بدران: الحسين والجيش ضغطا لإتمام الوحدة مع سورية بمواجهة اسرائيل

الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد خلال لقاء مع مضر بدران في دمشق نهاية السبعينيات
الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد خلال لقاء مع مضر بدران في دمشق نهاية السبعينيات

محمد خير الرواشدة

عمان- تركز حلقة اليوم من "سياسي يتذكر" مع رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، على بعض تشابكات وكواليس العلاقات العربية العربية، والعربية الأردنية، في عقد السبعينيات ومطلع الثمانينيات، حيث شهدت تلك الفترة احداثا سياسية جساما، بدأت بزيارة الرئيس المصري انور السادات لاسرائيل وتوقيع "كامب ديفيد"، وبروز المقاطعة العربية لمصر السادات، مرورا بالثورة الايرانية ووصولا الى الحرب العراقية الايرانية.
يستذكر بدران في الحلقة الثامنة عشرة اليوم، بعض تفاصيل قمة بغداد العام 1978، التي اقرت تقديم مساعدات عربية كبيرة للاردن، باعتباره من دول الطوق والمواجهة مع اسرائيل، وذلك بعد خروج مصر من دائرة الصراع مع اسرائيل بتوقيع اتفاقية سلام.
ويذكر ان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (وكان نائبا للرئيس حينها) هو من تحدث باسم الاردن، بناء على طلب من بدران، لتقديم الدعم الاقتصادي للمملكة، خاصة في ظل "برود" العلاقة الاردنية الخليجية تلك الفترة.
كما يستعرض بدران اليوم تفاصيل وتطور مباحثات الوحدة الاردنية السورية نهاية السبعينيات، والتي لم تنجح بالمحصلة في الوصول الى دولة الوحدة، لاصرار السوريين على انتخاب رئيس دولة الوحدة من قبل الشعبين السوري والاردني. ويؤكد بدران انه شخصيا لم يكن مستعجلا على الاسراع في مفاوضات الوحدة مع سورية، على حساب مضمونها، لكن الملك الحسين، رحمه الله، وقيادة الجيش العربي، كانا يدفعان للاستعجال بقيام الوحدة، لتصليب الجبهة الاردنية والعربية امام اسرائيل.
 ويتطرق بدران الى بعض تفاصيل علاقته بالراحل الكبير الحسين بن طلال، ويقول في هذا السياق "لقد تحملني الحسين كثيرا لانه علم جيدا انني لا املك اجندات شخصية". لافتا الى ان الحسين استجاب لنصيحة بدران والغى لقاء له مع حسني مبارك، كان مقررا في مسقط، بعد قرار القمة العربية بمقاطعة السادات ومصر اثر زيارته لاسرائيل. حيث نبه بدران الملك الى ان اللقاء سيجلب على الاردن غضبا عربيا، ويهدد بوقف المساعدات الاقتصادية التي اقرتها قمة بغداد للمملكة.
وكان بدران، قد كشف في حلقة أمس، تفاصيل مثيرة ومشيقة، وتوثيقية، حول طبيعة العمل الحكومي، ومطبخ صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والاداري في الدولة الاردنية خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي.
كما تناول ايضا قصة مشاريع تنموية ضخمة، طورت من البنية التحتية للمملكة، في وقت سعت فيه لاستقطاب الاستثمارات العربية، الهاربة من لبنان بعد اندلاع الحرب الاهلية فيها العام 1976.

وفيما يلي نص الحلقة الثامنة عشرة

اضافة اعلان

* قصة استكمال مشاريع البنى التحتية في السبعينيات، التي توقفنا عندها في الحلقة السابقة، كان لها اتصال بقمة بغداد، ولقاؤك لأول مرة مع الرئيس العراقي صدام حسين، الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية العراقية، وهناك بدأت علاقتك بصدام خلال قمة بغداد العام 1978؟
- صحيح؛ هناك التقيت اول مرة بالرئيس صدام وجها لوجه، كانت العلاقة، كما ذكرت لك، بدأها سليمان عرار، عندما شارك في اجتماع وزراء الداخلية العرب في بغداد، وقدم صدام لنا دعما ماليا فوريا، لإنقاذ الموازنة التي لم يكن فيها رواتب للموظفين.
في القمة العربية في بغداد العام 1978، ولما بدأ الاجتماع، دخل القادة إلى اجتماع مغلق، بقيت أنا وياسر عرفات ولم ندخل، لكني بدأت أخشى على الراحل الحسين، فهو لا يحب أن يتحدث بأي أمر اقتصادي، والقمة مخصصة لدعم الأردن وسورية ومنظمة التحرير ومصر، فجأة وجدت أحد الموظفين التابعين لمراسم أحد الوفود، فقلت: غريب لماذا لا يتركونا ندخل، فقال تستطيع الدخول، دخلت مباشرة، وسحبت كرسي، لا يجلس عليه أحد، الى جانب الملك الحسين، استغرب الراحل، وسألني مباشرة، إن كان هناك أي مشكلة، قلت له: لا، فقط أنا قادم لمؤازرتك بالمطالب الاقتصادية للأردن.
بدأ النقاش المالي، وتوزيع حصص المساعدات على الدول العربية. مباشرة ذهبت لرئيس الوفد العراقي، وكان نائب الرئيس العراقي صدام، فيما الرئيس أحمد حسن البكر، هو رئيس القمة العربية، ويوزع أدوار الحديث بين الدول المشاركة.
مباشرة، مشيت باتجاه صدام، وتحدثت إليه بكل صراحة، بأني أنا رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية، وأطلب منه الحديث باسم الأردن في الجانب الاقتصادي، لأن الملك الحسين لن يتحدث بشيء، حتى لو جاء دوره، فهو يخجل جدا، من طلب المساعدة، بطريقة مباشرة في الاجتماع.
وقلت لصدام، أنت أدرى العرب بوضع الأردن، ونعرف بأنك لن  تظلمنا، فضحك صدام حسين، ووافق من دون أي تفكير، وفعلا، هو من زاد حصة الأردن، من المساعدات العربية.
عدت لمكاني بجانب الملك الحسين، وبدأ رئيس الوفد الليبي، وكان قائد الجيش، يتحدث، وبدأ يطلب رفع مبالغ المساعدات، فقلت له من بعيد أن "يسكت"، فليبيا توعد، ولا تفي بدفع المساعدات، وأننا بالأردن لم يصلنا أي دولار من تلك المساعدات.
وفي قمة عمان، عام 1980، ولما بدأ اجتماع الزعماء العرب، وجه صدام حسين كلامه للقادة العرب، وقال: الأردن لم يصلها أي من المساعدات العربية، التي قررت في قمة بغداد، وعلى القادة العرب أن يقولوا بأنهم لا يريدون الدفع للأردن، وأنا من سيدفع عنهم، فنحن قادة ويجب أن نلتزم بما نوعد شعوبنا به.
وفعلا، ما إن انتهت الجلسة، حتى دفعت دول الخليج 900 مليون دولار للأردن، وفعلا ايضا تخلفت ليبيا عن دفع حصتها.
وكانت كل تلك المساعدات، هي قيمة تنفيذ مشاريع البنى التحتية في البلاد. 
*مع استمرارك بالقرب من الراحل الحسين كرئيس وزراء، هل تطورت علاقتك بالراحل، أم حافظت على خطك المهني في العلاقات السياسية؟
-لقد تحملني الراحل الحسين كثيرا، لكنه رحمه الله كان يعلم جيدا بأن لا أجندات شخصية لي في العمل، فأنا كل ما يهمني أن تجري الأمور وفق المنطق السليم، وأكره أن ننجز عملنا بنظام القطعة، بل عندي جدول عمل شامل ولا أحب أن يكون عملي ناقصا.
لذلك كان الحسين يغضب مني في مرات كثيرة، لكنه سرعان ما يعرف بأني تصرفت وفق حساب دقيق للأمور، فأنا لست ارتجاليا في اتخاذ القرارات، وكل خطوة عندي تخضع لتفكير طويل ودقيق.
في احدى المرات، بعد نحو 3 سنوات على مؤتمر بغداد، الذي تقرر فيه قطع العلاقات العربية مع مصر، ومنح الأردن مساعدات اقتصادية، أبلغني رئيس الديوان وقتها أحمد اللوزي رحمه الله، وأنا جالس في قصر الندوة، أنتظر الراحل الحسين، بأن الملك قرر زيارة سلطنة عمان، وسيلتقي هناك بالرئيس المصري حسني مبارك، بحضور السلطان قابوس.
لدى سماعي اللوزي، تجمدت في مكاني، وقلت له: هل أمرك الملك أن لا تبلغني؟ فقال: لا، قلت إذا كيف تقررون مثل هذا الأمر، وتعتبرون إبلاغي تحصيل حاصل!، فأنا ضد الزيارة وسأطلب من الملك إلغاءها، فقال اللوزي: لكن تم الاتفاق وتحديد موعد الزيارة.
مباشرة تحدثت مع الراحل الحسين، وقلت له بأن لقاءه مع مبارك في عُمان، يعني مخالفة قرارات قمة عربية، وهذا سيكلفنا في الأردن كثيرا.
وتابعت بأن القرار السياسي في القمة، كان قطع العلاقات مع المصريين، فيما القرارات الاقتصادية كانت بتوجيه المساعدات العربية للاقتصاد الأردني، وإذا خالفنا القرار السياسي، فمن حق الدول العربية مخالفة القرار الاقتصادي للقمة، وقطع المساعدات.
وفعلا ألغى الملك الحسين الزيارة، بعد أن استمع إلى حجتي، وهذا هو الحسين رحمه الله، يقدّر المصلحة الوطنية العليا جيدا، ولا يخالف متطلباتها حتى لو على حساب أكثر الأمور التي يحبها، لكن عليك وأنت تعمل بمعية الحسين، أن تعرف كيف تقنعه إن كانت عندك وجهة نظر مخالفة لوجهة نظره.
الراحل الحسين تحمل نزقي وغضبي في بعض الأمور، لكن أظنه، كان مرتاحا لكثير من القرارات، التي خدمنا فيها المصلحة الوطنية، فهل تعتقد مثلا ان إنجاز مشاريع البنى التحتية خلال مدة وجيزة، كان أمرا سهلا! أو أنه أمر لا يصب في خانة المصلحة الوطنية العليا! هل تعتقد بأن مكافحة الفساد لا تخدم مصالحنا؟ هل ترى بأن تطوير عمل الجهاز الإداري لم يخدمنا؟ هل تظن بأن الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي كان وليد الصدفة والحظ؟
كلها أمور كان يدرك الراحل الحسين أهميتها، وكان يدعم من يريد فعلا أن يخدم المصلحة العامة ومصلحة المواطن ومصلحة تراب هذا البلد ونظامه السياسي.
دائما كان حلمي أن استغني عن المساعدات العربية والأميركية، وطالما كنت أسعى لتحقيق هذا الحلم عبر اقتصاد وطني محصن ومستقل، لكن الظروف الإقليمية لم تمكنا في الأردن من بلوغ هذا الحلم، وتحقيق هذا الهدف، لقد استنزفت منا القضية الفلسطينية وغياب فرص حلها العادل أن نكون مملكة مستقلة اقتصاديا ومتحررة من انتظار المساعدات العربية والغربية التي دائما ما تكون مرتبطة بالأجندات السياسية للدول المانحة والمساعدة.
*لكنك أشرت لي ذات مرة، بأنه وفي احدى السنوات، أقرت الحكومة قانون موازنة خاليا من المساعدات الأميركية؟
-صحيح؛ ولذلك قصة استطيع أن أذكرها بإيجاز، ففي احدى السنوات، نهاية عقد السبعينيات، زارني السفير الأميركي في عمان توم بيكرنك، وقال لي بأن الحكومة الأميركية تأسف لعدم تقديم مساعداتها السنوية للأردن في هذا العام، وطبعا كان الهدف هو الضغط الأميركي على الأردن، لتلحق هي الأخرى بمصر والسادات، وندخل بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل، ونذهب لكامب ديفيد.
مباشرة سألت بيكرنك، وهو يجلس في مكتبي: هل  أنت متأكد؟ قال نعم، أعدت السؤال عليه، وأعاد نفس الإجابة، وقفت في مكتبي، وذهبت إليه وصافحته، وقلت له: شكرا لك ولحكومة بلادك، لقد حققتم لي حلما لطالما كان يراودني وهو أن أصمم موازنة بلدي خالية من بند المساعدات الأميركية.
استغرب من ردة فعلي، وقال لي: كنت أظنك ستطردني من مكتبك، فقلت له بالعكس أنا أشكركم على هذه الهدية.
وتستطيع فعلا العودة لموازنة واحدة، من تلك السنوات في نهاية السبيعنيات، للتأكد من أنها خالية من بند المساعدات الأميركية.
*وهل بدأت باستكمال مشروع الوحدة الأردنية السورية، في تلك الفترة أيضا، حيث كانت حكومة سابقك، الرفاعي قد أوشكت على الانتهاء منها؟
-لقد سبق أن أنجزت حكومة زيد الرفاعي من قبلي المحادثات مع السوريين، لتوثيق عرى التعاون بيننا، واجتمعت اللجان المشتركة، واستمرت اللقاءات والاجتماعات حتى أيام حكومتي، وكنا نقترب في كل يوم من إعلان الوحدة بيننا وبين السوريين، وكان رئيس الوزراء السوري محمود الأيوبي رحمه الله، يريد للجان أن تسرع في عملها، وكان مدعوما من جبهة البعثيين والناصريين لاتمام تلك المهمة، لكني حذرت من الاستعجال في الأمر من غير أن يكون قائما على أسس صلبة وواضحة، فلا نريد أن نكرر احباطاتنا بعد فشل الوحدة المصرية السورية، لذلك طالبت العمل بشكل دقيق ومؤسسي على مسارات الوحدة ومستقبلها.
ثم بدأت الضغوط عليّ تأتي من الملك الراحل، وقيادة الجيش، لاستعجال قرار الوحدة، وسألت عن السبب، وقالوا الخشية من إسرائيل، وسألت الحسين من رئيس دولة الوحدة؟ وقال: إنه يقبل أن يكون نائبا للأسد، على أن تنجح الوحدة. وبالمناسبة هذه شهادة حق أقولها وتضحية من ملك حقيقي.
وفعلا، استكملت اللجان عملها، حتى وقفنا أمام قرار لجنة يفيد بأن انتخاب رئيس دولة الوحدة يجري من قبل الشعب السوري والشعب الأردني، ورفض ذلك عبد الحميد شرف، لأن في ذلك خللا في القوة التصويتية، بين الشعبين، فالفرق بيننا والسوريين من حيث السكان في ذلك الوقت يتجاوز الـ15 مليون نسمة.
تحفظنا على القرار، وذهبنا لدمشق والتقينا بحافظ الأسد، وعاتبنا على تأخير عمل اللجان، وشرحنا له عقدة اجراء الانتخابات بهذا الشرط، وأبلغته بأن الشعب الأردني لن ينسى لي هذه الخطيئة، إن ارتكبت في عهد حكومتي، خصوصا وأن نتيجة مثل هذه الانتخابات ستكون محسومة سلفا.
قال الأسد: هذا حقك، وقال للوفد السوري لقد أخطأتم بهذا القرار، وقال ضعوا في توصيات اللجان، بأن مثل هذه المواضيع تترك للقيادة العليا، من الملك الحسين وحافظ الأسد، وهما من يبتان في الأمر.
وفعلا عدنا للعمل بطريقة متدرجة، وأنشأنا شركات مشتركة، ومناطق حرة مشتركة، وعينا مديرين من سورية والأردن لكل تلك المؤسسات.
واستكملنا الأمر بالمناهج التعليمية، وحتى التعرفة الجمركية، التي انطوت على صعوبات بالغة في التطبيق، نتيجة فرق سعر صرف العملتين، والكلف الأولية للأسواق في البلدين.
*وهل راق أمر الوحدة الأردنية السورية على أنقاض انهيار الوحدة السورية المصرية، لدول الخليج العربي؟
-كما قلت لك، قمت في بدايات حكومتي، بمعية الراحل الحسين بزيارات مؤلمة لدول الخليج، حيث قمنا بجولة.
بدأنا من المملكة العربية السعودية، وقابلنا هناك ولي العهد السعودي الأمير وقتها فهد بن عبد العزيز رحمه الله، وبدأ الراحل الحسين حديثه في الاجتماع، بأن الأردن يريد أن يسأل إن كان يمشي في الاتجاه الصحيح، خصوصا وأن الراحل الحسين اشتكى من أنه محتار للغاية في اتجاهات المنطقة، وكل ما يريده هو المؤازرة حتى تعود القدس والضفة الغربية، وتعود الحقوق الفلسطينية، وأن الولايات المتحدة الأميركية تراوغ في مواقفها، وما تزال تكذب فيما تقوله للأردن.
وطلب الحسين من السعوديين فقط، دعمه معنويا، إن كان يمشي في الاتجاه الصحيح، وعلى الرغم من الضائقة المالية الصعبة، التي كنا نمر بها، فقد أكد لهم بأنه لا يطلب منهم دعما اقتصاديا، كنت جالسا معه في الاجتماع، وفعلا تحدث الحسين بأسلوبه المعتاد الساحر والمؤثر، ولم ينطق السعوديون بأي كلمة، تدعم مواقف الراحل الحسين، ودهشت من الأمر، فقد "انتخى" الحسين بهم، ولم يجيبوه بكلمة واحدة.
ثم غادرنا وانطلقنا إلى الكويت، وتكرر المشهد نفسه، ولم يتحدث الكويتيون بشيء، بعدها انطلقنا لقطر، وأعاد الحسين قوله للأمير خليفة آل ثاني، وإذ به يقول للراحل الحسين: أنا معك ونحن اخوان، ولن نتخلى عنك مهما حصل، وإن مواقف الحسين على حق، ويجب دعمه من أجل الثبات عليها، وفعلا قدرت ذلك له كثيرا، خصوصا وأنني كنت مخنوقا مما جرى في السعودية والكويت.
في ذلك الاجتماع، دخل رئيس التشريفات الأميرية، وقال بأن الرئيس العراقي يطلب الأمير على الهاتف، وانتقل الأمير لغرفة مجاورة، وأنهى الاتصال، ثم عاد إلينا وقال إن الرئيس أحمد حسن البكر، يطلب الموافقة على عقد قمة عربية في بغداد، من أجل دعم القضية الفلسطينية، وبدء المقاطعة العربية لمصر، بعد زيارة السادات إلى القدس، ونقل الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
في داخلي انفرجت أساريري، ولما وصلنا مكان الإقامة في الدوحة، طرت فرحا، وسألني عبد الحميد شرف عن سبب فرحتي؟ فقلت له بأن دعم الأردن سيأتي من بوابة مؤتمر القمة، فدول الخليج لا تخرج عن رغبة العراق.
خلال المؤتمر، أذكر بأن الكويتيين اقترحوا ارسال وفد عربي إلى السادات وثنيه عن مخططه في زيارة القدس، وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي والصلاة في المسجد الأقصى، وطُلب مني أن أكون رئيسا للوفد العربي المتوجه إلى القاهرة، لأني رئيس وزراء ووزير خارجية، ورفضت طبعا، ولما سألوني عن السبب، قلت بأن الخليج من يدفع له المال، ولهم دالة عليه، كما أبلغتهم بقناعتي بأن السادات لن يقابل الوفد العربي.
وفعلا ذهب الوفد، ولم يقابله السادات، لأنه يريد إغراق سفنه، وتذكرت ما كان يصلنا ونحن في المخابرات، عن اجتماعات السادات، وما كان يقوله عن حضن أميركا، ورغبته في استبدال اسرائيل بمصر في الجلوس فيه.
*لكن الوحدة لم تحدث، وانتهى المشروع في عهد حكومتك تلك؟
-نعم؛ فقد كان السبب بأن لا اتفاق على من يرأس دولة الوحدة، وبقيت أرفض أنا وعبد الحميد شرف فكرة انتخاب الرئيس من قبل الشعبين الأردني والسوري، لأن في ذلك ظلما كبيرا لنا، لأن تعدادنا كان نحو 3 ملايين، والسوريون يزيدون على 15 مليونا، فالنتيجة محسومة، وقلتها لحافظ الأسد، بأن الأردنيين سيعتبروني خائنا إذا وافقت، وبقيت أصر على الملك الحسين حتى يرفض الفكرة لأنهم ماطلوا بالموافقة على فكرتنا، بأن تكون الرئاسة بالتناوب وليس بالانتخاب.
في احدى زيارات عبد الحليم خدام لعمان، وكان وزير خارجية، صرح في المطار بأن سورية الطبيعية تضم لبنان والأردن، وكان عند السوريين مطامح بأن يسيطروا على الأردن كما سيطروا على لبنان.
مباشرة، لم استطع السكوت على تصريحات خدام المستفزة، ولما دخلنا إلى غرفة الاجتماعات، قلت له يا ابو جمال، سورية الطبيعية كانت ملكية هاشمية، وكنتم تحتفلون بهذه الذكرى بالإجازة الرسمية، عندما كنت طالبا في دمشق، وتحتفلون بذكرى الملك فيصل وأيام حكمه لسورية. فهل توافقون على عودة الملكية لسورية الطبيعية؟ وهل تقبلون بالملك الحسين ملكا عليها، لأنه وريث الملك فيصل؟.
لقد كان السفير السوري في عمان، وأذكر اسمه الأخير، أنه من بيت الصباغ، يثرثر بالقول دائما، عن احتواء سورية للأردن كما احتوت سورية لبنان، وكنت أقول لمن ينقل لي هذا الكلام بضرورة أن يتركوه يتحدث، لنعرف كيف يفكر السوريون بالوحدة، فقد كان هذا السفير سكرتيرا يعمل عند خدام، وعينه سفيرا لدينا، وهو ينطق بما يقوله خدام، ولذلك فهو قدم لي خدمة مجانية لم أطلبها من أحد.
كان هذا الشرط هو الحد الفاصل بيني وبين السوريين في الأمر، وكانت حكومة زيد الرفاعي قد غضت الطرف عن الأمر، والملك الحسين لم يكن بصورة كل الحكاية.