الخط الفكري والتنظيمي للقاعدة في السعودية، بالرغم من التراجع خلال السنوات القليلة الماضية. أما اللجوء لمثل هذا التكتيك فيدلل على عدم القدرة على تنفيذ عمليات تحتاج إلى دعم لوجستي، كما هي الحال باستهداف المجمعات السكنية أو أهداف النفط، ولكن الاعتماد على العنصر البشري في تنفيذ عمليات تحقق التغطية الإعلامية الكافية، وتحاول زعزعة استقرار النظام.

 من جانب أخر، فإن محمد بن نايف كان مسؤولاً عن ملف مكافحة تنظيم القاعدة في السعودية، وقد فتح قنوات مع شيوخ من ذوي التأثير مثل سفر الحوالي، الذي كان ساعد على تسليم عدد من المطلوبين لأنفسهم في السعودية. فاستهداف محمد بن نايف يؤشر على استمرارية الصراع بين الطرفين.

ترتبط محاولة الاغتيال هذه بتحولات اقليمية لدى دول جوار السعودية، وتحديداً في العراق وفي اليمن، وبالتالي بتحولات في استراتيجية التيار السلفي-الجهادي عموماً، والتي تعتمد، بحسب وصف زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على "فتح جبهات جديدة"، تستند إلى تأسيس ملاذات آمنة صغيرة توفر البنية التحتية والتدريب، ومصادر التجنيد لأعضاء جدد، وذلك بدلاً من الدخول في مواجهة استنزافية مفتوحة مع السلطات كحالة السعودية، أو مع المجتمع المحيط كحالة العراق، أو التمركز في ملاذ آمن وحيد يكون عرضة للهجوم المفتوح كحالة أفغانستان مثلاً.

السعودية تعد منطقة ذات أهمية عالية لدى التيار السلفي-الجهادي حيث كان شعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، أحد المفاهيم المؤسسة لتنظيم القاعدة عموماً، وعودة القاعدة إليها، إن جاز الوصف، يرتبط بظروف اقليمية بدرجة كبيرة. فالقاعدة شهدت انحساراً كبيراً في العراق، بفعل قوات "الصحوات"، بشكل أساسي، وحيث إن معظم الدراسات تشير إلى أن السعوديين شكلوا غالبية المتطوعين العرب، فإن السعودية تعد من الدول المعرضة للتأثر بقضية "العائدين من العراق"، ولكن ليس بشكل مباشر، بحكم التحكم النسبي الأفضل بالحدود العراقية-السعودية، فتراجع القاعدة بالعراق دفع إلى توجه الجهاديين إلى مناطق أخرى كالصومال، واليمن.

اليمن تحديداً، نظر لها التيار السلفي-الجهادي كقاعدة خلفية، لتنفيذ عمليات داخل السعودية، التي كانت بدورها قد ضبطت عدة مرات أسلحة مهربة منها إلى الداخل السعودي، ووقعت اتفاقيات مع الجانب اليمني لضبط الحدود، عدا عن أن الجهاديين حالياً تزايد نشاطهم في اليمن، وأزمة الدولة اليمينة في تزايد، مما يعلي بالتالي، لدى السلفيين-الجهاديين، قيمة اليمن الاستراتجية كملاذ آمن، وهو الأمر الذي يجعل من مسألة العائدين من العراق، ووجود ملاذ آمن في اليمن، تهديداً أساسياً للأمن السعودي.

على ذلك لا يتوقع أن يدخل "السلفيون-الجهاديون" في مواجهة مباشرة مع السلطات السعودية، كما فعلوا خلال الأعوام الماضية، بل سيلجأون، إذا ما نشطوا مرة أخرى، إلى عمليات لا تحتاج إلى دعم لوجستي كبير، وتحقق تغطية إعلامية كبيرة في الوقت ذاته، كمحاولة الاغتيال هذه.

* باحث متخصص في شؤون

الجماعات الإسلامية مقيم في لندن