"الوسم عند القبائل الأردنية".. يوثق إرثا وعادات اجتماعية

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)
عزيزة علي عمان- صدر، عن وزارة الثقافة، كتاب بعنوان “الوسم عند القبائل الأردنية”، للشاعر والروائي والكاتب عارف عواد الهلال، ويشتمل على جميع عشائر القبائل الأردنية التي تعنى بوسم الماشية، وقد تتبع الكاتب في كتابه القبائل ضمن ثلاثة أقاليم، ابتدأها بقبائل حوران ثم قبائل البلقاء، منهيا بحثه بالقبائل ضمن منطقة الشراة وحسمى.

“حكاية ثوب” و”البيت البدوي” بوابة التراث الاردني في قلب “ايلة”

الزي الشعبي.. جزء من التراث والأرض والتاريخ

يشير المؤلف الى أن الوسم ليس مجرد إشارات للتمييز فحسب، بل كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بالأحرف والأرقام العربية القديمة للتشابه الكبير بين أشكال الوسوم ورسم الحروف والأرقام، ما يعني أن الدلالة القديمة من الوسوم في الوقت الحاضر صارت تقليدا دون الالتفات إلى أصولها القديمة. ويقول إنه بعد التنقيب الدقيق في المراجع والمصادر بقصد توخي أقصى ما يمكن من صحة ما يذكر، وتواصل دؤوب مع ذوي الشأن من أبناء القبائل الأردنية، وبعد مقارنة العديد من الروايات، ومقابلة الكثير من الآراء، تم إنجاز هذا الكتاب الذي يوثق بعض إرثنا الاجتماعي ويشتمل على إحدى عوائدنا العشائرية، وينطوي على شيء من التراث الذي تسعى وزارة الثقافة الأردنية إلى جمعه وتوثيقه وإصداره، ليكون بين أيدي الأجيال التي لم تعش تلك الحقب، فيقرب إلى الأذهان بعض ما لا تدركه الأفهام إلا بتقريب الوصف. ويشير الى دور أبناء العشائر الأردنية الذين أبدوا حماسا أفضى الى بيان مجل يحمل بين ثناياه تراثا كاد أن يخفى، وإن ما تزال بعض معالمه ماثلة في بعض الرحاب، غير أنها أقل حضورا مما لحقه الطمس بدعوى انتفاء الأسباب، فدونا الشاهد نقلا عن لسانه أهله، وتتبعنا أثر الغائب بإيقاظ ذاكرة أصحابه، فتحول الصعب سهلا حتى بدا المغتم واضحا، وما لم نلفه محفوظا في الصدور استدرجناه من بين السطور، من مراجع لم نلتفت إليها إلا عند انعدام الأثر عند من كنا نتوخى عنده صادق الخبر. وتحدث عن الجهد الذي بذله أبناء العشائر من أجل تدوين التراث، فكانوا عونا لإنجاز العمل، فأسلفوا معروفا منهم يذكر قبائلهم، وزادوا بأن تقصوا عن غيرهم زيادة في الهمة، فتجلى إرثهم بأن لم يوردوا الخبر على ألسنتهم عن سواهم، إنما أشاروا إلى من يؤخذ عنهم، فصار التحبير باليقين أكثر احترازا من ترجيح الظن، ليتأكد أنهم على قدر جليل من الحصافة التي تدفع عنهم الأنانية، وفي مقام سامق يدرأ عنهم الشبهة، وكانوا من التواضع بأن رغبوا عن ذكر أسمائهم في حواشي الكتاب كمراجع تؤخذ عنهم لولا ضرورة التوثيق، وارتقوا بعلو هممهم ورفعة أقدارهم عن ذكر صفاتهم الاجتماعية، أو درجاتهم الأكاديمية، واكتفوا بأن يكون الكتاب تدوينا لموروثنا الاجتماعي. ويأمل الهلال بأن يحمل هذا الكتاب شيئا من ماض يجذبنا إليه الحنين، وهو ليس الأول في مضماره، فهنالك من سبق إلى مثله، وإن في شأن آخر من عاداتنا وتقاليدنا العتيدة التي صارت أحاديث المجالس، بعدما اعترتها أفانين الحداثة، فأفرغتها من فحواها، وغيرت محتواها، ولم تعد كما كانت ذات أثر في حياتنا إلا من حيث الشكل الذي يجافي الأصل، مشيرا الى المجموعة التي أسهمت في إنجاز هذا العمل، وأبدوا حرصا على أهمية أن يحيا جانب من تراثنا ولو على صفحات الكتب. وفي مقدمة الكتاب، يتحدث عن المدينة؛ حيث يقول “إن رؤيتنا للمدينة كانت زائفة خادعة، فقد انحصر بصرنا الحاسر عند أول الرؤية، وتقيد فهمنا القاصر بحياة أهل العواصم حين أبهرنا بريقها الذي أعشى عيوننا، فجذبنا لمعانها ولم تر أعيننا إلا وميضا متعاقبا أشبه ما يكون بالسراب لم يكشف عن الجوهر، وقد غاب عن أذهاننا أن في بلاد الغرب فلاحين يمتهنون زراعة حقولهم، ومربي مواش يعتاشون على العناية بقطعانهم، وأهل حرف يكدون في مهنهم، وأرباب صنائع يتكسبون رزقهم من جهدهم، ولم يتبادر إلى عقولنا بأن حياة المدنية لا تستقيم إلا بالحواضر من حولها”. ويواصل حديثه “أن رغبتنا بأن نكون مثل غيرنا تكسيا لا اكتسابا، واستحواذا لا اجتهادا، وحصولا لا وصولا أضاع علينا أسباب التمكن من وسائل المدنية التي تأتي متمهلة غيرى متعجلة، وأفقدنا ما كنا عليه من طرق عيشنا التي كانت تواتي بيئتنا التي ورثناها، ولا تخالف أنماط حياتنا التي درجنا عليها، فجرى الافتراق على غير وفاق، وعشنا غربتي الزمان والمكان وإن هيئ لنا أننا ارتقينا، ولما شعرنا بشيء من فراغ النفوس صرنا نتأسى بالزمن الذي مضى، ونستسقي للأيام الخوالي التي تخلينا عنها، ونستذكر بالإثراء ما قد اصبح تراثا على قرب العهد به، وإن كنا لا نعقل بعض أسمائه”. ثم يتحدث الهلال عن الموروث والتراث الذي يعتبر أنه لا يشفع لنا تنكرنا له من قبل، فحري بنا، ومع الأسى على ما مضى ألا نجعل من التنكر السالف سببا لعدم تدويننا له، أعذارا منا لأنفسنا بعدما فرطنا بما كان يتوجب علينا التمسك به، فهو موروث جليل، حقيق بالحفظ والصون، ليكون تراثنا شاهدا على أحوال أسلافنا، وبرهانا على إخلاصهم للحياة، وابتداعهم الوسائل التي تسخر لهم أسباب العيش، وعدم اتكالهم إلا على جهودهم البدنية المرهقة، وبذلهم أجسادهم بكل سخاء عملا دؤوبا، وجهدا عنتا، فكانوا أقوى عزيمة من العشرات، وأصلب عودا من المعيقات، فانساقت لهم الحياة بعدما ذلت لهم الصعاب. ويرى المؤلف أنه من حقهم علينا، بل من واجبنا تجاههم، لا بل لأجل الأجيال أن نستذكر بعض ما خلفوا لنا من إرث صار يعد تراثا، وأن ندون شيئا مما وعينا عنهم من طرق حياتهم وطرائق عيشهم، وهم الذين عاندوا قسوة الظروف، وتغلبوا على مصاعب الزمن، فابتدعوا ما يخفف عنهم كثيرا من العناء، وابتدروا من الأسباب ما يعينهم على تخطي العوائق، وابتكروا من الوسائل ما يساعدهم على البقاء، فكانت لهم حياتهم التي اكتملت جوانبها، فتشكلت لهم أعراف ينتهجونها ولا يخرجون عن جادتها، لما فيها من استمرار قوام حياتهم، وحفظ ميراثهم، مع ما نعتقده من بدائيتها التي لم يتحقق لهم سواها. تعددت مواضيع التراث التي وصلتنا من الأولين، وفق الهلال، والتي رسخت في أذهاننا على أنها بعض عطاء السلف للخلف، حين عز على الآباء أن يتركوا أبناءهم بلا مسالك في الحوالك، فما غادروا إلا وأبقوا لنا منارة هدي، فأخذناها تاريخا نواسي به أنفسنا متى استحكمت الحلقات، أو نبراسا نستضيء بقبسه إن ادلهمت الخطوب، أو أثرا نسير على جادته ولا نحيد عنه إذا شاكت الدروب، فكانت الرائد الذي لا يكذب أهله. وعن التراث المادي، يقول الهلال “بيت الشعر في البادية بما يحتوي من عبق الماضي هو تراث مادي، وبيت المدر في الحاضرة وما بين جنباته من ألق السنين، فكانا الأصل والأصالة، وقد جاءا موافقين لحاجة أهلهما، مناسبين للبيئة التي ابتنيا فيها، محققين للغاية التي وجدا من أجلها، واشتمل كل من البيتين على أدوات ارتبطت بهما فاقترنت بالتراث اسما ومعنى لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالاسم اصطلاح، والمعنى إفصاح”. وعن التراث غير المادي يشير الى أن هناك التراث غير المادي، الذي إما جاء عرفا أو من ظروف الحياة، فابتني على أسس راسخة، وأقيم على أركان ثابتة، فاكتنز معارف تنم عن حكمة رصينة، أوثقتها عرى متينة، فكان استنباطا أشبه ما يكون بالاستلهام، فصار إرثا مليئا بالحكم، محكم الفواصل عند الفصل، فاستقر في نفوس أهله متنقلا عبر الأزمنة والأطوار بالتردد على الألسنة، فاستمسكت بأطنابه الأجيال المتعاقبة، ولم تتخل عن ركائزه حرصا منها على مهابته، بل واحتمت بما احتوى من قيم حرست النفائس، ودفعت الهواجس من نفوس ذوي المآرب الرخيصة، فمن وقع في مظنة الجهل لقي مغبة العقاب، فاكتف أذى الأشرار بحنكة الأخيار. ويرى الهلال أن ما يعد تراثا مع أنه ليس من التراث المادي، ولا ينتمي للتراث غير المادي، ما اتخذه أصحاب المواشي علامة يميزون بها قطعانهم عن قطعان سواهم، وأطلقوا عليه اسم “الوسم”، فاستقر لكل قبيلة وسمها الذي لا تنكره القبائل الأخرى، حتى غدا قرينة تفرق ولا تفارق، وذهب عرفا بين الناس يضاف إلى أعرافهم الأخرى التي اعتدوا بها، وحرصوا عليها، فتحول “الوسم”، إلى وسيلة يستدل بها على الذاهبة، وإمارة لاستعادة العوار، فحافظوا عليه لأجل أن يحرز أنعامهم من الرقة، ويحصنها من الضياع، فيسهل تتبعها، ولا يصعب استردادها، ولو بعد حين، وقد قيلت في الوسم الأمثال، منها “تتغير الرسوم ولا تتغير الوسوم”، أي أن الوسم قار لا يتبدل. ويشير الى أن موضوع التراث الأصيل هو جزء من الأعراف المتأصلة، “وفي هذا الكتاب نذكر فيه ما يمكننا الوصول اليه، من التوثيق، إما استقاء من مصادره، أو استقصاء من موارده، وصولا إلى ما يمكن الركون إليه، دقة في النقل، وأمانة في الاقتباس، واشتمالا بالمضمون دون إغفال أو تغافل ابتعادا عن الاتهام الذي نجتهد أن نبرأ منه”. وخلص الهلال الى أن “الوسم”، استخدم علامة مميزة لما تخيروا اقتناءه من الأنعام التي بها قوام حياتهم، فاستحسنوا السلالات من الإبل والأغنام والماعز، فأسموها “حلالا”، فكانت الثروة والمؤونة التي تعين على المروءة، فزاد حرصهم على إنمائها بالتناسل مع تحسين السلالة، ووسموها بوسوم معلومة لا تزول، تكون إمارة تزيل التنازع عند الخلاف، وتعيد “الحلال”، إلى أهله ولو مع طول الأمد. يذكر أن عارف عواد الهلال صدر له العديد من المؤلفات، منها أربعة دواوين وثلاث روايات وكتاب في الأنثروبولوجي يتحدث عن الأعراف البدوية، وكتاب في العروض وأوزان الشعر.اضافة اعلان