آفاق التحول من الريع إلى الإنتاج

في المحاضرة التي قدمها د. عمر الرزاز في مكتبة الجامعة الأردنية بدعوة من الدائرة الثقافية بالجامعة، طرحت أفكار كثيرة جديرة بالدراسة والحوار، والأكثر أهمية في الدراسة التي قدمها أنها محاولة واضحة للإجابة عن الأسئلة الأولية من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ بالإصلاح؟ ومحاولة منهجية لقياس وتقويم البرامج والسياسات والإصلاح نفسه لنعرف أننا نسير بالفعل في طريق الإصلاح.اضافة اعلان
فالإصلاح يبدأ بالتشكل الصحيح اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا حول الموارد والأعمال، فمناعة الدولة تتأتى من قدرتها على حماية كيانها ومصالحها، وحماية كيانها ومصالحها تتأتى من قواها الذاتية، وقواها الذاتية تتأتى من قاعدتها الضريبية، وقاعدتها الضريبية تتأتى من قوتها الاقتصادية، والقوة الاقتصادية تتأتى من القانون والمؤسسات، أو كما قال ابن خلدون من قبل: الملك بالجند، والجند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل. ثمة اتفاق في الأردن على ضرورة الإصلاح، بل وثمة اتفاق على مستوى جذري وراديكالي في الإصلاح كما قال جلالة الملك، وهذا يفرض أن ننتقل إلى الخطوة التالية في الإصلاح، والدخول في عمل قاس ومراجعة شاملة وفورية بدلا من هدر الوقت في المطالب، هذا بالطبع ليس دعوة لوقف الحراك الإصلاحي ولكن للانتقال إلى مطالب وأفكار وبرامج واضحة وقابلة للتطبيق، الإصلاح الضريبي، إعادة توزيع الدخل توزيعا صحيحا وعادلا، والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، وتمكين المجتمعات ومشاركتها، وتدوير النخب، والارتقاء بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وجماع ذلك في ديمقراطية تقوم حولها فرص الناس ومصالحهم.
يبدأ الإصلاح بالانتقال بالأسلوب الريعي أو شبه الريعي في الاقتصاد والموارد، لأنه لا فائدة من الديمقراطية والإصلاح السياسي والانتخابات النزيهة والتعديلات الدستورية إذا بقيت الموارد الاقتصادية بعيدة عن الإصلاح. يجب أن نعترف بذلك ونواجه أنفسنا به صباح مساء، فالمؤشر الحقيقي والأساسي للإصلاح هو أن تكون الموارد ناشئة عن نظام اقتصادي عادل يدار على نحو صحيح وعادل يجدد الموارد ويديمها وينميها ويوزعها بعدالة وكفاءة، فالديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية الموارد وإدارتها، ولكن أنْ تنفرد أقلية من النخب بإدارة الفرص وتوزيعها بعيدا عن ولاية المجتمع والناس والمؤسسات المنتخبة فذلك إصلاح ترفي مشوه ولا يستحق العناء ولا النظر إليه بجدية أو تصديقه، فالإصلاح لا يصدق إلا بتحسين حياة الناس وتطوير نوعية الحياة، والارتقاء بمستوى المعيشة والرفاه، والأهم من ذلك كله ينشئ سوقا وموارد وأعمالا يتنافس فيها الناس، جميع الناس، بعدالة. والمسألة ببساطة كما يقدمها د. الرزاز مؤشر واضح للحكومات والمعارضة والحراك الإصلاحي بعامة "السيطرة الديمقراطية والشفافة على المال العام والموازنة العامة، ومشاركة المواطنين في إدارة الإنفاق العام وتحديد أولوياته والرقابة عليه".

[email protected]