أسئلة الأطفال: بوابات عقولهم.. وعلى الآباء مشاركتهم رحلة النمو المعرفي

نورا جبران*

عمان- تمرّ بنا يوميا في تعاملنا مع الأطفال كمتخصصين وآباء ومعلمين، أسئلة كثيرة، يعبّر من خلالها الأطفال عن أفكار تدور في أذهانهم، أو مشاهد حصلت على مرأى منهم، أو جمل سمعوها. وغالبا ما تعد الأسئلة التي يطرحها الأطفال محيّرة أو محرجة. اضافة اعلان
تلعب الأسئلة التي يطرحها الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة دورا مهما في النمو النفسي والمعرفي، حيث يسمح لهم طرح الأسئلة بالحصول على المعلومات المهمة لإشباع فضولهم للمعرفة، ورغبتهم في الاستكشاف. وهي تعكس حالات التبدل والنمو المعرفي، وتساعد الإجابات عنها في تصحيح اتجاهات الأطفال في البحث عن معلومات تتعلق بها، وتساعدهم في معرفة وفهم العالم من حولهم، وتعلّم حل المشكلات، وتطوّر مهارات التفكير لديهم.
يعتقد البعض أن الأطفال يستمرون في إثارة الأسئلة الواحد تلو الآخر لإطالة المحادثة، وليس لأنهم يريدون تفسيرا فعليا للأسئلة، وذلك لأن الأطفال ليس لديهم القدرة على فهم العلاقات السببية بين الأشياء في سن 5-8 سنوات. إلا أن العديد من الدراسات أثبتت أن عقول الأطفال تبدأ ويمكنها وفي سن مبكرة فهم الدلالات السببية للعلاقات بين الكائنات والأشياء الموجودة في البيئة المحيطة بهم.
ما الأسئلة التي يطرحها الأطفال؟
ليس موضوع طرح الأطفال للأسئلة موضوعا جديدا، فقد حاول وما يزال علماء التربية وعلم النفس واختصاصيو الطفولة دراسة أسباب هذه الأسئلة، وكيفية الرد عليها بطريقة آمنة، ودراسة طريقة تعامل الوالدين معها. وتشير دراسات أجريت على عدد كبير من الأطفال حول العالم إلى أن أسئلة الأطفال تتركز حول الغيبيات، والذات الإلهية، والظواهر العلمية، وكيفية إنجاب الأطفال، ولكنها لا تقتصر عليها، وقد وضع المختصون قائمة بأكثر الأسئلة تكرارا على ألسنة الأطفال، ومنها:
- كيف تعمل الكهرباء؟
- ما نهاية الحياة؟
- لماذا السماء زرقاء؟
- كيف تطير الطيور؟
- لماذا تبكي ماما عندما تقطع البصل؟
- من أين تأتي الرياح؟
- لماذا البحر المالح؟
- ما هو حجم العالم؟
- كم وزن السماء؟
- ماذا يحدث لنا عندما نموت؟
- هل الله حقيقي؟
- من أين يأتي الأطفال؟
- كيف تطير الطائرات؟
- من أين يأتي المطر؟
- لماذا أبي كبير وأنا صغير؟
- هل حقا كانت ماما صغيرة مثلي؟
- لماذا يخلق الله أشخاصا مرضى أو ذوي احتياجات خاصة؟
- أين سنذهب بعد الموت؟
- لماذا أخذ الله قطتي؟
مستويات الإجابة عن أسئلة الأطفال
تشير نتائج الدراسات إلى أن الآباء يجيبون عن أسئلة الأطفال من خلال مجموعة مستويات من الأسوأ إلى الأفضل، هي:
- رفض الإجابة عن السؤال: حيث يقول الأب أو الأم:"لا تسألني أي أسئلة أخرى"، أو "عندما تكبر ستعرف"، أو تجاهل السؤال تماما. 
- تكرار السؤال أو إعادة صياغته: كأن يسأل الطفل: "لماذا يجب أن آكل خضروات؟" فيرد الأب: "لأنك يجب أن تأكل خضروات"، أو "لماذا الجو بارد؟" فيرد الأب: "لأن درجة الحرارة 15 مثلا".
- الاعتراف بعدم معرفة الإجابة: كأن يقول الأب: "هذا سؤال ذكي ولكني لا أعرف الإجابة".
- تقديم إجابة واقعية عن السؤال، وذلك بتقديم معلومة صحيحة للطفل عن الشيء الذي يسأل عنه.
- تشجيع الطفل على الحصول على الاستجابة من خلال المعلم أو أي شخص يعرف الإجابة كأصدقاء الوالدين، أو أحد الأقارب، أو الرجوع برفقة الطفل إلى أحد مصادر المعرفة، مثل: "دعنا نحاول البحث عن الجواب في الانترنت، أو في الموسوعة". 
- تشجيع الطفل على البحث عن إجابات أو طرح تصوره للإجابة الصحيحة، كالقول: "ما رأيك أنت؟ لماذا قد يحدث هذا؟" وتشجيع محاولاته لإيجاد الإجابة وتحفيزه.
آثار تجاهل أسئلة الأطفال على نموهم النفسي والمعرفي
ينتج عن تجاهلها مشكلات واضطرابات في نمو الأطفال المعرفي وسلوكهم الاجتماعي، يتمثل في شعور الطفل بتأنيب الضمير، وعدم أهميته وأهمية تساؤلاته، مما يؤثر في تقديره لذاته، وتوقفه عن طرح الأسئلة مما يجعل فرص نموه المعرفي، وتطور ذكائه أقل من أقرانه الذين يتلقون إجابات عن تساؤلاتهم. كما يتعلم الطفل مهارات تواصل ومهارات اجتماعية غير صحيحة، وذلك بتجاهل أسئلة الآخرين أو عدم الاهتمام بحديثهم.
ويواصل الأطفال بحثهم عن مصادر أخرى للحصول على المعلومة مما قد يعرضهم لمعلومات مشوهة أو أخطار مختلفة، خصوصا حين تتعلق الأسئلة بالموضوعات الدينية أو الجنسية. وكذلك يؤدي تجاهل أسئلة الأطفال أو نهيهم عنها أو الاستخفاف بها إلى تطويرهم علاقات منغلقة مع الوالدين أو المعلمين، حيث يشعر الأطفال أن التواصل غير مرحب به، أو أنه سيجعلهم عرضة للسخرية أو الرفض.
وينتج عن إهمال تساؤلاتهم أيضا، كبت المخاوف والشعور بالقلق، فالأسئلة التي يطرحها الأطفال تعبر عن مخاوفهم أو عدم إحساسهم بالأمان والاستقرار، أو تمثل رغبة في التأكد من معلومة سمعوها من شخص غريب، وتجاهل الإجابة عنها قد يعرضهم للمخاطر.
التعامل مع أسئلة الأطفال
- إظهار الاهتمام والاستماع للأسئلة التي يطرحها الأطفال، بالعقل والعينين قبل الأذنين. الانتباه لأسئلة الأطفال سيجعلك تكتشف إن كان السؤال ناتجا عن القلق أو الخوف، أو هو مجرد رغبة في المعرفة والاستكشاف، وسيساعدك على التركيز لتقديم الإجابة الشافية.
- لا تعنف أو تنه الطفل عن طرح الأسئلة، ولا تسخر من أسئلته أو تسمح للآخرين بالاستهزاء بها، فهذا السلوك يعطّل رغبة الطفل في الاستكشاف ويؤثر في ذكائه ونموه المعرفي.
- إعطاء الطفل المعلومات بالقدر الذي يناسب فهمه وإدراكه، ويلبي حاجته للمعرفة والاستكشاف. فتقديم معلومات تزيد عن فهم الطفل أو مستوى إدراكه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الارتباك.
- كن صادقا وصريحا، بعض الأسئلة التي يطرحها الأطفال صعبة جدا، وأحيانا تأتي الأسئلة على حين غرّة، إذا لم يكن هناك ما يكفي من الوقت للرد، فأخبر الطفل أنك ستقدم له الإجابة لاحقا، وحدد له موعدا لتقديم الإجابة، واحرص على الوفاء بوعدك. وإذا كنت لا تعرف الإجابة، فأخبر الطفل بأنك ستبحث عن الإجابة وتعود إليه، وحدد له وقتا لذلك، واحرص على الالتزام بالوقت المحدد.
- ساعد الطفل على اكتشاف الإجابة بنفسه ووجهه إلى وسائل المعرفة التي يسمح له عمره باستخدامها، وإذا كانت طبيعة المعلومات التي يبحث عنها حسّاسة، فكن معه أثناء بحثه عنها.
- اقضِ بعض الوقت في قراءة الكتب أو تصفح المواقع التي تشرح فلسفة أسئلة الأطفال، وتقدم لك توجيهات للتعامل معها بشكل تربوي صحيح.

*باحثة دراسات اجتماعية ومستشارة لشؤون الأسرة