قبل أن يصبح الندم مستحيلاً

ارتكبت "بي. بي. سي"، النسخة الإنجليزية، إثما صحفياً كبيراً حين قامت، مساء الثلاثاء، بتبديل كلام جلالة الملك عبدالله الثاني، ووضعت على لسانه ما يوحي بأنه يطالب بإسقاط النظام السوري، فوضعت عنواناً مثيراً يقلب الصورة رأساً على عقب تفيد بأن جلالته يدعو بشار الأسد إلى التنحي. مع أن جلالة الملك، وفي لقائه مع الإعلامية "دوسيت" من هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية "بي بي سي"، كان واضحاً في جميع إجاباته وضوح الشمس، خاصة، حين سألته سؤال التنحي ذاك أكثر من مرة، وألحت عليه، وفي النهاية قالت لجلالته: "إنه سؤال صعب بالنسبة لك إذا لم تقرر بعد إذا ما كانت أفضل السبل لبشار هي أن يتنحى، وفي نفس الوقت هناك قادة تم الضغط عليهم. هناك من يقول إذا لم يتنح سيتم إجباره على ذلك"، فأجابها جلالته بهدوئه وثقته المعتادة، بردٍ سياسي عميق، وضعه بقالب النصيحة وقال: "أعتقد أنني لو كنت في نفس الظروف لآثرت الانسحاب. ولكن، بعد التأكد من سيكون الخليفة".اضافة اعلان
ومع أن ما فعلته "بي. بي. سي"، بنشرها عنواناً مثيراً صارخاً يقول إن "عاهل الأردني يدعو الأسد للتنحي"، ومع أنهم عادوا اليوم الأربعاء لتصحيحه، ومع ذلك، وكما نعلم، فهذه عادة قديمة يمارسها الإعلام الغربي الذي يهتم بتسويق وبيع منتجاته السياسية بطريقة فجّة لافتة وجاذبة للانتباه، وبما يتماشى مع المصالح السياسية والقومية لكل بلد غربي، ويبذل كل قدراته ومساعيه من أجل الحصول على مقابلة تلفزيونية أو تغطية حصرية لحدث ما ثم يعود لصياغتها وتصديرها إلى العالم أجمع، ولنا، بالصورة والصيغة التي تخدم مصالحهم ومنافعهم الخاصة والعامة.
الغريب أن الصحافة العربية والمحلية، ومع أنهم شاهدوا اللقاء، وشاهدوا وسمعوا ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني، إلا أنهم تركوا ذلك جانبا، واهتموا بنقل الخبر عن "بي. بي. سي" مع عنوانه المثير الذي جرى تبديله، ولم يهتم أحد منهم، حتى وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، أن يصحح للقارئ والمشاهد وللشعوب العربية هذا الخطأ الفادح، مع علمهم الأكيد، بالفرق الشاسع والأكيد، بين أن يكون الأردن، ممثلا بقيادته، يسعى بشكل جاد لإسقاط النظام السوري، وبين أن يحاول الأردن بكل الوسائل المتاحة، الأخوية والصديقة، أن يقدم النصح المباشر وغير المباشر، للنظام والرئيس السوري، لتقديم ما يلزم من تنازلات، لوقف شلال الدم والتوقف عن قتل الأبرياء والخروج من المأزق السياسي الخطير والمعقد الذي وجد الرئيس السوري، والشعب السوري والشعوب والقيادات العربية والعالمية أنفسهم فيه، والتوقف في مساحة حرجة ومقلقة يصعب فيها التراجع من قبل الجميع ويستحيل فيها على أحد أن يتقدم ولو خطوة واحدة.
كان لقاء جلالته، وحديثه وأفكاره التي طرحها هي المحاولة الجادة الحقيقية لتحريك هذا الوضع الجامد، والتي يُفترض أن تكون مقبولة من الجميع، حتى من النظام السوري نفسه، فما أحسن أن يقدم لك الجار والصديق والأخ النصح الصادق، في الوقت الحرج الضيق الشائك، قبل أن يصبح الندم مستحيلا؟

[email protected]