"أكيد" يرصد ضجيج الكراهية المنظم.. وسعي الإعلام الجديد لـ"شيطنة" المجتمع

عمان - الغد - فيما حافظ المجتمع الأردني خلال "الربيع العربي"، الذي انطوى على تسويق سياسي هائل وموجة كراهية، على تعبيرات سياسية اقتصادية ومطلبية واحتجاجية وازنة، مقارنة بتحولات صادمة منذ حزيران (يونيو) الماضي.اضافة اعلان
واتسم هذا التحول "بحضور مكثف لخطاب الكراهية وتعبيراته الإقصائية غير المألوفة من خلال الإعلام الرقمي، تؤسس للاستقطاب والانقسام الاجتماعي منذ حزيران (يونيو) الماضي، وصل ذروته مع ارتكاب أول جريمة اغتيال قاد إليها هذا الخطاب من خلال هذه الوسائل"، بحسب مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد".
وقال المرصد في تقرير صدر امس، إن هذا الخطاب كان محدودا ولا يكاد يذكر وانحصر في وسائل التواصل الاجتماعي وبتعبيرات محددة، لكنه أخذ يتنامى سريعا.
وخلال فترة 20 شهراً، وصل خطاب الكراهية مراحل خطيرة في إثارة الصراعات وتصنيع المواقف والتأثير على الرأي العام، في قضايا تمس الأبعاد الثقافية والدينية والطائفية المباشرة، وصلت ذروتها في تداعيات اغتيال الكاتب ناهض حتر التي تُعَد أول جريمة خطاب كراهية ترتكب بتحريض الإعلام الرقمي وعلى خلفيات دينية – ثقافية.
ورصد "أكيد" خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة مجموعة من القضايا ساهمت في تنامي الكراهية وفاقمت من بروز التعبيرات الدالة عليها أبرزها: توقيف الأكاديمي والداعية الاسلامي أمجد قورشة على خلفية منشورات على الشبكات الاجتماعية (اليوتيوب)، وصفت بأنها تدعو إلى التطرف، صحبها نقاشات واسعة على الشبكات انطوت على أنماط مختلفة من الكراهية والتحريض المتبادل.
كما لاحظ المرصد النقاشات التي دارت حول وفاة عازف الجيتار الأردني شادي أبو جابر في حادث سير والتي ذهب بعضها حول عدم جواز الترحم عليه بسبب ديانته (المسيحية)، وهو ما اعتبره "اكيد" الشرارة التي "أشعلت خطاب كراهية واضحا".
والى ذلك أشار المرصد الى قضية حتر ومن ثم توقيفه وخروجه من السجن انتهاء باغتياله، وما صاحب هذه القضية طيلة نحو 25 يوما من "تعبئة للكراهية وتجييش ضده شخصيا" على مواقع التواصل وبعض المواقع الالكترونية والإذاعات.
وأشار الى قضية اخرى تسببت بتراشق بخطاب كراهية هي "قضية تعديلات المناهج الدراسية".
وعلى الرغم من صعوبة رصد المحتوى الإعلامي الذي يدعو للكراهية، وفق التعريفات العلمية، على مواقع التواصل وأحيانا على المواقع الإخبارية، فقد رصد "أكيد " نحو 311 مادة تحتوي على محتوى كراهية وتحريض على 26 موقعا الكترونيا مسجلا رسميا، بقضية حتر منذ بداية قضيته ولغاية اغتياله.
 وفي قضية تداعيات وفاة أبو جابر تتبع "اكيد" 22 (بوست) نشرت من قبل 19 حسابا خلال الفترة من 29 تموز (يوليو) ولغاية 3 آب (اغسطس) الماضيين وشهدت نحو 7800 تعليق، كان  90% منها إيجابيا، ولكن سرعان ما تم حرف النقاش في الموجة الثانية من قبل أقلية من الناشطين الأمر الذي دفع بهجوم معاكس من التعليقات.
الإعلام الجديد "يشيطن" المجتمع
ويبدو أن التحولات التي شهدتها التعبيرات التي  أنتجها المجتمع الأردني خلال هذه الفترة المحدودة ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بأداء وسائل الإعلام وتحديدا الرقمية، وما تتيحه هذه الوسائل من إمكانيات هائلة للتوظيف السياسي والأيديولوجي وزيادة حدة النقاشات، بحسب التقرير.
وأشار الى ان هذا الخطاب بات ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني والسلم الأهلي، وتهدد مجتمع التسامح الذي حافظ عليه الناس عقودا طويلة ويقوض قيم التسامح والتعددية والعيش المشترك.
وقد سجل المرصد، بحسب التقرير عدة ظواهر منها استمرار ظاهرة الأقلية الصارخة التي تتحول إلى أقلية قائدة ذات تأثير قوي، وحينما يصل الخطاب ذروته ويتسع نطاق المشاركة، تتراجع قوة خطاب هذه الأقلية، لافتا الى ان هذه الأقلية ترتبط بمعظم الأحداث ذات الصلة بخطاب كراهية، وهي التي تقود إلى خلق ظاهرة الاتجاه السائد في الرأي العام.
أما الظاهرة الأخرى فهي الخوف من الاتجاه السائد، وهو ما أشارت اليه الباحثة الالمانية اليزبيث نويل- نيومان منذ منتصف السبعينيات حول علاقة الجمهور بوسائل الإعلام أو بحسب تعبيرها "دوامة الصمت"، بمعنى ان معظم الأفراد يتحركون باتجاه ما تتبناه وسائل الإعلام خلال فترة من الزمن، أما الأفراد المعارضون فإنهم يتخذون موقف الصمت، إما خوفا من العزلة الاجتماعية، أو تجنبا للاضطهاد والصراعات الاجتماعية.
واعتبر "اكيد" ان "التأطير" أحد الأساليب الأكثر تعقيدا وتركيبا في الدعاية السياسية والثقافية، حيث اتسمت خطابات الكراهية والتحريض في الأشهر الثلاثة الأخيرة بحضور معظم هذه الأطر التي عادة تعمل على نقل الاتجاه إلى اتجاه عام وسائد.
لاحظ المرصد وجود صنفين من التغطيات الخاصة بقضية حتر خلال مرحلتي تطورها (السجن ثم الاغتيال)، مثل ان تغطيات المواقع الالكترونية المرخصة كانت أكثر حذرا وحساسية مع المرحلة الثانية بعد الاغتيال، وتوقفت عن نقل ما يدور في التواصل الاجتماعي باعتبارها مصادر أخبار وتقارير، بينما في المرحلة الأولى نشر في المواقع الكثير من المواد التي صنفت ضمن خطاب الكراهية.
وبالطبع لا يقصد بخطاب الكراهية تلك المواد التي تناولت بالنقد بما فيه النقد الجارح الموجه للكاتب نفسه، فهذا قد يندرج في خانة القدح والذم، لكن خطاب الكراهية تجلى في تصنيف الكاتب ومواقفه والتعامل معه ومعها باعتبارهما مجموعة أو هوية تارة دينية وتارة سياسية/ ثقافية. مثل التركيز على ديانته المسيحية أو مواقفه العلمانية بعد إعادة تعريفها كهوية لفئة معينة.
وأبرز هذه الأطر كما تم رصدها في قضية حتر في المواقع الإخبارية وعددها 26 موقعا "إطار التصنيف والوصم، وسيطر هذا الإطار على أغلب التغطيات إذ شملت أكثر 69 % من المواد المرصودة، وإطار الشتم والسباب بنحو 18 % من المواد، وإطار التحريض والايحاء بنحو 40 % من المواد".
وشهدت التغطيات الإعلامية بالفترة ذاتها قضايا أخرى تخللها خطاب كراهية غير القضايا الكبيرة التي وصمت بالطابع الديني المباشر، منها ما نُشر خلال الحملات الدعائية الانتخابية، حيث شهدت التغطيات بعض التصنيفات ذات الطبيعة الفئوية أو الثقافية حيث شهدت الدائرة الانتخابية الثالثة في عمان نقاشاً عالياً وحاداً  بين قائمتين هما "الإصلاح/ الإسلاميين" و "معاً/ الدولة المدنية".
وكمثال آخر، تحول الجدال الذي أثير حول المناهج المدرسية وتعديلها، وهو في الأصل يفترض أن يكون جدالا مشروعا وصحيا، إلى خطاب يحوّل أطراف النقاش إلى"جماعات" لا تختلف حول المناهج فقط، بل تختلف في الدين والعادات والتقاليد.
وفي أمثلة أخرى، انتشرت موجات من خطاب الكراهية حول قضايا تخص بعض الشخصيات مثل الدكتور أمجد قورشة الذي أوقف في السجن، والكاتبة زليخة أبو ريشة التي كتبت في قضايا خلافية، وانقسم المؤيدون والمعارضون إلى فرق تتبادل الأوصاف الجماعية.
وتتيح وسائل التواصل نشر مواد على شكل خليط من الأفكار في الحالة الواحدة، وخاصة من خلال تقنية الوسوم "الهاشتاغ"، إذ يربط واضع الهاشتاغ بين عدد من الكلمات المختارة بعناية، وترتبط كل كلمة بشبكة من المواضيع، وفي العادة يسعى الناشطون أو الكيانات المهتمة إلى ايجاد هذه الوسوم ومتابعتها حتى تصبح مثل كرة الثلج.
ولوحظ مثلا ان الانتماءات السياسية تحولت في النقاش المفتوح على التواصل الاجتماعي، إلى هويات ذات بعد ثقافي، واليوم تكاد مفاهيم مثل الليبرالي او العلماني والإسلامي واليساري تتحول من عناوين سياسية مشروعة تحمل دلالات التنوع الإيجابي، إلى هويات متصارعة أخلاقيا واجتماعياً وثقافياً.
وهناك ملاحظة بارزة في العلاقة بين المواقع الإخبارية الإلكترونية المسجلة والمرخصة وبين التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع، ومنذ أن تقرر أن يشمل قانون المطبوعات في مواده وأحكامه كافة التعليقات التي يكتبها القراء في الأماكن المخصصة، لجأت هذه المواقع إلى إلغاء زاوية التعليقات على الموقع أو تقليص الاعتناء بها، ونقل النقاش إلى صفحات التواصل عبر مشاركة المادة ذاتها من الموقع إلى الصفحة الخاصة به والتي تحمل اسمه.
ويعد مفهوم "خطاب الكراهية" جديداً نسبياً، ولهذا فهو لغاية هذه اللحظة لم يعرّف بشكل واضح وموحد، وفي الأردن لم يستخدم المفهوم مباشرة في نصوص قانونية، إلا أن ثمة نص عليه في مجموعة من الوثائق الدولية ذات العلاقة صادق عليها الأردن رسميا والتزم بها.
لم يستخدم التشريع الأردني كلمة الكراهية، لكن هناك العديد من القوانين التي تضمنت معانيها ودلالاتها، كقانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات، وهناك إشارات لجريمة التحريض على التطرف والفتنة الطائفية، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية والتحريض على النزاع والتفرقة بين الطوائف والأعراق وإهانة الشعور الديني.
وخلص "اكيد" الى تنامي حجم المنشورات المحرضة والانتقائية على شبكات التواصل الاجتماعي التي تجاوزت أحيانا  ظاهرة "الاقلية الصارخة" ودخلت في سياق الحملات المنظمة.
ولفت الى دخول بعض وسائل الإعلام الرقمي وبعض المواقع الالكترونية على خط التحريض ونشر الكراهية، واخذت تغذي موادها التحريضية من منشورات وسائل التواصل.
كما لفت الى ازدياد التراكم الكمي لحجم التحريض الحاد الذي تحول كيفيا إلى أداة لخلق الاستقطاب والانقسام الاجتماعي على الهويات الدينية والمواقف الثقافية والسياسية، إضافة الى ضعف الرقابة واستخدام القانون في مواجهة الاستقطاب ونشر الكراهية، وسط حالة من التفعيل الانتقائي في تطبيق القانون.
وحذر من ان استمرار تراكم خطابات الكراهية تقود إلى شيطنة المجتمع وبناء وقائع قد لا تتفق مع واقع المجتمع، وما يتمتع به من تعددية وعيش مشترك وما قد يلحق ضررا لا يعوض بالتراث الروحي الغني لمكونات المجتمع وبأنماط الحياة الثقافية السائدة.