في أهمية "الملاذات الآمنة" للقاعدة

 شاركت في العاصمة الأميركية واشنطن دي.سي، منتصف الشهر الفائت من العام الماضي، في مؤتمر عن حال ومستقبل التيار السلفي-الجهادي، وكان موضوع الورقة التي قدمتها "الملاذات الآمنة" وأهميتها للتيار السلفي-الجهادي.

اضافة اعلان

لاحظت أن هناك حالة من التشكيك في قدرة تنظيم القاعدة المعبر الرئيسي عن التيار السلفي-الجهادي، على تنفيذ عمليات كبرى، وبالتالي تشكيك، وإن كان محدوداً، بأهمية الملاذات الآمنة للقاعدة.

طبعاً ذلك نابع من النمط الجديد من التفكير، الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، في تخفيض حدة "الحرب على الارهاب"، إن جاز التعبير، بالشكل الذي اعتمدته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.

وعلى الرغم من أن السياسة الأميركية في حقبة بوش ساهمت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في زيادة الارهاب المرتبط بالتيار السلفي-الجهادي، إلا أن القاعدة، والسلفيين-الجهاديين، ما هم إلا تعبير عن حركة اجتماعية- سياسية تتبنى سياسات واستراتيجيات تساعدها في التكيف مع الضغوط المفروضة عليها، والاستمرار، في الصراع، حسبما يرونه.

مع إدارة أوباما الجديدة، فإن السياسة الجديدة التي تبناها السلفيون- الجهاديون، ترتبط بخلق ملاذات آمنة بدلاً من الاعتماد على ملاذ آمن واحد. ذلك أن تجربة الاعتماد على ملاذ آمن واحد كحال السودان بداية التسعينيات، أو أفغانستان في ظل طالبان منذ منتصف التسعينيات وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث إن وجود ملاذ آمن واحد فقط يؤدي إلى فقدانه المساحة الجغرافية اللازمة للعمليات والإعداد في حال المواجهة مع النظام المحلي (كحال السودان)، أو مع القوى الخارجية كما حدث لتنظيم القاعدة بعد أن شنت الولايات المتحدة حربها عليهم.

وعلى ذلك، فقد كان أسامة بن لادن في الرابع عشر من يناير 2009، وفي تسجيل صوتي، قد أشار إلى تلك الاستراتيجية الجديدة التي يسعى لتبنيها التيار، ويبدو أن الفكرة تكونت مع الأزمة المالية العالمية، ومع توجه الإدارة الأميركية الجديدة بالتركيز على جبهة أفغانستان فقط، والانسحاب من العراق، إذ يكشف بن لادن عن نية تياره بفتح "جبهات جديدة" تستهدف استنزاف الولايات المتحدة اقتصادياً، ويقول: "وقد ورّث (الرئيس الأميركي جورج بوش الابن) خَلَفه إرثاً ثقيلاً وتركه بين أمرين أحلاهما مُرّ، كمن ابتلع خنجراً ذا حدين كيفما حركه جرحه، ومن أصعب الإرث أن يرث المرء حرب عصابات طويلة مع خصم صبور عنيد تمول بالقروض الربوية، فإن انسحب من الحرب فهي هزيمة عسكرية وإن واصل فيها غرق في الأزمة الاقتصادية، فكيف وقد ورثه حربين لا حرباً واحدة وهو عاجز عن المواصلة فيهما، ونحن في طريقنا لفتح جبهات أخرى بإذن الله".

الملاذ الآمن، يقدم عادة للجماعات المسلحة الدعم اللوجستي، والأمان للقيادات، وطرقا  واضحة للتمويل، والتدريب، وبالنسبة لتنظيم القاعدة البعد الإيديولوجي في الدولة الإسلامية، بالشكل الذي يراه، ولوكانت عبارة عن دويلات صغيرة الحجم.

دور الملاذات الآمنة، وهي اليمن، والصومال، والمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وبعض مناطق آسيا الوسطى، وبعض المناطق الأفريقية، كمناطق محتملة كملاذات آمنة للقاعدة، تبدى خلال الأسبوعين الأخيرين، حين كُشف عن دور التدريب وإرسال منفذين لعمليات إلى العالم الغربي.

فمثلاً صرح أوباما نهاية الأسبوع الفائت أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، في اليمن، درب وجهز الشاب النيجيري عمر الفاروق
عبد المطلب الذي حاول تفجير الطائرة قبل هبوطها في ديترويت يوم عيد الميلاد، أيضاً الشاب الذي حاول اقتحام منزل الرسام الدنماري كورت فيسترغارد، مسلحاً بسكين وفأس، كانت "له علاقات وثيقة بمنظمة شباب المجاهدين الصومالية، وكذلك مع زعيم القاعدة في شرق أفريقيا"، وكذلك محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودية محمد بن نايف، خطط لها في اليمن.

ويمكن ملاحظة ارتباط عدد من الخلايا والمجموعات في أوروبا والولايات المتحدة إما بالصومال أو باليمن أو بالمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، بشكل يدلل على أننا أمام أنماط جديدة تنتهجها القاعدة.

[email protected]