نقاش حول الجهاد (2)


أشرنا في الحلقة السابقة من هذا العرض لكتاب الباحث النرويجي "توماس هاجهامر" "الجهاد في السعودية"، أن التعامل الأمني، مع حركة السلفية الإصلاحية في السعودية، لم يتح بروز الجهاديين فقط، بل وبلغة المعارضة السياسية، فقد أدى إلى بروز معارضة أقل تعليما، وأكثر عنفا، وهو جزئياً مرده غياب القنوات للممارسة السياسية الشرعية.

اضافة اعلان

أحد الأمثلة على ذلك، يوسف العييري، المنظر والقيادي الجهادي السعودي، والذي قتلته القوات الأمنية السعودية عام 2003، وكان قد لعب دوراً أساسياً في تجميع الجهاديين، ومواجهة السلطات السعودية، منذ عام 2003، والتي أمتدت تقريباً حتى عام 2007، ويورد هاجهامر صفحات عدة عن دوره، بشكل يظهر أهميته للسلفيين-الجهاديين في السعودية. العييري كان من المتظاهرين فيما يعرف بـ "مظاهرة القصيم" التي جرت على إثر سجن سلمان العودة عام 1994، وقد اعتقل على إثرها. كما لوحظ أن المستوى التعليمي لدى الحركة الأولى أعلى من الثانية بكثير.

هاجهامر، في كتابه، يثبت كمياً أيضاً أن المستوى التعليمي للجهاديين متدن، إلا أنه لا يجري المقارنة بين حركات المعارضة داخل السعودية، لرصد مدى الفارق بين المعارضتين السلمية والمسلحة للدولة السعودية، وبالتالي، رصد التحول والتأثير الذي يمارسه غياب القنوات السياسية، في تشكيل التيار السلفي-الجهادي.

الملاحظة الثالثة، والأخيرة على كتاب هاجهامر ترتبط بالعامل المناطقي في تشكيل الجهاديين، وهو يجري تحليلاً كمياً ليخلص إلى أن الغالبية من الجهاديين، الذين انخرطوا في الصدام مع السلطات السعودية ما بعد 2001، (260 شخصا) هم من المنطقة الوسطى (نجد)، ومن ثم من المنطقة الغربية (الحجاز)، ومن ثم المناطق الأخرى.

ويقلل هاجهامر من أهمية التقارير التي أشارت، ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، إلى جنوب السعودية كمنطقة أفرزت الجهاديين، وذلك أن غالبية السعوديين الذين شاركوا في تلك الهجمات كانوا من الجنوب، ويخلص هاجهامر إلى الإشارة إلى أن هذا من قبيل المبالغة الإعلامية فمشاركة الجنوبيين للجهاديين محدودة بدليل عددهم المحدود بأوساطهم (7 من أصل 92 يعرف أصلهم المناطقي في الدراسة).

ولكن، وكما يشير هاجهامر أن أدبيات القاعدة في السعودية، ومنذ عام 2004، بدأت تتزايد فيها الإشارات إلى القبيلة، وهذا بدأ يشكل تحولاً، في المنطقة الجنوبية، وخاصة مع تحول سعوديي القاعدة إلى اليمن المجاورة والمتداخلة قبلياً مع السعودية، ودراسة هاجهامر لا تشمل هذا التطور الحديث، حيث إن دراسته كتبت، ما قبل تمركز القاعدة في اليمن على الشكل الذي نعرفه حالياً.

وفقاً لأرقام توصل إليها كاتب هذه السطور، في دراسة تصدر قريباً بعنوان "جيوبولتيك القاعدة"، فإن الجنوبيين يشكلون نحو 22 % من السلفيين-الجهاديين السعوديين، وهم يشكلون نسبة مقاربة للذين جاؤوا من المنطقة الغربية، 21 %، وبطبيعة الحال فإن القادمين من المنطقة الوسطى شكلوا 52 %. وقد برز هذا التحول مع رسالة أبو جندل الأزدي المعنونة بـ "يا أهل الجنوب" التحريضية لقبائل الجنوب السعودي، عام 2004، ومشيراً فيها، مبكراً، لإدخال البعد اليمني في الصراع.

ومذّاك يلاحظ أن السعوديين حالياً في تنظيم "القاعدة في جنوب الجزيرة العربية"، والذين يشكلون تقريباً ثلث التنظيم، فإن 50 % منهم جنوبيون، و39 % من المنطقة الوسطى، وتحديداً القصيم في أغلبهم، وهو ما يدلل على تغيّر في استراتجيات القاعدة، حيث أن الاعتماد على البعد القبلي، يعد حالياً من ركائز التمركز في اليمن من قبل السلفيين الجهاديين.

ومهما يكن، من أمر فإن كتاب هاجهامر، يعد من المصادر الأساسية لمن يريد التعمق في فهم الحركة السلفية-الجهادية في السعودية، وخاصة انها كانت مصدراً لمادة أعلامية خصبة تداخل فيها الحقيقي والإثارة، كما أن هذا الموضوع كان مصدر توترات سياسية دولية، ومازال له تداعياته كما تظهر في اليمن.