علل منطقة الـ "أفباك" المزمنة: ابحث عن السياسة

صدرت في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي دراسة تقويمية عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في بريطانيا، لإستراتجية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه الـ "أفباك" (أفغانستان وباكستان). ورأت عائشة خان أن الإستراتيجية قد هيأت الفرصة لإعادة تقويم انخراط الولايات المتحدة مع أفغانستان وباكستان لوقف زخم طالبان، و"تعطيل وتفكيك" التهديد الإرهابي من المنطقة الحدودية بين البلدين، وأضافت بأن المدافعين عن الإستراتيجية يجدون الحل في زيادة قوات الولايات المتحدة، وقوات حلف شمال الأطلسي، والمصالحة مع "المعتدلين" من حركة طالبان، واتباع نهج إقليمي في مواجهة تلك التهديدات، والتي تشمل التعامل مع حركة طالبان باكستان في المناطق القبلية.

اضافة اعلان

وقد أشارت الدراسة إلى أن الإستراتيجية الأميركية تفتقر إلى آليات التنفيذ وتحليل المنطقة الحدودية لإدارة التمرد وقمع العنف، وقد أشارت أيضاً بأن تنفيذ هذه الإستراتيجية في حزام البشتون القبلي يثير إشكالية بين سكان قاوموا تاريخيا وجود القوات الأجنبية، وبعد ثماني سنوات من الحرب على الإرهاب، يعانون من التعب والإحباط من وجود الاحتلال.

وعلى ذلك ترى الدراسة بأن هناك نقصا متزايدا من القدرات على المستوى المحلي لاستيعاب أو قبول المزيد من القوات، في ظل غياب الحكومة، والبنية التحتية على مستوى المناطق والمقاطعات، وغياب الشرعية لمسألة مساعدة الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي عبر إشراك السكان واستتباب الأمن.

عدت لهذه الدراسة، وأنا أتابع تطورات الأوضاع في باكستان وأفغانستان، خلال الأيام الماضية، وقد ركزت الدراسة على ما وصفتها بالنداءات المتزايدة لبدء "المحادثات مع طالبان"، ورأت أن تنفيذ هذه العملية معقدة ولا يمكن للدبلوماسيين والعسكريين الاستراتيجيين السيطرة عليها. إن نقص المعرفة المحلية، وغياب الوسطاء الموثوق بهم، وغياب المساءلة، تحول دون قيام مصالحة وبدء عملية تفاوض مع "المعتدلين" من حركة طالبان أو شيوخ القبائل. وتخلص إلى أن التفاوض مع طالبان يخلق المزيد من المعضلات، بل قد يساعد على احتواء الصراع والتخفيف من التمرد، ولكنه سيمكن طالبان من أجزاء الدولة.

كل هذه المعضلات ما تزال قائمة في المنطقة، وهناك حالة من الخلط الجلي في الأخبار التي تصل منها، وخاصة في ظل انعقاد ما يعرف بمحادثات السلام في أفغانستان حالياً، ومنذ أيام أعلن مسؤول أميركي استسلام مجموعة من عناصر طالبان لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ليتبين أن المسؤول يتحدث عن عشرين مقاتلا خلال سنوات!. وفيما صرح مسؤولون عن مفاوضات مع القيادة العليا لطالبان، نفتها الأخيرة، قال مسؤول آخر إن الحركة تخترق المؤسسات الأمنية في أفغانستان.

وفيما تأمل الولايات المتحدة الأميركية وقوات الأطلسي بتسليم المسؤوليات الأمنية للقوات الأفغانية بحلول عام 2014، فإنها تحتاج إلى تجنيد وتدريب 141 ألف عنصر، وهو عدد أكبر من القوات الحالية. وعلى ذلك فإن المأزق في المنطقة يتزايد، وخاصة أن الحليف التقليدي لحل مشاكل أفغانستان، والمقصود هنا باكستان، يتراجع نفوذه بشكل واضح لصالح حليف جديد وهو طالبان باكستان، الذي يوفر العمق الجغرافي، والإسناد البشري، واللوجستي لكل من طالبان أفغانستان، والقاعدة، والأهم فإنه يستهدف خطوط الإمدادات لحلف شمال الأطلسي.

يطول الحديث دوما عن أن الاستراتيجية العسكرية بحاجة إلى استراتيجية اقتصادية - سياسية متوازية، وهذا الكلام يتكرر في عدد كبير من المناطق، كالصومال واليمن، إضافة إلى أفغانستان وباكستان، ولكن لا أحد يتحدث عن الآليات، ولا جداول زمنية، والأهم، لا مشروطية سياسية للمساعدات التي تقدم لتلك الدول، فالغرب ومنذ تجربة غزو العراق عام 2003، لم يعد راغباً في الحديث عن أي تغيير سياسي في المنطقة ككل، مهما كان حجمه، ولا يوجد من يريد أن يقتنع بأن العامل السياسي ما يزال عاملاً أساسيا وملحا لعلل المنطقة المزمنة منذ زمن.

[email protected]