القشة التي قصمت ظهر الإخوان المسلمين

تحاول حركة الإخوان المسلمين في الأردن محاكاة نظيرتها المصرية في التخطيط والاستراتيجيات التي تساهم في تماسك الحركة وقواعدها الشعبية في مصر، تلك التي نجحت حتى الآن، ومنذ ما قبل عهد مبارك، في تفتيت القطب الأزهري المصري والسلفي السعودي المعتدل بإبراز قطب جديد، "مجدد" من وجهة نظرهم، تولاه الشيخ يوسف القرضاوي، والتقدم ببطء شديد والمشاركة الحذرة إبان إنطلاقة ثورة "25 يناير"، ثم تكريس الحضور يوم نجاحها الأول بسقوط مبارك، إلى الزخم والتجمهر في "موقعة الصناديق" للمحافظة على بعض النصوص الدستورية، والتراجع خطوة واحدة للخلف وترك السلفيين في معركة فتنة قائمة، بالمحافظة على الحياد الكامل، وكأن الأمر لا يعنيهم.اضافة اعلان
المتابع والمختص، يعلم أن الإخوان المسلمين في مصر يخططون "ويتكتكون" بكل الوسائل المتاحة، مع حماية إقليمية في الخطوط الخلفية، إذا لم تكن دولية. والشعب المصري، الذي انشغل بالحفاظ على مكتسبات الثورة، لا يدقق طويلاً في عمق المخططات والاستراتيجيات، فكل ملتح لديهم هو سلفي، صديق قومي الاتجاه قال لي بالحرف الواحد: "كلهم سلفيون بالنسبة لنا".
في الأردن، تضيع هوية حركة الإخوان لارتباطها بحركة حماس، بشكل أو بآخر. كما أن المخططات لا تعمل بانتظام، نظراً للتقسيمات الإقليمية التي تُتهم الحركة بها في توجهاتها، إضافة إلى أن الحركة خسرت كثيرا من التعاطف الشعبي لحساب الاتجاهات الأردنية الأحادية والثنائية، منذ انتخابات 2010 وانسحاب الإخوان، ثم التردد المثير للتساؤل خلال الاعتصامات الأولى التي وجّهت لحكومة سمير الرفاعي، وبعد ذلك عدم المشاركة في لجان الحوار والاختراق العكسي لأحداث 24 آذار (مارس)، وتبييض صفحة "السلفية النقية" على حساب "الجهادية" في أحداث معركة الزرقاء، ثم التراجع الشديد والإخفاق الذي مُني به الإخوان المسلمون في التحضير والمشاركة في مسيرات حق العودة، وهي التي بدت وكأنها القشة التي قصمت ظهر الإخوان المسلمين، وأربكت صفوفهم ومخططاتهم.
الدائرة المعنية بالتخطيط لدى الإخوان المسلمين في الأردن تشهد ضعفا شديدا هذه الأيام. فنحن على أعتاب إقرار قانوني الانتخاب والأحزاب، وحكومة تخطط بذكاء بالغ ، تحاور وتناور وتعتقل وتعتذر، ومجلس نيابي يتشبث بكل ساعة إضافية يمكنه البقاء فيها على مقاعده الخشبية الجامدة، وحركات شبابية في اتجاهين، كل منها يؤمن أنه يعمل لمصلحة الوطن، ثم تفاجأت الحركة مؤخرا بدخول الأردن إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي.
قد نختلف مع الإخوان المسلمين على أشياء كثيرة، لكننا في النهاية نريد أحزاباً أردنية قوية متماسكة، لديها برامج واضحة المعالم، ومشاركة فاعلة في كل المستويات والمراحل، وخصوصا في هذه المرحلة الحرجة. نريد أحزاباً لديها مخططات تضع الوطن في أول ورأس الأولويات، وتنظر إلى المستقبل نظرة شمولية واعية، وتسعى بكل ما لديها من خبرة ومعرفة لتماسك الجبهة الداخلية، والدفع لتعزيز الجبهات الخارجية، جميعا، وتشكيل معالم وهوية للمعارضة الأردنية، هوية برامجية تقف إلى جانب المواطن التوّاق لنهضة شاملة في كل مناحي الحياة.