رسالة الملكة لمن يهمه الأمر

توقيت إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والذي جاء برعاية ملكية يوم الاثنين الماضي، مهم جدا؛ كونه يتزامن مع بدء عام دراسي جديد، وبما قد يساهم في لفت انتباه من لم يدرك بعد حجم مأساة التعليم في الأردن، والحاجة الماسة إلى العمل على تحسين الأداء منذ اللحظة، ولو درجة معقولة، لصالح الطلبة. كما أن تسليم الاستراتيجية لرئيس الحكومة يعني أن حصيلة الجهد السابق صارت اليوم أمانة بيد الحكومة، والتي عليها المضي في البرنامج التنفيذي العملي لتطبيق هذه الاستراتيجية؛ فالمسؤولية ليست أحادية، بل جماعية. الجزئية الأبرز في حفل الإطلاق تمثّلت في الخطاب الذي ألقته الملكة رانيا العبدالله، وبعثت فيه رسالة قوية واضحة لكل من يهمه الأمر؛ من أولياء أمور وطلبة ومسؤولين ومؤسسات مجتمع وإعلام وغيرهم، حين واجهت جلالتها الجميع بأوجه القصور في العملية التعليمية. والشجاعة كبيرة في توصيف الواقع الصعب، والذي يضرب المجتمع في حاجة يقدسها، هي العلم. وما قالته الملكة كان يلزم أن نسمعه منذ سنوات على لسان المسؤولين، لا أن يعيشوا حالة إنكار لكل ما يحدث. تكمن أهمية الرسالة في أنها كشفت الحقائق بكل أوجاعها. ذلك أن الحديث فيها وإعلانها على الملأ ضرورة، انطلاقاً من حقيقة أنه لن يتسنى لنا علاج الاختلالات والتشوهات من دون مصارحة صادقة تفضي إلى تشخيص سليم. الحقائق، كما أعلنتها الملكة، تؤكد أن 80 % من طلبة الصفين الثاني والثالث الابتدائيين، دون مستوى مرحلتهم في القراءة. كما أن طلبة المرحلة الابتدائية عموماً في الأردن متأخرون في مادة الرياضيات، ومستوى المملكة في تراجع مطرد في هذا المجال! وهكذا مشكلات وسواها، ترافق الطلبة في مسيرتهم الأكاديمية وحتى العملية لاحقاً؛ فما يُبنى على ضعف يبقى كذلك، بل قد يصل مرحلة يستعصي معها علاجه. ففي مرحلة متقدمة، ظهر أن تقييم الأردن في اختبار التميز الدولي للرياضيات والعلوم، قد تراجع في الدورتين الأخيرتين. وقد ظل التراجع والتأخر عنوانا وصفة لقطاع التعليم الأردني وما يحدث فيه. امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، وهو ما يمكن اعتباره كارثتنا الكبرى، كان حاضراً في خطاب الملكة، إذ قالت ما نصه: "رغم الجهود التي تبذل في تطويره وإعادة هيبته، إلا أن نتائجه غير مرضية، العام الماضي ترفّع مئة ألف طالب للصف الثاني عشر، أقل من ستين ألفا تقدموا لامتحان الثانوية العامة، نجح منهم 40 % فقط، يعني من بين كل أربعة طلاب على مقاعد الدراسة في الصف الثاني ثانوي يتخرج أقل من واحد من الثانوية العامة! ونتائج هذا العام اتبعت نمطا مشابها". نستطيع أن نهمل تنفيذ الخطط العشرية الاقتصادية وسواها، وكثيرة هي الاستراتيجيات التي طواها النسيان لدى حكوماتنا! وربما يسمح لنا ترف الوقت بذلك، رغم تبعاته الكبيرة. لكن مثل هكذا ترف غير موجود، بل ومنعدم عندما نتحدث عن مصير أطفالنا وحاضرهم ومستقبلهم، لأن الحد الأدنى من حقوق أطفال الأردن هو أن نسلحهم بالعلم. نوعية التعليم ومستوى الطلبة صارا هاجسا للأسر. والشجاعة التي تحلت بها الملكة لتوصّف لنا المشهد الآن على قتامته، هي ما يجعلنا أيضاً مؤمنين بالمستقبل المشرق المحمل بالأمل، والذي رسمته جلالتها بعد عقد من الآن. الرسالة قوية وقاسية، لأنها بنيت على حقائق صادمة، لكنها دقيقة وواقعية. ورؤيا تقوم على حلول، ستغدو في المقابل هي واقعنا الأفضل والأجمل بعد عقد من الآن، إن اجتهد الجميع وقاموا بما عليهم من واجبات، مستهدفين لا تحقيق منفعة وأجندة خاصتين، بل خدمة أجيال الأردن المقبلة، وإنقاذها من مصير صعب سبقها إليه أبناء لنا.اضافة اعلان